يوجد مفهوم واضح ومبدأ أساسي في تشكيل نُظُم الحكم في كل دول العالم من خلال الإرادة العامة للشعب، المعبّر عنها عبر صناديق الإقتراع،على اعتبار أنه الوحيد؛ مصدر لكل السلطات،وأن البنية الفوقية ما هي إلاإنعكاس للواقع الاجتماعي السائد... إن الحياة السياسية المنتعشةوالمتقدمة في أي بلد تسود فيه الحرية، ويكرّم فيه الإنسان،بغض النظر عن وزنه أو شكله،وتحترم فيه القوانين..تتطلب بالضرورة مؤسسات سياسيةحرة ونزيهة تعبر بالفعل عن قدرتها على حماية كافة المواطنينوتبعث فيهم الأملوالثقةداخل وطنهم،مؤسسات وطنية،صماء، عمياء، لاقدرة لأحد على توجيهها أو تجاوزها،مؤسسات حاضنة لكل أبناء الوطن. وطنلايمكن لأي كان أن يسمو فوقه، ويرهن كل أبنائه،ويتحول المجتمع كله إلى رعايا، والمؤسسات كلها إلى أدوات تسخّر تحت الطلب،داخل نظام مركزي شمولي،لايعترف بالآخر، إلا كخادمأو أقل من مواطن،والمبدأ هو الطاعة والامثثالداخل جو مشحون بالخوف والترهيب،المتوارث جيلا بعد جيل،في احتقار وإذلال لذكاء الشعب وإهانته،عبر ممارسات حاطة من كرامة الانسان،ممقوتة وتثير التقزز وتجعل الانسان المغربي مثار سخريةوضحك، أمام الأصدقاء قبل الأعداء.. إن ما آلت اليه الأمور، في تدبير الشأن السياسي المغربي، عبر آليات تشتغل بمنطق لا يٌلمس فيه أي بعد وطني، وأن كل حركة أو سكون موجهة وفق إرادة المربع الضيق للحكم؛الذي نقطة ضعفه الكبيرة أنها تتشكل من ثلة من الخانعين والمتملقين أو المحظوظين، ولهم قدرة عالية على تمثيل دور المخلصين والأوفياء للنظام السائد، بدل الإخلاص للوطن،المرتهن وفق هذه الرؤية. ولنا في اعتذار السيد رئيس الحكومة من المحيط الملكي خير دليل،بالرغم منأنه هو من يستحق الإعتذار،بسبب تغييبه عن قرارات وتعيينات كان لابد أن يكون على علم بها،على إعتبار أنه رئيس للسلطة "التنفيذية ".. ولكن تأكيدا لكلامنا وإنسجاما مع رؤيتنا لهذا الواقع المعكوس، الذي يكرس ضعف وهشاشة البنية السياسية المعلّبة والموجّهة أصلا،هذا إذا ما افترضنا جدلا أن داخل حزب العدالة والتنمية حياة سياسية ، يمكن التبجح بها !ولكن لاحياة لمن تنادي..لأن المتتبعين يعلمون علم اليقين أن ورقة المرور نحو القصر، للحصول على ما تبقى من سلط؛ يفرض على الحزب أن يوفر من بين الأوراق القوية للتكليف "شهادة وفاة" الحزب المعني، أو على الأقل دخوله الى العناية المركزة بعد حقنه بفيروسات مضادة للروح الوطنية،ليصبح أثرا بعد عين ..وهكذا تستمر المعركة على الحرية بحيث يتغير كل شئ من أجل أن لا يتغير شئ... ولعل ما يتناسل يوميا عبر وسائل الإعلام من إختلاسات وفضائح،كان آخرها ما تسرب حول مكتب الإستيراد والتصدير،وقبلهالقرض الفلاحي، ثم لاحقا القرض العقاري والسياحي"السياش"، يدل بما لا يدع مجالا للشكأن مؤسسات البلد وخزائنها مشرعة على مصراعيها أمام النهب والفساد، في غياب تام للدولة وآليات مراقبتها،التي تتشكل من المبايعين الخائنين للوطنوالمختبئين في جلباب السلطة،التي تعتبر شريكة في التدميروالتجويعللشعبالمقهوروالمغلوب على أمره،تحت مسميات وإديولوجيات مختلفة..إنطلاقا من مسؤولياتها على حماية البلاد والعباد.. إنها ممارسات دأب عليها كل الموالون والمتملقون للسلطة، في إطار تبادل الأدوار،مقابل إمتيازاتومكرماتومأذونيات ..؛من وجد غفلة للإنتقام لشرفه المهان أمام إذلال السلطة له،وتحرشها برجولته، لم يبق أي مبرر له سوى النهب وتراكم الثروة،مقابل الإمتثال المطلق في إطار "زواج المتعة.."في غياب تام للروح الوطنية والمسؤولية،بل أكثر من ذلك أصبحت الخيانة وجهة نظر تناقش بكل حرية، وأن نهب المال العام شطارة و قوة وشجاعة، بسبب الإحساس بعدم وجود عدالة اجتماعية فعليةوغياب أي وازع ديني أوأخلاقي، أمام استشراء الفساد في كل البطون الضخمة والجشعة،وأن مسرح المتابعات القضائية المخجلة يدل على أن الفساد كالطاعون لم يستثن أحدا وأن خيوطه متشابكة،وقد توصل الى أماكن لن تٌمس في الوقت الحاضر إلا إذا انفجرت "الطنجرة"التي تنضج على نار هادئة .."ولكن اليقين المطلق أن التاريخ له منطق واحد ..وأن العابثين بإستقرار الوطن،لم يفهموا بعد؛ أن المَرْكًب له طاقة للتحمل،وأن درجة وعي المواطن أصبحت خارج السيطرة، بسبب تعدد وسائل الإتصال،وكذارغبة جامحة في التغيير والإصلاح ..