لكل منا تمثل لما حدث و ربما تصور لما سيحدث لكن القليلين فقط الذين يملكون الشجاعة للإعلان عن ما بمخيلتهم أما البعض فينتظر حتى يجد ما تخيله في الاعلام ليتعامل معه بفلسفة تحصيل الحاصل ، بداية أود أن أتساءل حول حيثيات غياب أي رد فعل للشارع المغربي عن الفيلم المسيء للرسول محمد صلى الله عليه و سلم ، لماذا تفاعلت ليبيا بضرب البعثة الدبلوماسية الأمريكية و قتل السفير الأمريكي ، و عبرت مصر عن غضبها بتطويق السفارة الأمريكية و الدخول في اصطدام مع الشرطة المحلية بالقاهرة ؟ هل غياب المغرب يعبر عن الاستثناء الذي ظل المخزن يروج له مند الربيع العربي إلى الآن ؟ و لماذا لا يرد حزب الأغلبية بالحكومة و لو ببيان تبرئة للذمة نظرا لمرجعيته التي تنهل من الاسلام السياسي ؟ أليس هو الحزب الذي يقول بحرية الرأي و إلزامية القرار في أدبياته؟ أين هي حرية الرأي عندما يهان المسلم في ثوابته و يكون على الرد أن يخضع للقرار الدبلوماسي ؟ هل فهمت و استوعبت الحكومة المغربية بأن كل هذه التطورات ليست إلا حرب اديولوجية و هو ما يبرر التريث ؟ هذه الأسئلة و غيرها تحتاج إلى تفكير في العمق لإيجاد اجابات شافية لها و لا يمكن الخوض فيها بأي صيغة إلا بالشاكلة التي تراعي للمتغيرات الاقليمية و الدولية ، فلأن المغرب خرج خاوي الوفاض من الربيع العربي غاب أي رد فعل للقاعدة و استبدت القمة كعادتها بسلطة القرار ، لذلك فلا غرابة من صمت الشارع إزاء ما يحدث و لا مجال لمقارنته بالشارع المصري أو حتى الليبي فثورات الربيع قلبت موازن القوى في السلطة لصالح الشعب ، و هذا لا يعود إلى القيادات الحاكمة ما بعد الثورة لأنها لازالت تفتقد لبوصلة و خريطة عمل بقدر ما ارتبط بالوعي الذي تمخضت عنه الثورة نفسها ، فالشعب الليبي و المصري مثلا وصلوا إلى الإطار النظري للمثل الإنجليزي أكون أو لا أكون to bé or not to bé بما لا يترك مجال للخوف من أي قوة قمعية كيف ما كان نوعها . سافرت إذن هذه الشعوب عبر الزمن و قلصت من الفوارق في مستويات الوعي و ادركت ما ادركه الانجليز مثلا ، فكما يقال لا يهم أن أصل متأخرا لكن المهم أن أصل ، و إن دل هذا على شيء فلدلالة على أننا اقتبسنا قوالب التغيير من هذه الدول و لم يكن تغييرا نابع من قناعات الشعب فللحفاظ على التوازن الاقليمي الاسلامي دفع النظام المخزني بالعدالة و التنمية . إذن هناك حسابات اديولوجية وهمية تخفي استراتيجية تأمين المخزن من مخاض المرحلة مما سيعطيه فرصة إعادة ترتيب الاوراق و قد يعود المغرب إلى سياسة الستينيات و السبعينيات لتدبير الشأن الدولاتي تحسبا لأي فصل أخر من الاضطرابات ربيعا كان أو خريف ، لقد كنا ممن ثارت حفيظتهم عندما انقلبت الحافلة بطريق تيشكا و راح فيها اكثر من اربعين زاكوريا في الحادث و راحت فيها العديد من العائلات نحو التشرد جراء فقدان أرباب أسرهم و مصادر قوتهم اليومي ، و لم تكلف الدولة نفسها عناء إعلان حداد وطني و هذا معهود عليها في إطار سياسة الاقصاء و التهميش الممنهجة تجاه أبناء المغرب غير النافع . لكن ما يثير الاستغراب هو غياب أي رد فعل للرأي العام المغربي اللهم بعض التحركات التكتيكية من لدن جهات فاعلة في المجتمع المدني بالمنطقة و قد يكون ذلك من قبيل تسجيل الحضور الاعلامي لكن هذا الاستغراب زال بمجرد ما اهتز ت مشاعر العالم الاسلامي ضدا على الفيلم المسيء للنبي . وكان هذا كافيا لأفهم بأن من لم يتحركوا لمناصرة رسول الله كيف نطالبهم بأن يتحركوا لمناصرة زاكورة و منكوبيها ، فأبناء زاكورة انفسهم يمكن أن يضحوا من أجل الرسول ، لنترك هذا الجانب و نتجه صوب تساءل حول لماذا هذا الفيلم و ما هي سياقاته و خلفياته الاديولوجية ؟ في محاولة منا لفك هذا للغز أتصور أن المسألة و إن لم تكن مرتبطة بأمريكا ككيان تعددي يؤمن بالحريات حتى و إن كانت تنتهك المقدس إلا أنني أشم رائحة الموساد و الاستخبارات الامريكية . فمن له المصالح في تأجيج الحقد في امريكا ضدا على المسلمين غير الصهاينة ، فأي رئيس أمريكي كيفما كانت خياراته الديمقراطية يخضع للوبيات اليهود المتجدرة في المجتمع الامريكي ففي أخر المطاف فأمريكا صنيعة اليهود و ليس المشكل مع اليهود في حد ذاتهم بل في الصهيونية الاقصائية ، لذلك فأوباما مثلا لا يتوانى عن الدعوة الى حماية أمن اسرائيل القومي ، و لا يمكن توفير هذه الحماية دون بعث الروح في سياسة جورج بوش المتمثلة في الحفاظ على المواقع الاستراتيجية التي سيطرت عليها امريكا إما تحت ذريعة محاربة الارهاب في أفغانستان أو محاربة أسلحة الدمار الشامل كما هو الشأن بالنسبة للعراق و إيران و غيرهم . لكن استراتيجية اوباما الشمولية التي تضم سحب الجنود من هذه المراكز باتثت في حكم الفشل بفعل فاعل فلا يمكن بأي حال من الاحوال ان تنسحب امريكا من العراق مثلا دون تحصيل الهدف الحقيقي ، و هو تحصيل الثروة البترولية من جهة و تحصين الكيان الاسرائيلي من المد التركي و الايراني و العراقي من جهة أخرى . خاصة أن حرب الذرائع ان صح تعبيري جاءت بعد فشل الأمرسرائليين في إذكاء روح الفتنة سنة – شيعة و لا يمكن استمرار تواجد الجنود مع خطاب حقوق الانسان التي تروج له الماكنة الاعلامية الامريكية لأن هذا الاستمرار يعد انتهاك للسيادة في أمر الواقع . و هذا يتعارض مع المواثيق الدولية ، لذلك وجب البحت عن كيفية ضمان سريان مفعول الذرائع لشرعنة التواجد لكن هذه المرة بعيدا عن المعادلات البسيطة ، و الحسابات المباشرة الرسمية . و هذا ما جعلني اعتقد بأن أمريكا ستدفع بمثل هذه الممارسات التي تستهدف و تعزف على الأوثار الحساسة للمجتمع الاسلامي ، دون تورط رسمي للدولة و من تم سوف يتحتم على الدول الاسلامية أن تنتفض دفاعا عن المقدس إما بشكل رسمي عبر تنديدات لا تسمن و لا تغني من جوع ، مما من شأنه أن يجعل غضب الرأي العام في بعض الدول مزدوج و يعكس سخط الجماهير عن قرارات حكوماتها ، الى جانب سخطها عن الدولة المحتضنة للمسيئين للمقدسات و بالتالي سنشاهد مزيدا من التفجيرات في أفغانستان و في العراق و غيرهم . و بطبيعة الحال هذا ما ستقابله أمريكا و حلفاءها بتعزيز القوة العسكرية في هذه البؤر . إن التمعن في هذه المعادلة سوف يبرئ امريكا من تهمة الاساءة و سوف تستقبل التعازي من قيادات بلدان عديدة بما فيها البلدان الاسلامية ، و تحضا بتعاطف دول اخرى و ستعمل على بلورة هذا الانتصار في المحافظة على المواقع الاستراتيجية . فعلى الاقل ستضمن صمت هذه البلدان عن التجاوزات التي ستقبل عليها امريكا في هذا المجال الجغرافي ، و هذه هي الشرعية التي تبنى على أساس مواقف الحكام و الزعامات لا حقوق الانسان او الشرعة الدولية و غير ذلك . لكن ماذا عن الأزمة السورية ؟ لعل صعوبة حسم الصراع في سوريا لصالح التحالف و اتجاه القضية الى الباب المسدود أيضا يرجح ما ذهبنا اليه بخصوص الابقاء على الجنود في المنطقة ، تحسبا لأي حرب شاملة فجائية إنها حرب المواقع الاستراتيجية لا الاديولوجية و مجموعة من الدول حتى و إن كانت إسلامية فهي تسعى للحفاظ على تحالفاتها الدولية ماذا سيربح المغرب من الاحتجاج على امريكا ؟ او اتخاذ قرار بطرد السفير الامريكي ؟ هنا تكمن المفارقة عندما لا تعكس مواقف القمة مواقف القاعد فإلى أين بالمغرب يا ساسة ؟.