بدأت منذ أشهر أشغال بناء أشكال هندسية على شكل "مظلات" عملاقة وسط ساحة "مولاي الحسن" بالرباط المشهورة "ببلاص بيتري". "المظلات" التي يجري بناؤها على قدم وساق منذ مدة، تندرج ضمن مشروع "الرباط عاصمة الأنوار"، وبلغت تكلفتها الإجمالية نحو38 مليون درهم، أي 3.8 ملايير سنتيم، وهو مبلغ اعتبرته العديد من الأصوات خياليا وترفا، خاصة أن المشروع خرب إحدى أحسن وأجمل الساحات العمومية بالعاصمة، والتي لم يمض على بناءها أكثر من 10 سنوات، ناهيك أنه يشوه جمالية المكان.
عمر الحياني المستشار الجماعي عن "فدرالية اليسار"، الذي وصف الكيهل بأنه مجرد كتلة من "القصدير"، كان من بين أوائل من كتب عن هذه المظلات العملاقة، التي تجاور أكبر صندوق سيادي بالمغرب هو "صندوق الإيداع والتدبير". وقال الحياني في تصريح ل "لكم" إن منتخبي المدينة لم يشركوا في وضع المشروع أو حتى تتبعهومراقبته، مثله مثل جميع المشاريع المندرجة ضمن برنامج "الرباط مدينة الأنوار"، الذي تحوم حوله شكوك عديدة حول كيفية منح صفقات عديدة لشركات بعينها. وأشار أن ما يجب معرفته أن اتفاقية برنامج "الرباط مدينة الأنوار" وقعت عليها مجموعة من الأطراف من ضمنها جماعة الرباط، التي ساهمت فيه بحوالي 720 مليون درهم، 90 في المائة منها على شكل قرض من صندوق التجهيز الجماعي ستسدد الجماعة على مدى 15 سنة. وكشف الحياني أن مشروع المظلات الحديدية هو من تصميم المهندس المعماري كريم شاقور، الذي وصفه بأنه "المهندس المعماري الوحيد في المغرب الذي له مكتب داخل المشور الملكي بحي تواركة" في الرباط. وأكد الحياني أن "فدرالية اليسار" طالبت مرات عديدة بمناقشة هذا البرنامج وتتبع ثغراته خاصة أن جماعة الرباط ساهمت في تمويله، لكنها كانت تواجه برفض مجلس المدينة التي يسير أغلبيتها حزب "العدالة والتنمية"، بحجة أن البرنامج مشروع ملكي. ساحة "بلاص بيتري" أثناء عملية بناء المظلات
وأبرز الحياني أن برنامج "الرباط مدينة الأنوار" الذي تصل ميزانيته إلى 9,4 مليار درهم، أي حوالي مليار دولار لم تسبق مناقشته مطلقا في مجلس المدينة سواء في هذه الولاية أو في الولاية التي سبقتها. وأضاف "نحن كمستشارين جماعيين أصبحنا نكتشف المشاريع في الشارع فقط مثلنا مثل بقية المواطنين العاديين، وقد يظهر هذا للناس أنه غريب لكن هذه هي الحقيقة، فالأغلبية الساحقة من المشاريع لا علم لنا بها".
فضاء ساحة "بلاص بيتري" قبل بناء المظلات وسطها
وتابع بالقول "القصديرة التي يتم بناءها حاليا، والنفق الذي يتم تشييده على مستوى باب الأحد لم يكن لنا أي علم بهما كمستشارين جماعيين". وأبرز الحياني أن "فدرالية اليسار" كانت الكيان السياسي الوحيد الذي طالب بحضور مدير شركة "الرباط للتهيئة" التي تشرف على تنفيذ هذا البرنامج، للمجلس لمناقشة المشاريع التي أطلقت بالعاصمة، وفعلا مثل أمام المجلس وتفاجأنا أن أسئلة كثيرة تهاطلت عليه حتى ممن كان يعارض مناقشة هذا البرنامج بحجة أنه "مشروع ملكي". وأشار أنه طوال مدة خمس سنوات وهو مستشار بمجلس المدينة، لم يأت فيها مدير عام شركة "الرباط للتهيئة" لمناقشة هذه المشاريع سوى مرة واحدة. المشروع كلف 38 مليون درهم
وشدد الحياني أنه لا يجب إنكار أن هناك مشاريع جيدة ضمن هذا البرنامج أعطت رونقا جديدة للمدينة وجاذبية تليق بمكانتها كعاصمة للمملكة، لكن ليست كل المشاريع المحدثة في إطار هذا البرنامج هادفة وذات أولوية بالنسبة للمدينة وسكانها، فتجديد الحدائق العمومية وتهيئة الكورنيش كان أمرا مهما، لكن بعض الاختيارات الأخرى كانت خاطئة، منها توسعة المجالات المعشوشبة التي تستهلك كميات كبيرة من الماء في مدينة مناخها شبه جاف، تضاف إليها مشاكل الإنارة العمومية ففي الوقت الذي يستعمل فيه العالم بأكمله مصابيح اقتصادية لتقنين استهلاك الطاقة، تستعمل في العاصمة مصابيح تقليدية كان لها وقع مباشر على فاتورة الكهرباء بالمدينة التي انتقلت من 30 مليون درهم في العام، وفاقت الان 100 مليون درهم في السنة، علما أن موارد المدينة لا تسمح بتحمل هذه التكلفة. وأوضح الحياني أنه عندما تم استفسار مدير شركة "الرباط للتهيئة" حول عدم استخدام مصابيح اقتصادية في إنارة المدينة، أجاب بكلمة "نسينا"، مستغربا أنه كيف يعقل أن مشروعا بهذا الحجم تقف خلفه شركات كبيرة ومهندسون كثر، وعبأت له موارد ضخمة يهمل أمورا مثل هذه. هيكل حديدي بشع بني وسط الرباط حجب رؤية سور المدينة القديم
وأبرز أن هذه مجرد اختلالات قليقلة من خروقات برنامج "الرباط مدينة الأنوار" التي لا تعد ولا تحصى، ناهيك عن طابع الغموض والكتمان الذي يلف بعض المشاريع المنجزة في إطاره، و التي لا يعرف عنها مستشارو المدينة أي معلومات مثل هذه المظلات العملاقة. وأكد الحياني أنه "في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، يتم مناقشة كل شيء من طرف ممثلي الشعب، من الصغيرة إلى الكبيرة، لكن في المغرب، معظم الأحزاب تصفق لكل ما يأتي من فوق، أكان بشعا أم جميلا، لتضمن بقاءها و بقاء مصالحها، لذلك فإن انعدام الديمقراطية يخلف البشاعة". تجدر الإشارة أن موقع "لكم" حاول التواصل في أكثر من مرة مع عمدة مدينة الرباط و نائبه لمعرفة موقف المجلس من هذا المشروع والانتقادات التي طالته، لكن لم يتسنى له ذلك لأن هاتفيهما كان يرن بدون رد.