إن المنظر الذي رآه الشعب المغربي قبل أيام والمتمثل في حفل الولاء لهو منظر مهيب بالفعل، ورغم النقاش الذي دار حول نية وقصد هذه الطقوس مابين الإحترام والتوقير وما بين التقديس، والذي أعاد لنا نقاشا قديما حول الفصل 19 من الدستور القديم للمملكة لسنة 1996، الشيء الذي جعل هناك عدة علامات استفهام ليس فقط في النقاش ذاته، بل كذلك في من يمكن أن يناقش ومن له الحق في ذلك. الملاحظة البسيطة والمتواضعة التي أرسمها بين محياكم هو أن هاته الطقوس أعادت لنا تجديد العهد مع سنة الركوع وهيلمانها وقيمتها لدى الإنسان حينما يقوم بها كفعل، وكذلك أحيت نقاشا جميلا وممتعا حول مفهوم الركوع وأنواعه، حيث أنه لا يوجد هناك ركوع واحد بل تعددت أشكال وأوجه ومقاصد هذا الركوع، حيث مثلا في الصلاة نجد الركوع يتطلب مجموعة من الشروط حتى يكون الركوع صحيحا وتكون الصلاة بدورها صحيحة، وفي اليابان نجد الركوع كثقافة شعبية سائدة ليست فقط في لقاء الشعب مع إمبراطورهم، بل هو نسق دبلوماسي سياسي متوازن لا يقبل التأويل بمنطق الإذلال والخنوع، بل هو سلوك حضاري يدل على ثقافة معينة لحضارة فريدة وهي الحضارة اليابانية، وفي خضم هذين النوعين نتساءل ماذا لو كان الأمر مرتبطا بالسجود الذي نقوم به مرتين في كل ركعة من الصلاة بينما لا نقوم بالركوع في الصلاة سوى مرة واحدة؟ وفي المقابل حينما كرم الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام لم يطلب من الملائكة الركوع لهذا النبي، بل طلب فعلا أكثر تقربا وأكثر تعبدا وأكثر برهنة على الولاء الحقيقي العميق وهو السجود، إذا لماذا لم يطلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة أن يركعوا لآدم بدل السجود له؟ هناك تمثلات إنسانية عميقة لا بد أن نأخذها بعين الإعتبار قبل الخوض في نقاشات القضايا التي تبدو لنا جوهرية في الظاهر لكن في عمقها لا تشكل أية إضافة في الفعل الميداني الملموس، إننا حينما نرفض هذه التمثلات فإننا نرفض الإنسان وما نبع من هذا الإنسان من وعي بضرورة ما يمكن أن يناقش وما لا ينبغي أن يناقش، إنها اغتيال لحرية العقل المغربي في التفكير كما اغتيل عقل الشاب الذي صنع طائرة بمدينة برشيد، فمن حق كل واحد منا أن يزكي أو يرفض أو أن يكون محايدا في ٍأي موقف من المواقف المجتمعية ذات الصبغة العامة، إن التعصب للأفكار والرؤى حول مستقبل المغرب ونسقه السياسي جعل التجاذبات الثقافية تتطرف أكثر وتميل نحو الفكر ذو البعد الواحد كما يصطلح عليه هربرت ماركيوز ليصنع لنا أحادية في الفكر وأحادية في الفعل وأحادية أنانية غير واعية تنقض بعصبيتها ثوابت وهوية الوطن الذي نعيش فيه فتختل آنذاك الموازين، إن من حقنا أن نناقش جميع القضايا لكن في إطار احترام ثقافتنا وهويتنا النابعة من العناصر المعرفية التي توحدنا بما فيها العنصر الديني والعنصر التاريخي والعنصر الإثنولوجي. وحينما نطرح الأسئلة المقلقة لوطننا المغرب فإننا نفتح للأجيال المقبلة ونعطيها الوقت الكافي لكي تفكر في همومها الحقيقية وأولوياتها، ربما سيتجاوز التاريخ هاته النقاشات مهما بلغت أهميتها، وسيعرف المغرب ضمور بعد التفاصيل المهمة في نسقنا السياسي وذلك بسبب الحاجة إلى تحسين صورة المغرب الخارجية وتلميعها حتى تحصل على الدعم المطلوب في بعض المجالات التي تفتقر إليها، ثم لكي تدفع ثمن وجودها واستمرارها حتى يبقى غلافها الخارجي لامعا كالذي نراه دائما مشرقا في المجلات العالمية وحينما نتصفحها نجد مادة غير مثيرة للإهتمام مثلما أثارتنا الصورة الخارجية، لذلك سنة التغيير اليوم هي أن الأمس ليس كاليوم ولا اليوم كالغد والماضي لا يمكن أن يعود والمستقبل لا نملكه، فإذا الميزة التنافسية للشعب المغربي هو حاضره وكيف يمكن أن يقود عملية التغيير بحكمة وتبصر في ظل التحديات والإكراهات الآنية وفي مقدمتها انعكاسات الأزمة الإقتصادية العالمية.