لعلك تذكر،أخي القارئ الكريم ، تلك الواقعة الخطيرة التي كان بطلها بامتياز السيد رئيس الحكومة المغربية ،والتي ما كانت لتمر دون أن تُسيل مدادا كثيرا ،وتثير مشاعر عارمة من الغضب والحنق ، والألم والحسرة على ما آلت إليه مكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في خطابات ساستنا الأفاضل ؛ حيث بات من السهولة بمكان إقحام أحاديث نبوية في لغونا السياسي سعيا وراء كسب مصداقية لخطاباتنا السياسية . وللتذكير فقط أتحدث هنا عن الحديث النبوي الذي يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " الذي وظفه السيد عبد الإله بن كيران في مداخلته أمام نواب الأمة أثناء عرضه للتصريح الحكومي لإخبارهم بأنه سيتمم بدوره ما بدأت به الحكومة السابقة التي كان يرأسها السيد عباس الفاسي .وكنا قد كتبنا مقالا سابقا حول الإساءة الكبيرة التي أحدثها توظيف هذا الحديث النبوي الشريف بهذه الطريقة التعسفية والمجحفة ، لا لشيء إلا لإرضاء رغبات سياسوية حزبية عابرة ، أو كمحاولة لكسب ود جهات ولوبيات سياسية نافذة ،ربما توجس منها السيد بن كيران خيفة . فكانت هذه الواقعة هي أول هفوة يرتكبها هذا الأخير ، والآن نعيش ، نحن المغاربة ، تحت الوقع القوي المحبط الذي أحدثته الهفوة الأخيرة للسيد رئيس الوزراء حينما منح لنفسه "حق" العفو عن المفسدين ومرة أخرى باعتماد توظيف تعسفي وعبثي للنص الديني " عفا الله عما سلف " . وفي محاولة منا لإيجاد رابط بين أولى هفوات السيد عبد الإله بن كيران وآخرها " عفا الله عما سلف " ، والتي خيبت آمال العديد من المغاربة ، ولا شك أنها خيبت أيضا آمال صاحب " شاهد على العصر " الذي عاش لا شك في "بلا حدود " مع السيد عبد الإله بنكيران بين عصرين متقاربين : عصر الربيع الديمقراطي الّّذي طوح بمبارك وبآله إلى مزبلة التاريخ وجاء بمحمد مرسي ؛الذي قال أنه لن ينام ومصري واحد مظلوم ، وبين عصر يصدر فيه رئيس الحكومة المغربية الحالية عفوا على الهواء مباشرة على المفسدين وسراق ولصوص المال العام بمبرر ديني وأخلاقي هو أقرب إلى الاستسلام للأمر الواقع الذي اكتشفه السيد رئيس الحكومة منه إلى ذلك العفو المقبول والذي يعكس فعلا شهامة ونبل المسلم ؛عفو يأتي عادة بعد الانتصار والغلبة وليس بعد الهزيمة وقلة الحيلة . وبالتالي يبدو أن السيد رئيس الحكومة حينما قال في الأول أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق في إشارة إلى إتمام عمل الحكومة السابقة ، كان يقصد أن العفو عن سراق ولصوص المال العام يدخل ضمن هذه الأخلاق التي جاء ليتممها بمعية حكومته . بينما كنت أحاول أن أنسى أو أتناسى ، ربما شأني شأن العديد من المغاربة ، تداعيات هذه الواقعة الخطيرة ، طلع علينا رجل شيخ علامة وأديب معروف ، صاحب "جارات أبي موسى" يحاضر في علية القوم من أصحاب العلم والمعرفة والمال والجاه والنفوذ والسلطة ، ليعقد مرة أخرى المقارنة الضمنية بين سيد البشرية محمد عليه الصلاة والسلام الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى وبعثه رسولا للعالمين مبشرا ونذيرا ، وبين ملك ورث الملك عن أجداده وآبائه ،ملك يحتمل كلامه وقراره الخطأ والصواب ، ملك يحكم ويسود في جغرافية ذات حدود اسمها المغرب ، يمشي في الأسواق ،ولا شك أنه يتخذ محمدا عليه أفضل الصلوات والسلام قدوة وأسوة له، ثم عقد السيد المحاضر مقارنة بين مظلة الملك وشجرة بيعة الرضوان ، وبين بيعة الملك وبيعة الرضوان ، كل هذه المقارنات عقدها المحاضر بدون أدنى حرج ، ناسيا أو متناسيا أنه لا يمكن في كل الأحوال تشبيه الملك محمد السادس بخيرالأنام محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يستسيغ الملك نفسه تشبيه بيعته اليوم ببيعة الرضوان ، لأن هذه التشبيهات والمقارنات أقيمت على أساس قياس فاسد ، على اعتبار أنه لا قياس مع وجود الفارق ، والفارق كبير جدا ، بين الرجلين محمد عليه الصلاة والسلام والملك محمد السادس وبين الحدثين بيعة الملك وبيعة الرضوان ، وبين الشجرة والمظلة، وبين الزمنين زمن النبوة وزمن الملك بالوراثة ، فالقياس كان تعسفيا إلى أبعد حد لا يليق بمحاضر مشهود له بعلمه وسعة معرفته واطلاعه ، أن يقيمه بالشكل الذي أثار العديد من التساؤلات عن هفوات علمية لا يمكن أن يسقط فيها طالب علم في سنته الأولى من التعليم العالي في تخصص الدراسات الإسلامية، وبالتالي لا مناص من طرح السؤال التالي : لماذا هذا الإصرار الغريب على عقد مقارنة ضمنية بين الملك والرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وبين بيعة الملك وبيعة الرضوان في هذا الوقت بالذات ؟ هل الملك في حاجة إلى توظيف الدين بالشكل الذي وُظف به في المحاضرة إياها لمنحه، شرعية دينية لملكه، وشعبية أكبر لدى الشعب المغربي ؟ أعتقد أن اللجوء إلى نص ديني كان قرآنا أو سنة ولي عنقه وإقحامه في سياقات مختلفة تماما لخدمة مصالح سياسية للحزب الغالب عدديا في الحكومة أو لمصالح المؤسسة الملكية التي تدير البلاد بغطاء إمارة المؤمنين وغطاء الملكية التنفيذية التي تقتضي أن يسود الملك ويحكم بقوة الدستور المعدل . لهو فعل لا ينم عن بعد نظر في تقدير ذكاء ونباهة الشعب المغربي ، على اعتبار أن توظيف النص الديني بالشكل الذي سمعناه في مداخلة السيد بنكيران أمام نواب الأمة في أول لقاء جمعه بهم تحت قبة البرلمان و في الدرس الذي ألقاه السيد التوفيق أمام الملك في إطار الدروس الحسنية الرمضانية ، سيحدث نفورا وتقززا لدى المغاربة جراء هذه المقارنات العبثية والمثيرة للعديد من علامات الاستفهام الكبرى حول ما إذا كانت هذه المقارنات ستسدي فعلا خدمة تزكي مصداقية ومكانة وشعبية هذا الحزب الذي يقود الحكومة الحالية أو المؤسسة الملكية نفسها لدى المغاربة .