من البديهي أن احترام أحكام القضاء ودرجات التقاضي واجب على الجميع، وأنه من غير المقبول أن يعترض عاقل أو يشكك في أحكام القضاء أو يعلق عليها، هذا في الدول الديمقراطية، أما في دولة كالمغرب يشكو فيها القضاء من علل وأمراض مزمنة، لعل أحدها، هذا الفساد السرطاني الذي ينخر جسمه، مما جعل حتى القضاة وفي سابقة من نوعها يضجون ويختارون الاحتجاج بعد أن فقدوا الأمل في وعود الإصلاح المنشود. قضاء معطوب بهذا الشكل لا يمكن أن يكون بعيدا عن التعليمات الفوقية والأوامر السرية، كما لا يتصور أن يكون أمينا على تحقيق العدالة وعن رفع الضيم والحيف عن المظلومين، لهذا فمن الطبيعي في الدول الديكتاتورية، التي يوظف ويسخر فيها القضاء والقانون والإدارة لتصفية الخصوم السياسيين واغتيالهم سياسيا وماديا، أن يكون الرفض والتشكيك هو القاعدة لا الاستثناء. كما أنه لا يمكن لسوي أن يقبل أو يبرر العنف أو الإجرام أو الاعتداء على حياة الناس، ولا يمكن أن يكون مع الاغتيال السياسي ومجابهة الرأي بالرصاص والسيوف، والكلمات بالمدي والخناجر. والعدل والإحسان لا يمكن أن يزايد عليها أحد في رفضها للعنف -اتفقنا أم اختلفنا معها- ولا يمكن إلا أن يشهد لها الخصوم قبل الأصدقاء بأنها جمعية سلمية، بل الأكثر من ذلك إنها من التنظيمات التي طبعت المغرب السياسي ورسخت فيه قيمة "الصراع السلمي" ضد المخزن طيلة أربعة عقود، في وقت كانت "المعارضة" لازمة وملازمة للعنف منذ الاستقلال وحتى أواخر الثمانينات، بل إن العنف مازال اختيارا لدى بعض الفصائل الثورية الراديكالية حتى الآن. إن هذين المعطيين ضروريين لنفهم طبيعة هذا الملف، فإعادة إحياء ملف تعود أحداثه ووقائعه إلى 20 عاما مضت من جديد، يطرح أكثر من سؤال حول الخلفية السياسية لملف أكلته الأرضة في الأرشيف، ويثير أكثر من تشكيك عن الأهداف المأمول تحقيقها من لدن الجهات التي حركت الملف والتي نحددها في: 1- فتح خط جديد للضغط على العدل والإحسان ومساومتها بحكم ثقيل مدته 10 سنوات. 2- الانتقام من كوادر العدل والإحسان في مدينة فاس، خاصة بعد الهزائم النكراء التي منيت بها الأجهزة الأمنية بفاس تحديدا. 3- محاولة الجناح الاستئصالي داخل المخزن ردع جناح الصقور داخل العدالة والتنمية، خاصة أمثال د عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة للحزب، بعد اتهامه المباشر من طرف عائلة الضحية بالتورط في مقتل عيسى آيت الجيد. 4- إعادة العلاقة مع اليسار إلى وضع الاشتباك بعد الاختراق الذي أحدثته العدل والإحسان والإسلاميون في صف اليسار إبان الحراك العربي. 5- التشكيك في سلمية العدل والإحسان وفي براءتها من العنف السياسي، خاصة بعد إثارتها لملف معتقليها الاثني عشر أمام لجنة خوان مانديز الأممية، التي زارت المغرب في الآونة الأخيرة. إن هذه القضية بتداعياتها الاجتماعية والنفسية والسياسية على العائلتين العضويتين والسياسيتين -الإسلاميين /اليسار- للضحية وللمتهم، يفرض على الفاعلين السياسيين والحقوقيين تشكيل جبهة وطنية تفشل مخططات المخزن وتجعل من أولوياتها: مجابهة التوظيف السياسوي للقضاء ومقاومة الانتقائية في إصدار الأحكام والحيلولة دون تحول الأحكام القضائية إلى فزاعة في أيدي المخزن يحركها وقت شاء ضد من شاء، وما قضية "خالد عليوة" القيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي عنا ببعيد. فتح الملف وإعادة محاكمة نزيهة وعادلة –وهذا حق لعائلة الضحية ولكل المغاربة -لمعرفة المتورطين الحقيقيين في مقتل الطالب عيسى آيت الجيد لمعرفة ولأية أسباب قتل ومن حرمه حتى من دفن كريم، ومن كان من مصلحته تأجيج الصراع الإسلامي/اليساري حينها أي في بداية التسعينات، خاصة وأن كل الأدلة والقرائن تنفي تورط الطالب عمر محب. من المؤكد أن هذا الملف سياسي بتفاصيله وبخلفياته وبوقائعه وبأشخاصه وبمرحلته التاريخية لهذا فالأمثل أن يعاد فتحه على هذه الأرضية ويكيف وفق هذه الخلفية، ومن الضروري أن تكشف حقائق هذه المرحلة السوداء من تاريخ المغرب التي سعت أجهزة المخزن فيها بكل الوسائل لإشعال حرب بين الفصائل الطلابية في الجامعات المغربية وراح ضحيتها المئات من الطلبة والطالبات.