إن قراءة متمعنة في الفقرة الأولى من الفصل 88 من الدستور المراجع لسنة 2011، يمكن أن تفيد، بأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان بشكل عام، ومجلس النواب بشكل خاص، سياسيا في شأن تطبيق البرنامج الحكومي، بالرغم من عدم التنصيص الصريح عليها كما كان معمولا بذلك في ضوء دستور المملكة لسنة 1996، في الفصل 60 منه. وبناء على هذه المسؤولية تكون الحكومة مباشرة بعد تعيينها ملزمة بتقديم برنامج حكومي شامل لكل السياسات التي تنوي تطبيقها في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، أمام البرلمان من أجل استكمال تنصيبها، ومباشرة أعمالها المقررة لها دستوريا. إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا الخصوص يمكن صياغته على الشكل التي : ما هي الآثار القانونية المترتبة عن حالة بالرفض من طرف مجلس النواب على البرنامج الحكومي؟(أولا). وبالرجوع إلى باقي الفصول الدستورية الأخرى، نجد أن الحكومة بإمكانها أن تربط لدى مجلس النواب مواصلة تحمل مسؤوليتها، إما عن طريق تقديم تصريح حكومي في موضوع السياسة العامة، أو بطلب التصويت على نص قانوني مصحوب بطلب منح الثقة.(ثانيا). فما هي الاجرات المتبعة من اجل تفعيل هذه المساطر ؟ وما هو الجديد الذي جاءت به المراجعة الدستورية في هذا الخصوص؟ أولا : البرنامج الحكومي إن أهم خصائص النظام البرلماني المعقلن، حصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان، لأنها لا تستطيع أن تمارس مهامها ووظائفها كهيئة جماعية، إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان. فعند بداية تشكيل الحكومة تطرح هذه الأخيرة برنامج سياستها على البرلمان وتطرح معه مسألة الثقة، ومعنى ذلك أن الحكومة تطلب من المجلس النيابي الذي تكون مسؤولة أمامه، أن يضع ثقته فيها بالموافقة على البرنامج الحكومي الذي تعرضه عليه.وهي في مضمونها نوع من الرقابة السابقة التي يمارسها البرلمان على الحكومة. ولقد نص الدستور المراجع لسنة 2011 ، على هذه المسطرة في الفصل 88 منه مما جاء فيه: " بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان محتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي." وبالرجوع إلى دستور المملكة لسن 1996، سنجده هو الآخر في الفصل 60 منه، ينص على وجوب تقديم الوزير الأول للبرنامج الذي يعتزم تطبيقه أمام البرلمان، إلا أنه بمقارنة الفصلين، سنجد أن المراجعة الدستورية لسنة2011، حملت العديد من المقتضيات الجديدة التي يمكن أن يكون لها وقع كبير على دور البرلمان في السياسات العامة، ويمكن بيان ذلك على الشكل التالي: لقد أسند المشرع الدستوري لمجلس النواب وحده صلاحية التصويت على البرنامج الحكومي دون مجلس المستشارين الذي يكتفي فقط بالمناقشة، سواء تعلق الأمر بدستور المملكة لسنة 1996، أو بالدستور المراجع لسنة 2011، إلا انه يلاحظ من حيث التصويت ي وجود بعض الاختلافات ما بين الدستورين. _ في دستور المملكة لسنة 1996، وبناء على الفصل 75 من الذي ينص على:" لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب." وهو ما يفيد أن مجلس النواب إذا ما أراد رفض البرنامج الحكومي فيجب عليه التصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منه ضد البرنامج، وعلى العكس من ذلك تماما فإن البرنامج الحكومي، يعتبر حائزا ثقة المجلس إذا لم تصوت ضده الأغلبية المطلقة ، حتى في الحالات التي يحصل فيها على أصوات قليلة. - وفي الدستور المراجع لسنة 2011، مقتضياته جاءت بمسطرة مغايرة تماما لما كان معمولا به في ضوء الدستور السابق، فالحكومة في إطاره إذا أرادت أن تحوز على ثقة مجلس النواب يجب عليها بحكم القانون، أن تحصل على ثقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ومن جراء هذا فالحكومة إذا أرادت أن تكسب ثقة مجلس النواب أثناء التصويت على البرنامج الحكومي، يجب أن تنال 198 صوتا من أصل 395 صوت، بينما التصويت ضد البرنامج الحكومي يستدعي الأغلبية العادية وفقط، شريطة عدم حصول الحكومة على الأغلبية المطلقة ، وهو ما يعني أن الأصوات الملغاة والغائبة هي تحسب ضد البرنامج الحكومي عكس ما كان معمولا به في دستور المملكة لسنة 1996، وهو ما يتيح إمكانية كبيرة أما مجلس النواب من أجل إجراء رقابة قبلية فعلية، تمكن من خلالها نواب الأمة من الذوذ على برامجهم الحزبية والانتخابية التي على أساسها تتقرر مسؤوليتهم أمام المواطنين. ولكن السؤال مازال مطروحا في هذا الخصوص حول الآثار القانونية المترتبة في حالة التصويت على البرنامج الحكومي بالرفض من طرف مجلس النواب؟ إذا كان الدستور السابق واضحا في الآثار المترتبة عن عدم منح الثقة للحكومة في برنامجها الحكومي ، والمتمثلة في تقديم الحكومة لاستقالتها الجماعية أمام جلالة الملك عملا بمقتضيات الفصل 75 من ذات الدستور، فإن الفصل 88 من الدستور المراجع لسنة 2011 لم يورد مقتضيات واضحة في هذا الخصوص، ولم يشر إلى أية إمكانية للاستقالة الجماعية للحكومة في حالة التصويت بالرفض على برنامجها الحكومي، فالفقرة الثانية من الفصل 88 اكتفت بتحديد نصاب التصويت ، مع اعتبار حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب هو بمثابة استكمال تنصيبها. ولقد حاولنا مثلا أن نجد الإجابة في الفصل 103 الذي يقابل الفصل 75 من الدستور السابق، حيث ينص على: " لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية" ولكن وجدنا ان هذه الآثار القانونية تترتب عن سحب الثقة من الحكومة بشأن تصريح في موضوع السياسة العامة، أو برفض نص قانوني . فهل هي نفس الآثار المترتبة في حق الحكومة في حالة التصويت بالرفض على البرنامج الحكومي من طرف مجلس النواب؟ لو حاولنا تقريب الفصل 88 من الفصل 103، سيكون جوابنا هو عدم وجود أية صلة ما بين ما هو منصوص عليه في مسطرة البرنامج الحكومي وبين ما هو مقرر بشأن التصريحات الحكومية ورفض النصوص القانونية المنصوص عليها في الفصل 103 من الدستور الجديد، نظرا لكون إجراءات الفصل 88 من الدستور تتحدث عن شرط الأغلبية المطلقة للموافقة على البرنامج الحكومي، في حين نجد أن الإجراءات المسطرية المقررة في الفصل 103 من الدستور تتحدث عن شرط الأغلبية المطلقة من اجل رفض التصريح الحكومي أو التصويت بالرفض على نص قانون. الأمر الذي يفيد أن الاستقالة الجماعية للحكومة أمام جلالة الملك تتقرر إذا ما تم سحب الثقة من الحكومة إعمالا لمسطرة الفصل 103 وليس في شأن التصويت على البرنامج الحكومي. أما بخصوص البرنامج الحكومي فنعتقد أنه إذا حدث ولم تستطع الحكومة الحصول على موافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، فإنها لا تستطيع دستوريا أن تباشر أداء مهامها الرسمية، نظرا لعدم استكمال تنصيبها الدستوري، إلى حين العودة أمام مجلس النواب ببرنامج حكومي يستجيب لتطلعات ممثلي الأمة، وينسجم مع برامجهم السياسية والحزبية. وعليه أصبح التصويت على البرنامج الحكومي في ضوء المستجدات الدستورية الأخيرة لا يترتب عنه آثار استقالة الحكومة ، ولكن في مقابل ذالك أصبحت إمكانية إجبار الحكومة على إعادة صياغة برنامجها الحكومي قائمة وممكن الحدوث بدون أي تعقيدات مسطرية، ولعل هذا يفتح المجال أمام مجلس النواب بأن يكون فاعلا أساسيا في مجال إعداد السياسات العامة للدولة. ثانيا : ربط تحمل الحكومة المسؤولية السياسية بالتصويت على تصريح السياسات العامة أو نص قانوني. ينص الفصل 103 من الدستور المراجع للملكة لسنة 2011 على: "يمكن لرئيس الحكومة أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة، تحمل مسؤوليتها بتصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. " لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية" من خلال النص يتبين أن الحكومة يمكن أن تطرح مسؤوليتها أمام البرلمان عبر تقنيتين: التقنية الأولى: التصريح الحكومي في موضوع السياسة العامة تجدر الإشارة في هذا الخصوص، إلى أن المشرع الدستوري أقام تمييزا واضحا ما بين البرنامج الحكومي والتصريح الحكومي في موضوع السياسة العامة، وذلك في نقطتين أساسيتين وهما: 1_كون التصريح الحكومي في موضوع السياسة العامة، هو إجراء اختياري من طرف رئيس الحكومة، فهو له أن يلتجأ إلى مجلس النواب من اجل تجديد الثقة كلما رأى ضرورة لذلك، في حين نجد أن البرنامج الحكومي تكون فيه الحكومة ملزمة دستوريا بتقديمه أمام مجلس النواب بعد تعيينها من طرف جلالة الملك من اجل استكمال تنصيبها الدستوري. 2_ التصريح الحكومي في موضوع السياسة العامة، يترتب عنه آثار قانونية بإمكانها أن تدفع الحكومة إلى استقالتها الجماعية، في حين لا تترتب مثل هذه الآثار على البرنامج الحكومي، لأن الحكومة في إطاره تكون ملزمة بإعادة صياغة بنوده العريضة إذا ما حدث وصوت عليه مجلس النواب بالرفض. ونظرا لخطورة هذا الإجراء المسطري مما ينطوي عليه من مس بالاستقرار السياسي، فقد أحاطه المشرع الدستوري بمجموعة من الإجراءات المسطرية، التي بإمكانها أن تعقد من مسطرة استقالة الحكومة، ويتعلق الأمرب: _ ضرورة دراسة طلب الثقة في المجلس الحكومي (الفصل 92 ) _التصويت بسحب الثقة من الحكومة لا يتم إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة من اليوم الذي طرحت فيه مسألة الثقة، وهي مدة زمنية كافية من أجل التشاور بين الحكومة والبرلمان بشأن هذا الموضوع.( الفصل 103 ) _ التصويت بسحب الثقة يستدعي على من يعارض مواصلة الحكومة لتحمل مسؤوليتها، تجميع الأغلبية المطلقة من الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.وهو أمر لا يمكن حدوثه إلا في الحالات التي لا يتوفر فيها رئيس الحكومة على أغلبية مريحة تسانده، أو في حالة حدوث انشقاق سياسي في صفوف الأغلبية. (الفصل 103 ). التقنية الثانية: إثارة مسألة الثقة بالتصويت على نص قانوني تنص الفقرة الثانية من الفصل 103 من دستور المملكة المراجع لسنة 2011 على: "لا يمكن سحب الثقة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب" وهو ما يفيد أن الحكومة بإمكانها أن تربط مواصلتها لتحمل المسؤولية، بالتصويت على نص قانوني، إذا ما تقدمت به أمام مجلس النواب مرفوقا بطلب الثقة، وفي حالة التصويت بالرفض على النص القانوني وبنصاب محدد في الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، فما على الحكومة إلا أن تقدم استقالتها الجماعية. ولكن السؤال الذي يطرح في هذا الخصوص هو متى يتم تحريك هذه المسطرة؟ وهل يحق للحكومة أن تلتجئ إلى مجلس النواب طالبة منه التصويت على نص قانوني مصحوبا بطلب الثقة دون استيفاء أطوار المسطرة التشريعية المنصوص عليها في الفصل 84؟ أم أن الأمر يتعلق بالنصوص التشريعية التي لم يستطع مجلسا البرلمان التوصل بشأنها إلى نص موحد؟. مهما يكن الأمر يجب أن يكون الجواب على هذه الأسئلة واضحا في منطوق الدستور، فلنحاول إذا أن نفحص ذلك. فبالرجوع إلى دستور المملكة لسنة 1996 نجد الفقرة الرابعة من الفصل 58 منه تنص على: "يعتبر مجلس النواب قد وافق على النص المعروض عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه في حالة إقراره عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور" ففي ضوء الدستور السابق لا يتم اللجوء إلى هذه المسطرة من طرف الحكومة، إلا بعدما تستنفذ المسطرة التشريعية العادية أطوارها العادية ، وبعدما تفشل الحكومة في دفع المجلسين إلى التوافق على صيغة موحدة عن طريق دعوتها لانعقاد لجنة ثنائية مختلطة، آنذاك الحكومة إذا رأت أن النص القانوني ذو أهمية بالغة تربط النص بطلب الثقة لدى مجلس النواب من أجل التصويت عليه عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 75. ولقد حاولنا أن نجد مقتضيات مماثلة لهذه في الدستور المراجع لسنة 2011، كي تغدو هذه الفقرة من الفصل 103 مفهومة، ولم نعثر عن أي مقتضى يفيد كيفية تحريك مسطرة ربط النص بطلب الثقة، من طرف الحكومة أمام مجلس النواب. فمقتضيات المسطرة التشريعية المنصوص عليها في الفصل 84 من الدستور ، لم تورد في مضمونها أية إشارة إلى مسطرة استثنائية، أو أحالت عليها في مجال المصادقة على مشاريع النصوص القانونية، سواء أكانت مشاريع او مقترحات . فالفصل 84 من الدستور ينص على ما يلي: "يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع او مقترح قانون بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين التي قدمت بمبادرة من أعضاءه، ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وكذا في مقترحات القوانين التي هي بمبادرة من أعضاءه، ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها عليه ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاءه الحاضرين إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية". فهو أكثر من ذلك لم ينص عن أية إمكانية للحكومة من اجل التدخل في أطوار المسطرة التشريعية. وحتى في حالة التصويت النهائي المنصوص عليه في الفقرة الثانية لم يحلنا على الفصل 103 من الدستور، بل أشار بصريح العبارة، إلى النصاب القانوني الواجب توفره أثناء التصويت النهائي على مشاريع النصوص القانونية. وعليه يبدو أن الاحتفاظ بنفس الصيغة التي كان معمولا بها في ضوء الدستور السابق بخصوص سحب الثقة بالتصويت على النص، لم يرد متسقا مع باقي الفصول الدستورية الأخرى ، مما يجعل منه إجراءا مسطريا لا يمكن تفعيله لانعدام الشروط الدستورية لذلك. طالب باحث في سلك الدكتوراه وحدة الحياة الدستورية بالمغرب