صرّح رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران في حوار مع وكالة الأناضول بأن الاحتجاجات السياسية في المغرب قد انتهت، وأن المطالب الشعبية الحالية هي مطالب اجتماعية "عادية وطبيعية" وأضاف بأن النظام الملكي في المغرب قد استجاب لمطالب الشارع الذي خرج السنة الماضية للمطالبة بإصلاحات سياسية عبر تعديل الدستور وتنظيم انتخابات نزيهة. جاءت هذه التصريحات بعد المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية الذي انعقد بملعب "مولاي عبد الله" والذي أذهل كل الحاضرين والمتتبعين بضخامته وتنظيمه، والذي لعب نوعا ما دور المهرجان الصيفي للاحتفال بوصول البيجيديين إلى سدة الحكم والحكومة. نعم، نجح البيجيديون في إقامة مؤتمر من العيار الثقيل وجذب كل الأنظار وكل العدسات التي صورت ضيوفه القادمين من داخل المغرب وخارجه، وشهد على ذلك العديد من الصحافيين المغاربة بكتاباتهم ومقالاتهم ومن أبرزها، مقال السيد "علي أنوزلا" الذي نشر في موقع "لكم" بعنوان شاهد عيان من مؤتمر الرفاق إلى مؤتمر الإخوان تناول فيه مقارنة بين مهرجاني "البيجيدي" و"النهج الديموقراطي" أي بين مؤتمر ضخم بشعارات وخطابات تنوه بالنظام وتليق بحزب حاكم ذو حكومة وسيادة، ومؤتمر متواضع لوجيستيكيا ولكن بشعارات وخطابات تضرب وجوه النظام من الصغير الى الكبير، تليق بحزب يساري أحمر، بدأ قلم أنوزلا الحديث عن مؤتمر الرفاق ثم وصف مؤتمر الإخوان (كما سماه) ، و الحديث ذو شجون . للتكلم عن قضية الشجن هذه، لا بد أن نرجع إلى الوراء قليلا، قبل خطابات بنكيران ومن معه، وأن نقف في باب ملعب مولاي عبد الله كي نرى من يدخل دار العرس من الضيوف، وهنا سنرى بالطبع جل قياديي الأحزاب السياسية الأخرى وكذا أعضاء الحكومة والبرلمان، وسنرى أيضا الشخصيات القادمة من الشرق العربي والمدعوة من طرف منظمي المؤتمر، كرئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل و الناشطة اليمنية توكل كرمان: ضيفان اعتز بهما البيجيديون آملين في أن يصبح حزبهم "المصلح" بمثل هذه الدعوات، دار استقبال رموز المقاومة والنضال أو كما يسميهم بنكيران "إخواننا في المشرق"، بعد أن اطمئن عن حالة المناضلين و المقاومين في المغرب، لا يهم... فالأمور على ما يرام أمام باب المؤتمر... بعد مقاومي و مناضلي الشرق، وقياديي وأصحاب السياسة والسلطة في الغرب، يصل ضيف من نوع آخر، يتعلق الأمر هذه المرة بالسيد "عوفير برنشتاين" و هنا تنقلب مجريات الأحداث رأسا على عقب، فلقد تمت دعوة هذا الأخير بصفته مناضلا يهوديا مناصرا للقضية الفلسطينية و رجل سلام، لكنه في الحقيقة يحمل الجنسية الفرنسية والإسرائيلية، كما أنه طلب شخصيا جواز سفر فلسطيني من الزعيم ياسر عرفات و وافق على طلبه بعد ذلك الرئيس عباس أبو مازن بعد وفاة أبو عمار. الرجل أتى إلى مؤتمر حزب العدالة والتنمية المغربي بصفته رئيسا للمنتدى الدولي للسلام والذي يوجد مقره بباريس، هو أيضا مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" ومن بين الشخصيات الإسرائيلية التي حضرت لقاء "كامب ديڤيد" ... المهم، "عوفير برنشتاين" و بشكل واضح هو جزء من الكيان الصهيوني، حضر وشهد على كل جرائم بلاده وهو يشغل أعلى مناصبها. على كل حال لا نريد أن نناقش هنا الجدوى أم لا من استضافة مسؤولين صهاينة بالمغرب وجدوى التطبيع أو لا، فهذا نقاش آخر، وإنما يهمنا كيف يتعاطى البيجيدي مع القضية وكيف تقلبت مواقفه بسرعة البرق. فهل وصل هذا الرجل إلى مؤتمر البيجيدي دون أن يعلم منظموه شيئا عن حقيقة من يكون؟ كانت أول الردود بعد انفجار هذه القضية على الجرائد الإلكترونية هي من السيد “رضا بن خلدون" المكلف من طرف الأمانة العامة لحزبه بمهمة اقتراح الضيوف الأجانب، والذي علق على الموضوع قائلا بأن الدعوة لم تكن لعوفير الإسرائيلي بل لرجل السلام المناصر للقضية الفلسطينية، و لكن الرد بقي عاجزا أمام التساؤلات التي ملأت المواقع الاجتماعية والجرائد الإلكترونية و الورقية. أما السيد محمد يتيم فقد خرج علينا بتفسير غريب : إن استضافته لم تكن بصفته الإسرائيلية ... في خضم الأسئلة و قلة الردود المقنعة وبين الاتهامات بالتطبيع والتعليقات و التعليلات، يخرج "أحمد بن الصديق" مشيرا بخبر وطرح آخر كأنه يقول : "بلاتي ... بلاتي، هاد عوفير ماشي أول مرة غادي يجي!!" فهل أتى "بن الصديق" بالدليل ؟ الجواب هو نعم، فقد نشر موقع "لكم" مقالا قصيرا لأحمد بن الصديق – نشرته بعد ذلك مواقع أخرى كالمبادرة بريس و إنصاف بريس و كود ...- يبين فيه تناقضا كبيرا في تصريحات بعض قياديي العدالة والتنمية، بعد أن بحث في أرشيڤ موقع جريدة التجديد الناطقة باسم "حركة التوحيد والإصلاح الأخت التوأم للبيجيدي" لكي يستخرج منه مقالا بعنوان "صهاينة في ضيافة أماديوس في طنجة" نشر يوم 18 نونبر 2011 أي عندما كان وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة الحالي"مصطفى الخلفي" مدير تحرير الجريدة، و يتهم ذات المقال مسؤولي "معهد أماديوس" الذين استضافوا آنذاك نفس "عوفير برنشتاين" في طنجة، بالتواطؤ مع إسرائيليين ينتحلون صفات مناضلين من أجل السلام. إذن، فحسب منظمي مؤتمر العدالة والتنمية، الذين كانوا أبطال مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني - أليس كذلك ؟ - ، تحول "برنشتاين" بقدرة قادر من صهيوني الى رجل سلام، يأخذ صورا بابتسامة عريضة وهو في أحضان بنكيران وسعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية. لكن القنبلة لن تلقى هكذا دون إحداث اهتزازات ارتدادية، وهنا تبدأ حملة انتقادات و ردود فعل غاضبة على "البيجيدي"، ليس فقط من خارج الحزب بل حتى من داخله، بل و أيضا من ممثلين وأعضاء من أمانته العامة و فريقه البرلماني، عاد فيها رضا بنخلدون بقول آخر ينفي فيه معرفته بحقيقة الإسرائيلي ويلقي بالمسؤولية هذه المرة على عمر المرابط المسؤول عن فرع الحزب الإسلامي في فرنسا، فالمرابط حسب قول بنخلدون هو من اقترح "برنشتاين" كضيف على المؤتمر، ثم تخرج بعد ذلك منظمة التجديد الطلابي المقربة من الحزب ببيان على موقعها الإلكتروني تطالب فيه حزب العدالة والتنمية بالاعتذار للشعب المغربي معتبرة أن ما وقع في الرباط خطأ يستوجب الاعتذار،ثم يتبعه بيان آخر لإدريس بوانوو،عضو لجنة العلاقات الدولية للحزب وعضو لجنة العلاقات الخارجية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمره السابع يهدد فيه بالاستقالة من كافة مناصب الحزب على خلفية تداعيات هذه القضية. أما البرلماني الشاب محمد خيي المنتمي لنفس الحزب فقد طالب بالاعتذار للرأي العام قائلا : "إن الاعتذار عن خطأ بدر من اللجنة التحضيرية للمؤتمر هو الأليق والأنسب، لأن كل البشر يخطأ، و لأن مواقفنا من التطبيع تسمو على كل الاعتبارات الأخرى احتراما لهذا الحزب ومناضليه وذاكرته ونضاله من أجل عدالة القضية الفلسطينية"... هذا موقف شجاع... بينما اعتبر امحمد الهلالي عضو المجلس الوطني للحزب في مقال على "هسبريس" أن "واقعة استضافة الصهيوني فضيحة مجلجلة تستوجب المحاسبة والاعتذار والكفارة وتجديد التعاقد مع القضية الفلسطينية حتى يتم رفع اللبس". هذا كلام ثقيل جدا... هل يكون معناه أن الأمانة العامة لم تعد أهلا لحمل الأمانة ؟؟؟ عضو الأمانة العامة عبد العالي حامي الدين، وفي حوار مع جريدة القدس العربي، بدا مرتبكا جدا وهو يحاول ترقيع الموقف وأكد أن "على الأمانة العامة للحزب إذا ثبت لديها أن برونشتاين إسرائيلي و مستشار سابق لإسحاق رابين وعضو الوفد الإسرائيلي في مفاوضات أوسلو وبعد دراستها للملابسات، أن تصدر بيانا تكشف فيه كل الملابسات وتقدم توضيحات كاملة واعتذارا واضحا للشعب المغربي والأمة الإسلامية". ثم بعد ذلك، خرجت أخيرا "حركة التوحيد و الإصلاح" مهد حزب العدالة و التنمية، ببيان في أول أيام رمضان بالمغرب، مخبرة الرأي العام بأن مكتبها التنفيذي قد اجتمع لمناقشة تداعيات حضور الصهيوني لمؤتمر البيجيدي واصفة هذا الحضور ب"الاختراق الصهيوني" و لتجدد ولاءها لمواقفها الثابتة الرافضة لكل أشكال التطبيع. إذن، فرواية "رجل السلام" لم تجد في آخر المطاف آذانا صاغية... فهل سيصبح عوفير القشة التي ستقسم ظهر "البيجيدي"؟ على كل حال، يبدو أن الرأي العام غاضب جدا على منظمي مهرجان الحزب الحاكم لحساسية ما تمثله القضية الفلسطينية للمجتمع المغربي، فهي ذات وقع لا يستهان به، يفوق في بعض الأحيان القضايا الاجتماعية و السياسية الأخرى، وما يزيد الطين بلة، هو التعليقات الأولى التي قام بها بعض مسؤولي الحزب الذين حاولوا التهرب من هذا المأزق وعدم الاعتراف بالخطأ، كما حاولت أيضا بعض الصفحات المساندة للبيجيدي على الفايسبوك إنقاذ الموقف بنشرها لصورة جواز سفر برونشتاين المهدى من طرف "محمود عباس" محاولة بذلك تلميع صورة ضيف "الإخوان". تحولت إذن رغبة العدالة والتنمية في الانفتاح على العالم الشرقي والغربي الى مخاطرة سياسية يبدو أنها قد باءت بالفشل، والدليل على ذلك هو كل هذه البيانات والتهديدات بالاستقالة من المناصب الحزبية التي تنهال على طاولة الأمانة العامة بعد أيام معدودة من المهرجان الضخم الذي عول عليه البيجيديون كثيرا، ولكن عوفيرا أطفأ "مصباح" ملعب مولاي عبد الله بابتسامة عريضة وسط من كانوا يدوسون بأقدامهم علم الكيان الصهيوني أيام المظاهرات والنضال. أليس في كل هذا درس و نصيحة للحزب الإسلامي؟ "...وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له حقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، أيها الناس، إنما أنا متّبع، ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوِّموني" هذا ما قاله أبو بكر، أول خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند توليه الخلافة، وهو بلا شك بمثابة مثال أعلى لبنكيران الذي لا يفارق تسبيحه. فهل سيتقبل إذن بنكيران هذه الانتقادات و يعترف بخطأ حزبه والمشرفين على مؤتمره السنوي؟ أو ربما سيبهرنا بأكثر من ذلك، ويتقدم بالشكر لكل من قام بالواجب وبحث عن الحقيقة ليقوِّمه على الحق.."أوعلاش لا؟" تخيلوا لو أن بنكيران ينظم محفلا آخر على شرف الغيورين على هذا الوطن وعلى سمعته في المنطقة، من سهروا على البحث و نقل الخبر كما هو, في سبيل كشف الحقيقة ونبذ الافتراء و الكذب، أهم "مصلحون يا جلالة الملك" أم "مفسدون يا جلالة الملك"، محفل يحضره كل المغضوب عليهم، من السجناء السياسيين و الإسلاميين والطلبة القاعديين وأسرى حركة 20 فبراير، محفل يدعو الى منصته أصحاب الأقلام الحرة لتكريمهم وشكرهم عن مجهوداتهم في سبيل الحقيقة لتقويم الحاكم و الحكومة على الحق وإبعادهم عن الباطل، ألا يدعوا فقهاء المساجد بعد كل صلاة جمعة: "اللهم أره الحق حقا و ارزقه اتباعه، وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه" ؟ أليس في أصحاب هذه الأقلام والضمائر والعقول سبيل للحق وابتعاد عن الباطل؟ لقد عاد "عوفير" الى باريس غير مبال بما يجري في الرباط تاركا البيجيدي في مأزق بسبب زيارته باسم السلام الصهيوني، و ترك أيضا كرة إسمنتية في ملعب بنكيران الذي اختاره بنفسه على أرضية "مولاي عبد الله"، الكرة الآن في ملعب بنكيران... "واش فهمتي و لا لا !؟"