ظلت الجامعة المغربية منذ تأسيسها الملاذ الحقيقي لأبناء الفقراء الكادحين في سبيل اغناء زادهم المعرفي ورقي بمداركهم العلمية ،ليساهموا في المسيرة التنموية لهذا البلد ،بما يحقق لهذا الوطن وأبناءه المكانة اللائقة في كوكبة الأمم والشعوب. فالجامعة كمركز للتحصيل العلمي والإشعاع الثقافي ،ظلت منطلقا لتخريج الأطر ورجالات الدولة ،لكن حين تفقد الجامعة الدور المنوط بها وأساسها الوظيفي، فإنها لاشك ستكون من ضمن العوامل المعيقة لتطور أي بلد، والتعليم الجامعي بالمغرب لم يخرج عن هذه الدائرة الضيقة ،نتيجة ارتباط أزمته البنيوية بالواقع المتأزم الذي يعيشه المجتمع ككل،فهو لم يخرج من مسلسل تفريخ آلاف من المعطلين سنويا ومئات من الأطر المعطلة يلبي المخزن مطالبها بعصاه الغليظة. فقد تقادمت البنيات التحتية للجامعة المغربية وتراجع دورها البحثي والتعليمي، فيما ظل طلبتها يعانون من غياب ادنى الشروط الضرورية لتلقي التحصيل العلمي ،خصوصا أمام هزالة المنحة المقدمة وعدم تعميمها الى جانب رداءة المرافق الجامعية من أحياء ومطاعم ومكتبات وملاعب رياضية سنة تلو الأخرى. قيس على ذلك التزايد المهول في أعداد الطلاب دونما أي تخطيط استراتيجي للوزارة في كيفية استيعابهم وتوفير حاجياتهم بما يضمن مكانا لائقا لكل الطلاب في مدرجات الجامعة،بينما تستمر السلطة المركزية من جهتها في تضخيم الهاجس الأمني في تعاملها مع قضايا الطلاب خصوصا أمام تنامي الرفض الطلابي لمخططاتها، ووجود تيار غير مرغوب فيه يؤطر الفعل الإحتجاجي في الساحة الجامعية، الى جانب محاولتها أي الدولة التخلص من النفقات الثقيلة التي تتطلبها الجامعة والبحث العلمي سنويا، وهو ما أفرغ الجامعة المغربية من مضمونها الحقيقي ،وغيب دورها العلمي والثقافي وما يعنيه ذلك من تضييع مساهمتها الفعلية في تنمية الوطن وتحديثه، وهو ما يؤكد عمق أزمتها وخطورة وضعيتها ،رغم مسلسلات الإصلاح الساعية لاستعادة ريادتها والتي أكدت التصنيفات العالمية والتقارير المؤسسات الدولية في مجال البحث العلمي فشلها بإدراجها الجامعة المغربية في دركات السفلى في مقاييس البحث العلمي المتوافق عليها عالميا. وبدل أن تشمر الحكومة الجديدة على ساعديها وتقف على مكامن الداء وتحاول اصلاحها ،افتتحت الموسم الجامعي الحالي على ايقاعات جديدة ،مرتبطة باستحضار المقاربة الأمنية من خلال الشراكة بين الوزارة الوصية ووزارة الداخلية على تدبير الدخول الجامعي الحالي ،وإعطاء هذه الأخيرة صلاحيات التدخل في الشأن الجامعي،مما يؤكد الرغبة الكبيرة التي تساور المسؤولين في "مخزنة الجامعة"و تلجيم التيار الرافض لمخططات المخزن والمدافع عن حقوق الطلاب وفي محاصرتها ومراقبة الفاعلين داخلها، والذي وصل الى حد زرع كاميرات للتجسس على طلبتها في كليات عدة هذه السنة . الاكيد أن غياب ارادة حقيقة لوضع مسار صحيح لإنقاذ الجامعة المغربية عبر اصلاح جذري من طرف المسؤولين في الدوائر العليا يستحضر اشراك الجميع في معالجة هذه الوضعية التي يرزح تحتها قطاع حيوي عليه تبني الدول نهضتها سيعمق من أزمة الجامعة ،والتي لاشك هي تعبير آخر عن الفساد والإستبداد الذي ينخر هياكل الدولة ويعرقل المسيرة التنموية لهذا البلد المغلوب على أمره.