ها أنت تدخل اليوم دائرة الموت، من أجل أن تدافع عن حياتك، تُكْثِرُ من الأسئلة حول أشياء تعتقد اعتقادا راسخا أنها مهمة وضرورية من أجل بقاءك على هذه الأرض. هل فكرت يوما كيف تتنفس هذه الأرض ؟ هل فكرت يوما في حمايتها من الإحتراق ؟ ها نحن اليوم نعيش زمنا آخر، لايشبه زمننا في شيء، مختلف وبطعم لم نتذوقه من قبل، هل هذا جهل كبير منا أم تقصير في فهم مايدور من حولنا ؟ لقد عشنا أكثر من محنة وأكثر فاجعة، وأصابنا الخوف والفزع ووضعنا أيدينا على رؤوسنا، ولكن كنا نشعر بالإطمئنان بين الحين والآخر، لكن هذه المرة مع هذه الجائحة المسماة كورونا هناك خوف جديد وفزع غريب ورعب قاتل، الجميع تذوقوا خوفا آخر لاشبيه له، لم نعشه مثله في كل مراحل الحياة. مع هذه الجائحة الغريبة، يموت الإنسان بكل أقطار العالم كل ليلة، ويوم الغد يولد من جديد، ويتنفس الصعداء، ويشعر أنه ربح معركة يوم عاصف كان فيه مهددا بالقتل الوشيك، فيستأنف من جديد بعد أن يؤمن بأن الحرب لم تنته وأن المقاومة ضرورية من أجل البقاء على قيد الحياة. علينا أن نؤمن بالموت كما نؤمن بالحياة، لكن أن نموت ونحن نتفرج على أنفسنا فهذا قدر لن يسامحنا عليه التاريخ، لهذا فالإنسان منذ ظهوره على هذه الأرض وهو يتعلم كيف يقاوم العواصف والكوارث والمرض، ولم يستسلم أو يتنازل عن حقه في الحياة لهذه الكوارث مهما كان الثمن، فقد سجل الإنسان عبر كل العصور أنه سيد اللحظة والمرحلة. هاهو العالم اليوم يستيقظ على خبر مفجع، ومؤلم في نفس الوقت، وهو فيروس كورونا، لم يعطه هذا الفيروس الفتاك الفرصة لاستنشاق نسائم الصباح، فقد انقض على الجميع وخنقهم دون رحمة دون أن يعطيهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، لقد كانوا منشغلين بألعاب أخرى أكثر تفاهة، لقد كان العالم يستحم ويغوص في بحر التفاهة دون أن ينتبه إلى أن القرش يتربص للإنقضاض عليه ويبطش به في لحظة تعدي الحدود المرسومة. وهنا أصبح علينا لزاما أن نطرح سؤالا مركزيا وهو : لماذا فاجأ هذا الفيروس يقظة الإنسان وذكاءه الخارق ؟ أين هو العلم بكل أنواعه لاستقبال هذا الوباء بالأحضان والفتك به قبل أن يفتك بنا ؟ وقفة صغيرة على ماجاء على لسان رؤساء الدول القوية والحكومات بمختلف ألوانها، يتبين بالملموس أن الجميع أصيب بالدهشة وبالرعب من شدة الفيروس وانتشاره الخطير، ولم تسعف معه كل الإجراءات الاحترازية لوقفه والنيل منه، وقد اكتشف الجميع أن كل الأسلحة بما فيها النووية التي طوروها وكانوا يهددون بها العالم ويبيعونها بأعلى الأسعار، لاتساوي شيئا أمام عدو صغير في الإسم وكبير في المواجهة والمنافسة، وهذه أول مرة يشعر فيها رؤساء الدول جميعا بالعجز وقلة الحيلة في مواجهة هذا الوافد العجيب. إن تاريخ الحروب علمت الإنسان بعد تفكير طويل أن يبني مؤسسات للسلام، وأن يخترع قوانين لحماية السلم العالمي، ومع ذلك لم تتوقف الحروب، وكان الإنسان يتعايش معها وهو يبكي عندما يفقد عزيزا على قلبه، ولكنه كان في لحظة يشعر بالطمأنينة لأنه يعرف من هو العدو، لكن في هذه المرة، بظهور هذه الحرب الجديدة ( حرب الفيروسات) فالعدو غير معروف، لالون له ولاشكل له ولايميز بين فقير وغني ولا بين ليبرالي أو اشتراكي ولا بين شيخ أوطفل أو امرأة، إنه وحش جائع يفترس كل من يجده في طريقه . يجب أن نقر بيقين أن فيروس كورونا، قام بزلزلة أركان العالم، وأسقط " ألوهية النيوليبرالية المتوحشة " التي أسست " للإستهلاك المخدِر" على حد تعبير إدغار موران وصنعت نموذج خاص، نموذج التمركز المالي في يد أوليغارشية أنانية مفرطة، وهشة ولاتمتلك أية حلول في لحظة من لحظات الأزمة، وكل ما استطاعت فعله هو نقل أموالها من بنك إلى بنك آخر أو تحويل مقر شركتها من دولة إلى دولة أكثر آمانا، وبذلك نجحت بكل وسائلها الدنيئة على قتل مفهوم الدولة الإجتماعية، وذلك عندما قامت بتخريب ودفن الخدمة العمومية تحت الأنقاض أهمها ( المدرسة والصحة )، ولهذا فضروري من استرجاعهما لحضن الدولة لأنهما قطاعان حيويان في بناء الدولة وتطورها. الآن بعد هذه الأزمة العالمية المفاجأة، يتعين على جميع الفاعلين(سياسيا واقتصاديا وفكريا )إعادة النظر في مفهوم الدولة ودورها المركزي في صناعة الثروة وتقديم الخدمات العمومية بالمجان، ورد الاعتبار للبعد الاجتماعي المقدس الذي تم سحقه من طرف الدولة استجابة للتوصيات المسمومة لصندوق النقد الدولي، وهذه كانت أكبر خطيئة سقطت فيها الدولة المغربية ردحا من الزمن جعلتنا جميعا نكون تحت سلطة الحجز والمصير المجهول، رسالة فيروس كورونة واضحة، علينا أن نعيد ترتيب مسارنا بشكل جدري. كاتب وباحث مغربي