صدر أخيراً تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول مكتب التسويق والتصدير التي يترأسها السيد حكيم بنشماس، وفُضِحَ المستور في واحد من أكثر الملفات إثارةً. نتائج التقرير لم تكن مفاجئة كثيراً، لأن الطريقة التي حاول بها السيد عباس الفاسي) الوزير الأول السابق( والسيد معزوز) وزير التجارة الخارجية السابق ووزير الجالية الحالي( طمس الملف كانت تدل على وجود خروقات وخوف من الفضيحة. لكن الفضيحة اليوم أصبحت أكبر من المتوقع، لأن المتهمين اليوم هم وزراء وأقرباء وزراء قدامى وحاليون وقياديون في حزب يسمونه "حزباً وطنياً محافظاً". والفضيحة أكبر لأن الحكومة التي يرأسها الحزب الإسلامي اليوم لم تحرك ساكناً، ولم تحضر عرض اللجنة لتقريرها داخل مجلس المستشارين، ومنعت بث الجلسة على القناة الأولى العمومية وفعلت كل شيء لإلهاء الرأي العام عن الموضوع. هناك من تحدث عن عدم قانونية ودستورية اللجنة، وهناك من تحدث عن تصفية حسابات سياسية. لكن مهما يكن الحال نحن الآن أمام جريمة تبديد المال العام والنهب و استغلال النفوذ يُتَّهَمُ فيها مسؤولين كبار في الدولة و اقرباؤهم، وتقرير كهذا لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام ولو كانت اللجنة غير قانونية وغير دستورية. وبما أن منخرطي وقياديي حزب الاستقلال يعشقون التحدث عن التاريخ، فهل سيتحمل الحزب مسؤوليته التاريخية ويطالب بفتح تحقيق قضائي لإثبات الحقائق أم سيتستر الحزب على فضائح وزرائه وأقربائهم ؟ وبما أن السيد رئيس الحكومة قد عفا مسبقاً على المفسدين، فهل ستتحمل الحكومة مسؤوليتها أم سيتستر السيد بنكيران على فضائح وزرائه وحلفائه ؟ الحقيقة هو أن السيد بنكيران وحزب العدالة والتنمية عامةً يوجدون في وضعٍ لا يُحْسَدون عليه، فتحريك المتابعة القانونية في حق المتهمين قد تعصف بتحالفه الحكومي الهش ويسقط بالتالي حكومته إذا ما انسحب منها حزب الاستقلال. لكن التستر على الملف كذلك سيفقد حزب العدالة والتنمية مصداقيته وشعبيته، وسيخالفون بذلك شرع الله الذي أمر بمتابعة الفاسدين واستخلاص الحقوق منهم لذوي الحقوق. الوضع اليوم إذاً جد معقد على السيد بنكيران وحزبه، وما أفرزته الانتخابات الأخيرة من نتائج جعلته بين المطرقة والسندان. فإما أن يتحالف مع اعدائه وخصومه السياسيين (الأحرار والأصالة والمعاصرة)، وإما أن يتحالف مع حزب الاستقلال رغم فشله في قيادة الحكومة السابقة و بروز ملفات الفساد الكثيرة التي تحمل أسماء قيادييه ووزرائه. بنكيران وحزبه اليوم يدفعون ثمن اختيارهم لحلفائهم، فلا يمكن أن تدعي النزاهة وتعد الناس بالمعقول والإصلاح وتتستر على الفساد، ولا يمكن كذلك أن تتراجع اليوم عن اختياراتك وتعصف بحكومتك بيدك. فاليوم حزب العدالة والتنمية أمام امتحان صعب وجب فيه اتخاذ القرار الصعب : إما محاربة الفساد بدون رحمة ولا تمييز وبالتالي العصف بالتحالف الحكومي، وإما الاحتكام إلى كبرياء النفس و حماية التحالف الحكومي والتستر على الفساد وترسيخ المفهوم الجديد للحكامة الفاسدة "عفا الله عما سلف".