خلف إحداث جماعة طنجة لشركات للتنمية المحلية، لإدارة مجموعة من المرافق الجماعية الجديدة المنجزة في إطار برنامج التأهيل الحضري “طنجة الكبرى”، ردود أفعال مختلفة بين مرحب ومعارض. ففي الوقت الذي ترى فيه الأغلبية، أن الدوافع الأساسية لاختيار هذا النمط، تتمثل أساسا في تجويد الخدمات، ومعالجة إشكالية التمويل بسبب الأزمة المالية التي تعرفها جماعة طنجة بفعل الاقتطاعات التي قاربت 80 مليار سنتيم في ظرف 3 سنوات، بالإضافة إلى معالجة مشكلة الموارد البشرية، تؤكد الجهات المعارضة أن إخضاع المرافق الجماعية الحيوية للتدبير في إطار شركة التنمية المحلية هي محاولة لوأد ديمقراطية القرب، والثقافة الانتخابية التي أساسها المحاسبة و ربط الثقة بالمحاسبة و الهدف من كل ذلك تجريد المجالس المنتخبة من مهامها. قرار قانوني سليم بالنسبة لعبد المنعم الرفاعي الباحث في الشأن المحلي، فإن من حق المجالس الجماعية نهج الطريقة التي تراها مناسبة، معتبرا إحداث جماعة طنجة لشركات للتنمية المحلية، قرار قانوني سليم وخلفياته قانونية صرفه ومبنية على إرادة المشرع الذي ألزم الجماعات باختيار الطرق الحديثة في تدبير المرافق العمومية المشار اليها في الفصل 83 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الذي يعتبر شركات التنمية المحلية إحداها. وأشار الرفاعي في حديث مع موقع “لكم”، على أن إحداث شركات التنمية المحلية هو من اختصاصات مجلس الجماعة طبقا لمقتضيات المادة 92 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات و يؤطرها مقتضيات الفصلين 83 و 130 من نفس القانون الذي يعطي للمجلس إمكانية إحداثها أو المساهمة في رأسمالها و يوردها كطريق من الطرق الحديثة الإلزامية لتدبير المرافق العمومية المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 83 إلى جانب التدبير المفوض و التعاقد مع القطاع الخاص و أهمها النقل العمومي الحضري و الإنارة العمومية و تطهير السائل الصلب و توزيع الماء الصالح للشرب و الكهرباء، مؤكدا على أن الأمر لا علاقة له بالتهرب من تحمل المسؤولية. دوافع اختيار هذا النمط بدوره دافع أحمد الطلحي رئيس لجنة التعمير والبيئة بمجلس مدينة طنجة، بقوة عن هذا النمط، مشيرا في حديث مع موقع “لكم”، إلى بعض الدوافع الأساسية التي جعلت الأغلبية تختاره، في مقدمتها، تجويد الخدمات، وأيضا للتمويل في سياق الأزمة المالية التي تعرفها الجماعة، والثالث الذي اعتبره أكثر إلحاحا وهو معالجة مشكلة الموارد البشرية، ذلك لأن القوانين لا تسمح بتقديم الحوافز للموظفين، كما أن هذا النمط سيسمح بالتغلب على النزيف البشري الذي تعاني منه جماعة طنجة دون الجماعات الكبرى في المغرب، وأخيرا لأن هذا النمط سيسمح بالاستفادة من خدمات الأطر ذات الكفاءة العالية بمنحها رواتب عالية كما هو الأمر في القطاع الخاص، يضيف الطلحي. وردا على من يعتبر أن هذا النمط هو بمثابة تهرب من المسؤولية، اعتبر الطلحي أن هذا لا يقول به إلا من لم يطلع على القانون ولا على التجارب القائمة، فأغلبية الأصوات داخل مجلس الإدارة تكون للقطاع العام بحكم امتلاكه للنسبة الغالبة من الأسهم، كما أن رئيس مجلس الإدارة هو مسؤول عمومي، فالعمدة هو الذي يرأس مجلس إدارة الشركتين المؤسستين لحد الان: المحطة الطرقية وطنجة ستاسيون. بمعنى أن كل القرارات يحسم فيها القطاع العام، مؤكدا على أن مجلس الجماعة يحاسب العمدة، وأي تغيير في العقد لا بد للعمدة أن يرجع للمجلس. وفي ذات السياق، تساءل المسؤول الجماعي، هل المطلوب هو أن يسير المنتخب بنفسه كل مرافق الجماعة؟ ليجيب، “هذا مستحيل، دور المنتخب معروف هو الاشراف العام وتحديد الاختيارات واتخاذ القرارات الكبرى والبحث عن الشراكات، أما من يقوم بالتدبير اليومي فهو الموظف الجماعي، أو عبر الصفقات العمومية”. وأضاف المتحدث موضحا، من يقوم الان بأشغال الحراسة والنظافة في البنايات الجماعية؟ من يقوم بأشغال صيانة الانارة العمومية وتعبيد الطرق وصيانتها وتهيئة المناطق الخضراء وصيانتها؟ طبعا القطاع الخاص ومنذ عقود وليس الان، والمدن الكبرى كطنجة لا يمكن تسييرها ب11 منتخبا، العمدة و10 نواب للعمدة، فاذا تولى كل نائب تدبير مرفق واحد فان عددا من المرافق لن يدبرها منتخب، ثم ان نواب العمدة ليسوا متفرغين، لهم وظائفهم أو أعمالهم، متسائلا، فهل الوزراء هم الذين يسيرون المرافق الحكومية بأنفسهم أم بواسطة جهاز إداري ضخم مع الاستفادة من خدمات القطاع الخاص عبر الصفقات العمومية. وأكد الطلحي، على أن هناك مغالطة يروج لها البعض وهي أن هذه الشركات سيسيطر عليها القطاع الخاص، وقد بينت بان المقرر بحكم امتلاكهن لأغلبية الأسهم هو القطاع العام، ثم يمكن للجماعة ان تمتلك بالكامل أسهم الشركة، وتجربة الدارالبيضاء خير مثال. فالجماعات الترابية يمكنها أن تمتلك ما بين 34 و100 بالمائة من الأسهم. التدبير المفوض وشركات التنمية في هذا الصدد، قال الطلحي، صحيح أن الأصل هو أن تدبير المرافق الجماعية يكون عبر التدبير المباشر، من قبل الجماعات، إلا أن يمكن إضافة نمط التدبير المفوض، من أجل تحسين الخدمات المقدمة من هذه المرافق بإدخال تقنيات التدبير والاستغلال المتطورة والتي تتقنها المؤسسات المتخصصة أكثر من المؤسسات الإدارية، وكذلك من أجل استقطاب الاستثمارات الكبيرة التي يحتاجها هذا التحسين والتي تتجاوز الموارد المالية للجماعات بكثير، مضيفا أنه وفي القانون التنظيمي للجماعات 113.14، جاء المشرع بنمط جديد هو شركات التنمية المحلية، وذلك من أجل تنويع أنماط التدبير، من جهة، ومن جهة ثانية، تمكن هذه الآلية من الحفاظ للجماعات على الموارد المالية المتأتية من هذه المرافق، بعكس التدبير المفوض الذي يستحوذ فيه القطاع الخاص على كل هذه الموارد. وأبرز الطلحي، أن شركات التنمية المحلية، لا تسمح بان يستحوذ القطاع الخاص على أغلبية أسهم الشركة، بل لا تتجاوز 49 بالمائة، فيما القطاع العام لا تقل حصته عن 51 بالمائة، على ألا تنزل حصة الجماعات الترابية عن 34 بالمائة، بمعنى أن الهدف الأساسي من هذا النمط هو تحسين طرق وأساليب التسيير، من خلال التدبير المقاولاتي. وأشار المسؤول الجماعي، إلى أنه بالنسبة لجماعة طنجة، اختيار نمط التدبير بواسطة شركات التنمية المحلية اقتصر لحد الان على ثلاثة مرافق وهي: المحطة الطرقية وخدمة الركن والجر والمجازر الجماعية، ولن يقتصر الامر فقط على هذه المرافق او تلك التي تم بناؤها في إطار مشروع طنجة الكبرى، بل يمكن أن تشمل مرافق وخدمات أخرى. فشل التدبير المباشر بالنسبة لمحمد غيلان الغزواني رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بالمجلس الجماعي لطنجة المعارض، فإن الرهان على شركات التنمية المحلية كنمط جديد لتدبير المرافق الجماعية، جاء بعد فشل نمط التدبير المباشر على عدة مستويات، المستوى الأول قلة الموارد البشرية المتخصصة، المستوى الثاني سوء جودة الخدمات المقدمة لسبب تقادم فضاءات هذه المرافق وعدم قدرتها على المسايرة من حيث العرض مقابل الطلب، أما المستوى الثالث، فيتعلق بضعف الموارد المالية المحصل عليها أمام ارتفاع عدد المرتفقين وأمام تطور دينامية المدينة. واعتبر المتحدث في تصريح لموقع “لكم”، أن فشل هذا النوع من التدبير الذي كان دائما يتأثر بالفاعل السياسي وفعله السياسي ويتحول من ثقافة المقاولة التي دائما تبحث عن التطور في المداخيل وتحسين جودة الخدمات الى حسابات سياسية ضيقة تعرقل هذا التطور، مشيرا إلى أنه ومن خلال هذه المعطيات ارتأت الجماعة الى العمل بهذا النمط الجديد والدخول في شراكة من أجل تحسين جودة هذه المرافق كفضاءات تليق بساكنة طنجة الكبرى من جهة، والرفع من مستوى المداخيل يوافق عدد السكان المطرد وينعش ميزانية الجماعة ومن جهة أخرى نقطع مع مظاهر التسيب وسوء التدبير الذي لاحظه المجلس الجهوي للحسابات وأصدر بشأنه تقارير صادمة. وأكد القيادي المحلي بحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، على أن شركات التنمية المحلية هو نمط تسيير مشترك تشرف عليها مجالس إدارية يترأسها الفاعل السياسي، والانتخابات تخول لهذا الأخير حق تنفيد البرامج و اتخاد القرارات والشركات لها الخبرة والكفاءة تساعد بها الفاعل السياسي على اتخاد هذه القرارات، مشيرا إلى أنه أنماط تسيير معمول بها في دول متقدمة وفيها الانتخابات كذلك، معتبرا أن المنتخب هو للتخطيط، هو لوضع الاستراتيجيات التي ترقى بالتنمية المحلية، وليس لوضعه في مواضع الشبهات والإغراءات خصوصا في المرافق العمومية ولو كان هناك شراكات يمكن أن تشرف على قطاع التعمير سيكون أفضل، بحسب غيلان الغزواني. محاولة لوأد ديمقراطية القرب أما حسن الحداد الناشط الحقوقي، فقد عارض بشدة نهج هذا النمط من التدبير، وخلص في حديث مع موقع “لكم”، على أن التدبير المفوض ونهج سياسة إخضاع جميع المرافق الجماعية الحيوية للتدبير في إطار شركة التنمية المحلية هي محاولة لوأد ديمقراطية القرب، والثقافة الانتخابية التي أساسها المحاسبة وربط الثقة بالمحاسبة، والهدف من كل ذلك في نظر المتحدث، هو تجريد المنتخبين والمجالس المنتخبة من مهامها، وذلك لحاجة في نفس يعقوب. وتساءل الحداد، أنه عندما ستخضع جميع المرافق إلى التدبير في إطار شركات التنمية المحلية بالإضافة إلى ما خضع للتدبير المفوض، عن أي برنامج انتخابي نتحدث عنه؟ مشيرا إلى أن قطاع الموارد البشرية هو الوحيد الخاضع للتدبير المباشر، وبالتالي ما سيتبقى للأغلبية هو سلطة تعديل القرار الجبائي ومراقبة الأطر والموظفين واختيار نوع السيارات وهواتف المنتخبين. وأشار الحداد إلى أن حزب العدالة و التنمية كان معارضا بشدة، لتجربة شركات التنمية المحلية بمدينة الدارالبيضاء الكبرى حيث كان من أشد المعارضين لهذا التدبير سنة 2008 ، معتبرا أنه بالفعل تجربة عليها الكثير من السلبيات إلى حد ان المرافق أصيبت بالشلل، وراكمت ديون كبيرة ناهيك عن الحكامة و النجاعة. وذكر المتحدث بموقف عمدة طنجة، من مرفق سوق الجملة (الخضر والفواكه) في العديد من الدورات، حيث أشاد بطريقة تدبير السوق، الذي تضاعفت مداخيله وساهم في توسيع القاعدة الجبائية للجماعة في زمن النكبة رغم بنيته المتهالكة والتي لا تسمح بتطويره ورغم قلة الموارد البشرية والأطر المختصة، متسائلا، إذا كنا قد حققنا هذا النجاح الباهر، فلماذا نخضعه للتدبير المشترك مع شركة التنمية المحلية؟. وأبرز الحقوقي، أن عملية إنجاز سوق جديد بمواصفات عصرية وبتقنيات الإدارة الإلكترونية، ستتعزز آليات الحكامة، وهذا سينعكس على المداخيل وجودة الخدمات والشفافية كل ما يتطلبه الأمر هو موارد بشرية مختصة، متسائلا، ما المانع من ضخ كفاءات وأطر وعمال بالتعاقد؟ وبذلك نحتفظ على عمومية و جماعية المرفق عوض فتح المجال لشركاء جدد في تدبيره علما انه بمنطق الاقتصاد يحقق أرباح خالصة للجماعة، مستغربا، لماذا لا تخضع المرافق التي لا تساهم ولم تتمكن الجماعة من جعلها مرافق مدرة للدخل و الذي فشلت فيه الأغلبية الحالية، كمرفق الرياضة و الأنشطة، ومرفق الثقافة؟. تساؤلات ودائما في ذات التصريح، قدم حسن الحداد مجموعة من التساؤلات قال إنها تحتاج إلى توضيحات، هل سيعمل أطر وأعوان وموظفي الجماعة بهذه الشركات؟ هل أطر شركات التنمية المحلية ومديرها سيتعاقدون مع الشركة أم مع الجماعة، وما هي تكلفته؟ وما هي تكلفة فسخ العقد مع المدير؟ وهل ستكون المعارضة والمجتمع المدني حاضرون في المجلس الإداري بتمثيلية معينة؟ بخصوص دفتر التحملات هل سيتم نهج نفس السياسة فيما يخص المحطة الطرقية الجديدة، دفتر التحملات عبر الأبواب المغلقة؟. واستحضر الحداد، تجربة ما حدث بين المحطة الطرقية القديمة والجديدة، مشيرا إلى أن إخضاع المرافق الجماعية للتدبير في إطار شركات التنمية المحلية يمس بالخصوص الجانب الاجتماعي، وهذا يضرب حصيلة الحكومة التي تعتبر أن حصيلتها هي حصيلة اجتماعية، مبرزا أن هذا لا ينعكس على المحلي، حيث كانت هناك المئات من الأسر تعيش من حول المحطة القديمة. وأكد الحقوقي، على أنه لا يمكن ولإنجاح المحطة الطرقية الجديدة و تفريش الطريق لشركة التنمية المحلية أن يتم التضحية بالسلم الاجتماعي و بالقدرة الشرائية للمواطنين، وضرب حق التنقل لسكان البادية، ومنع سيارات الأجرة و النقل المزدوج، متسائلا، أين هو البعد الاجتماعي في هذه السياسة؟. وخلص المتحدث، إلى أنه لا تنمية بدون مرفق عمومي ولا مواطنة بدون مرفق عمومي، ولا ترسيخ لقيم العيش المشترك إلا في الفضاء العمومي وهو صمام الأمان للتوازن والقدرة الشرائية للمرتفقين.