ظل سؤال ترسيم الأمازيغية في المغرب مطلبا أساسيا في أجندة نضالات الحركة الأمازيغية على الدوام. أما اليوم، وبعدما أصبحت الأمازيغية لغة رسمية بنص الدستور الذي أقره المغاربة في استفتاء فاتح يوليوز 2011، فإن السؤال أصبح أكثر إلحاحا. إذ يبدو أن ملف الأمازيغية مازال يراوح مكانه. ولا يلوح في الأفق أي تدبير إجرائي من شأنه أن يمكن المغرب من طي صفحة الغبن الهوياتي نهائيا. صحيح أن تفعيل مقتضيات الدستور يستوجب بعض الوقت، خصوصا وأن ترسيم الأمازيغية يفرض ترسانة كاملة من القوانين والتشريعات التي تتطلب مصادقة برلمانية قبل أن تتحول إلى تدابير رسمية وملزمة في مختلف الجوانب التي تمس الحياة اليومية للمواطن المغربي. إلا أن أجرأة المضامين الدستورية في المستوى الذي يتعلق بالأمازيغية لا تتعلق بالجانب التشريعي فحسب، بل يجب أن تتجلى في شكل خطوات وإشارات عملية تمهد الطريق لعملية الترسيم بشكل تدريجي في مختلف الإدارات العمومية. وفي هذا الإطار يحضر قطاع التعليم كمجال لا غنى عنه في أفق السعي إلى التنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور. إذ لا يمكن أن تتبوأ الأمازيغية مكانتها كلغة رسمية للبلد إلى جانب اللغة العربية بدون أن تتحول إلى مادة دراسية إجبارية في مختلف المسالك التعليمية. والحال أن " تجربة تدريس الأمازيغية " التي تقترب من سنتها العاشرة مازالت تعاني من عدد كبير من المعيقات التي أصبح معها مكون الأمازيغية إسما على غير مسمى، لأنه لا يعدو أن يكون مجرد مادة مسجلة في جداول الحصص في أغلب المؤسسات التعليمية دون أن يكون لها حضور فعلي ومنتج في الممارسة داخل القسم. لذلك فإن واقع الأمازيغية في المدرسة المغربية بعد هذه المدة كلها يفرض علينا مساءلة القائمين على المنظومة التعليمية، لكنه أيضا يثبت أن تفعيل مقتضيات الدستور وتحقيق المصالحة مع هويتنا التاريخية يحتاج قبل كل شيء إلى إرادة سياسية حقيقية. وبهذا فقط يمكن تحويل الأقوال إلى أفعال. لقد انخرط المغرب منذ سنة 2003 في هذا المسار على إثر الإتفاق بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. لكن يبدو واضحا اليوم أن هذه العملية لم تحظ بالعناية اللازمة ولم تخضع لدراسة استراتيجية هادفة. بل إن الأمازيغية مازالت تحضر حتى الآن كمادة للإستئناس ( في أحسن الأحوال) بما ينسجم مع بنود "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" الذي تجاوزه الزمن، لكن القائمين على الشأن التربوي في بلادنا لم يتجاوزوه بعد... وهكذا ضاعت عشر سنوات كان من الممكن استغلالها بشكل أفضل لمنح الأمازيغية مكانتها اللائقة في المدرسة والحياة العامة أيضا.... والآن، وفي ظل الواقع الجديد الذي فرضه التعديل الدستوري الأخير، لم يعد ممكنا القبول بالتعامل مع هويتنا الوطنية بنفس العشوائية واللامبالاة، فقد آن الأوان لإعادة النظر في السلوك السياسي الذي ظل يهمش الأمازيغية، ولا يلتفت إليها إلا باعتبارها عرضا للفرجة والفولكلور منذ الإستقلال... والتنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور يتطلب الإسراع بترسيم الأمازيغية وتوفير كل الآليات القانونية والمادية التي من شأنها أن تجعلها على قدم المساواة مع العربية، وذلك وفقا لمنطوق الدستور الذي يعلن رسميتهما معا. أما أن نسمع في العهد الدستوري الجديد نفس الخطاب الذي ساد لأكثر من خمسين سنة، وأن يكون الحديث بالأمازيغية موضوعا للجدل حتى تحت قبة البرلمان ومجالا للمزايدات السياسية بين بعض الأحزاب، وأن يستمر منع تسجيل الأسماء الأمازيغية (كما حدث لمهاجرين مغربيين في إسبانيا وبلجيكا مؤخرا)... فذلك يعني أن الحكومة المعنية بالتنزيل السليم للمقتضيات الدستورية لم تستوعب بعد دلالة المرحلة، وأنها متشبثة بأحادية الإنتماء العربي الذي يفرض نفسه عمليا على المغرب دولة وشعبا. إن الإقرار بترسيم الأمازيغية لا يعني شيئا إذا لم يترجم واقعيا من خلال تدابير وإجراءات لا تتطلب إلا الإرادة السياسية " الطيبة". وإذا كان المغرب قد خطا " دستوريا"خطوة مهمة في الطريق نحو إعادة الإعتبار للحقوق الهوياتية للمغاربة، فإن ترجمة مقتضيات الدستور يجب أن لا ترضخ لأية حسابات عرقية ضيقة، فالأمازيغية لغتنا وهويتنا جميعا. وينبغي أن تتبوأ مكانتها في القضاء و التعليم و الإدارة ومختلف جوانب الحياة العامة. لذلك يجب على كل المغاربة أن ينخرطوا في مشروع ترسيمها فعليا، لأن هذا المطلب لا ينبغي أن يكون اختياريا بل واجبا.