أمام وباء من عينة كوفيد-19 ودونَ التوصل إلى لقاح حتى اليوم، يبقى التكهن بمستقبل المغاربة والبشرية جمعاء، مجرد سيناريوهات للخروج بأقل الأضرار، وفي الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة الأيام القادمة لإعلان حكومة سعد الدين العثماني عن الإجراءات الجديدة تخص مرحلة ما بعد 20 ماي، فتحت المندوبية السامية لتخطيط قوسين جديدين لإدراج أبرز سيناريوهات الخروج، لكن ماهوَ الثمن؟ الدراسة التي أطلقتها المندوبية السامية لتخطيط بعنوان “وضعية وسيناريوهات” حصل موقع “لكم” على نسخة منها أقرب ما تكون إلى دراسة فهي عبارة عن مقاربة شاملة لوضعية الفيروس ومستقبل تطوره واحتكاكه بالسكان.
وتستند الدراسة على سيناريوهين رئيسيين لرفع الحجر الصحي في البلاد، أحدهما عام والآخر جزئي، يستبعد كلاهما فئات السكان الأكثر عرضة، في حالة الإصابة للمخاطر القصوى للإنعاش والوفاة، ويركزان على النشيطين المشتغلين بالقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية للبلاد. دراسة نوعية في البادئ اعترفَ المشرفون عن الدراسة بأنه لا يوجد نموذج قادر على استيعاب كل التعقيدات المرتبطة بانتشار هذا المرض، وبالتالي، تقول الدراسة إنَّ هذا التحليل لا يدعي بتاتًا تقديم استنتاجات نهائية للأزمة الحالية، بل يقترح مساهمة بناءة في النقاش حول خيارات الخروج من الأزمة، كمَا تبينَ لمُعدي الدراسة أنَّ الهدف منها أيضًا، هوَ تزويد المندوبية السامية للتخطيط بقاعدة تجريبية للمعرفة حول موضوع جديد يتعين عليه أن تستثماره لاحقًا من أجل إلمام أفضل بالسياق الوطني للجائحة، واعتمادها حين تكون شروط رفع الحجر الصحي قد تقررت من طرف السلطات المختصة. وقال المندوب السامي لتخطيط أحمد حليمي علمي في مقدمة عرض الدراسة، إنَّ هذه الدراسة تبدو بالنظر لموضوعها، شاذة مقارنة بالدراسات التقليدية للمندوبية السامية للتخطيط، بينما لها قرابة مع الدراسات المستقبلية “مغرب 2030” التي سبق أن أنجزتها هذه المؤسسة حول مواضيع ذات طابع اقتصادي وجيوستراتيجي، منها على الخصوص، “الأزمات غير الاعتيادية” التي كانت موضوع ندوة دولية نظمت بالدار البيضاء يومي 19 و20 يناير 2007. واعتبرت الدراسة أنَّ جائحة وباء كورونا، تؤثر على السكان بشكل مختلف حسب العمر ووجود مرض مزمن، ممَا جعل من مُعدي الدراسة توزيع “الإصابة بالوباء” بالنسبة لهذا المعيار المزدوج. وبالموازاة، تمييز السكان المنخرطين في الاقتصاد الممثلين بالنشيطين المشتغلين، بحوالي 36 مليون نسمة. الفيروس يتربص ب8,4 ملايين نسمة وقالت المندوبية إنَّ معدل سكان أهل المغرب نسبيًا من الشباب، مسجلة متوسط عمر يصل إلى 31,9 سنة وتتكون من 7,4% من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق. وتصل الساكنة النشيطة المشتغلة إلى 10,7 ملايين فرد. وتصل الساكنة الأكثر عرضة لخطر الاستشفاء (الحالات الإيجابية المؤكدة وعدد الحالات التي ستخضع للعناية الطبية بالمستشفى) أو الوفاة بالنسبة لهذه الجائحة إلى 8,4 ملايين نسمة. وبالنسبة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق يصل عدد الإصابة منهم إلى (2,6 مليون نسمة، منهم 1,7 مليون شخص يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل) والسكان الذين تقل أعمارهم عن 65 سنة والذين يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل (5,8 مليون). وانطلاقًا من هذا النموذج تم رسم السيناريوهات التي تقول الدراسة أنها استندت على استخدام المعطيات الديمغرافية والسوسيو اقتصادية والصحية للسكان المتأتية من الإسقاطات السكانية لسنة 2020، ومن البحث الوطني حول التشغيل لسنة 2019 للمندوبية السامية للتخطيط، والبحث الوطني حول السكان وصحة الأسرة لوزارة الصحة برسم سنة 2018؛ المعطيات المتعلقة بالوباء والتي كانت متاحة لنا من خلال منشورات وزارة الصحة. سيناريو رفع الحجر الكلي.. إلى أين؟ وضعت المندوبية السامية لتخطيط أبرز سيناريوهات رفع الحجر في المغرب، وقالت إنه في حالة الرفع الكلي للحجر بالمغرب سيزداد عدد حالات المخالطة في اليوم مع الأشخاص المصابين بما فيهم الأشخاص غير حاملين للأعراض، مما سيرفع عدد التكاثر الأساسي (R0) إلى ما فوق 1، حيث يصعب معه السيطرة على الوباء، فيؤدي إلى نتائج شبيهة بتلك الناجمة عن ما يسمى بالسيناريو النظري للتطور الطبيعي للجائحة. وتؤكد المندوبية أنَّ هذا السيناريو سيؤدي إلى ذروة الوباء، الذي يتم الوصول إليه في وقت مبكر مع عدد كبير جدا من الحالات المصابة مما يؤدي إلى ضغط مرتفع على المنظومة الصحية وكذا ارتفاع معدل الوفيات. وسينتج عن هذا السيناريو في نهاية المطاف انتقال إلى عدوى حوالي %80 من السكان. وأبرزت المندوبية أنه من أجل تبين أهمية الاحترام التام للتدابير الاحترازية، تمت إعادة محاكاة نفس السيناريوهات ولكن، هذه المرة، مع فرضية، غير واردة، أن السكان سيتصرفون بنفس الطريقة السائدة قبل العلم بهذا الفيروس، وكشفت النتائج أنه، في غضون حوالي ثلاثة أشهر، سيتضاعف العدد الإجمالي التراكمي للإصابات 8 مرات حتى لو تم العمل بسيناريو الرفع المحدود للحجر. وسيؤدي هذا السيناريو لرفع الحجر الصحي بدون تطبيق تدابير الحماية الذاتية بعد 100 يوم، إلى عدد تراكمي من المصابين سيرتفع إلى أكثر من 155.920 حالة. كما سينتج عن هذا السيناريو دون تطبيق تدابير الحماية الذاتية، عددًا اجماليا من الأشخاص المصابين الذين سيقتربون من 50٪ من السكان. وسيعرف النظام الصحي تجاوز قدرته الاستيعابية خلال 28 يومًا مع تسجيل معدل استشفاء يصل إلى 10٪ فقط من الحالات المصابة النشيطة. هذا السيناريو له نفس طبيعة سيناريو “التطور الطبيعي”. سيناريو القضاء على الوباء في يوليوز أفادت دراسة المندوبية السامية لتخطيط أنَّ هذا السيناريو يعمل على امتداد الوضع الحالي حيث تكون جميع التدابير المعمول بها حاليًا، جارية متساوية، وهذا يعني أن جميع التدابير المتخذة بالفعل قد تم الحفاظ عليها، وفي هذه الحالة، أبرزت المندوبية أنه يتم تقدير عدد التكاثر R0 ومعلماته انطلاقًا من المعطيات الحقيقية الملاحظة، حيث أن R0 يساوي 0,76 (أقل من 1 ) وهذا يعني أن الجائحة تتناقص وتتجه نحو الاندثار. وبينت محاكاة استمرار الحجر الصحي باستخدام النموذج الحسابي أنَّ العدد الإجمالي للمصابين سيصل في بداية يوليوز إلى 7800 حالة، وسيصل العدد الإجمالي للمصابين النشطين إلى حوالي 3200 حالة والقضاء على المرض في نهاية يوليوز. وحسب السيناريو المسمى بالسيناريو “الاتجاهي”، فإن تمديد الوضعية الحالية للحجر سيفضي إلى عدد إجمالي للمصابين يناهز 7800 حالة عند بداية شهر يوليوز، فيما يفترض أن يبلغ عدد المصابين النشطين، أي العدد الإجمالي للمصابين ناقص عدد المتعافين والوفيات، ذروته بحوالي 3200 حالة خلال شهر ماي، وتؤشر التقديرات، حسب الدالة الغاوسية) Fonction Guassienne ( على توجه عدد المصابين النشطين نحو الانخفاض ليصل إلى حوالي 2000 حالة في 20 ماي وعلى انتشار ضعيف جدا للجائحة في شهر يوليوز. عين على الاقتصاد وعين على الوباء واصلت المندوبية وضعَ سيناريوهات رفع الحجر الصحي في المغرب، دونَ إغفال إنعاش الاقتصاد الوطني، وأبانَت السيناريوهات عن التحدي الثنائي الذي يجمع بين الاقتصاد وعدم تعريض الأهالي لخطر العدوى الإصابة بالوباء، إذ جرى استشراف سيناريو يسمى “رفع محدود للحجر”، ويفترض هذا السيناريو رفع الحجر عن السكان النشيطين المشتغلين الذين تقل أعمارهم عن 65 سنة ولا يعانون من مرض مزمن. وسيفضي هذا السيناريو إلى عدد إجمالي تراكمي يناهز 18.720 حالة مؤكدة في حوالي 3 أشهر (100 يوم)، بنفس الذروة التي سبق تسجيلها، أي بحوالي 3200 حالة إصابة نشيطة. وقالت المندوبية إنَّ هذا الإجراء سيولد حاجة قصوى تصل إلى 3200 سرير استشفائي (نسبة استشفاء 100٪ للمصابين النشطين وفقا للاستراتيجية الوطنية) و 160 سريرا للإنعاش (5٪ من المصابين النشطين) وهو ما سيؤدي إلى 748 حالة وفاة (4٪ من إجمالي المصابين). ويفترض السيناريو المسمى “رفع الحجر الواسع” عن السكان النشيطين المشتغلين الذين تقل أعمارهم عن 65 سنة وعن السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، الذين لا يعانون من مرض مزمن. ويهدف، في نفس الوقت، إلى فتح الاقتصاد والعودة التدريجية للأنشطة الاجتماعية. وتشير عملية المحاكاة أجرتها المندوبية السامية لتخطيط إلى 31.663 حالة إيجابية مؤكدة في حوالي 3 شهور (100 يوم) مع ذروة تصل إلى 3200 حالة إصابة نشطية، وهو ما سيسفر عن حاجة قصوى إلى 3200 سرير استشفائي (نسبة استشفاء100 ٪) و160 سريرا للإنعاش (5٪ من المصابين النشطين) وعن 1266 حالة وفاة (4 ٪ من إجمالي المصابين).