المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية الذي جرت اشغاله يومي 14 و15 يوليوز الجاري، كان له برنامج نشره الموقع الرقمي للحزب (1) حيث يتضمن الجلسة الافتتاحية ثم الجلسة الأولى للأشغال الداخلية للمؤتمر، وجدول الأعمال كما هو معتاد تضمن عدة نقاط من بينها تقديم تقرير عن أداء الحزب والتقرير المالي وكلمة الأمين العام وتقارير الجهات ومشروع تعديل النظام الأساسي، كما تضمن تقديم أطروحة المؤتمر ثم المصادقة عليها. هذه الوثيقة تشكل، نظريا على الأقل، المرجعية الأساسية التي تُهيكل نشاط الحزب من اليوم وإلى غاية المؤتمر المقبل، وعنوانها "شراكة فعالة في البناء الديمقراطي من أجل الكرامة والتنمية والعدالة والتنمية الاجتماعية" (2)، علما أن أطروحة المؤتمر الوطني السادس للحزب المنعقد شهر يوليوز 2008 كانت بعنوان "النضال الديمقراطي مدخلنا إلى الإصلاح"، وهي التي تضمنت شرحا لمفهوم الأطروحة ينص في الصفحة 7 أنها "الجواب الحزبي الجماعي على الأسئلة التي يطرحها الواقع السياسي والاجتماعي المرحلي، إنه الجواب الذي سيسعى الحزب من خلاله أن يجسد في حقبة زمنية معينة معالم مشروعه الإصلاحي. والأطروحة كذلك مجال لافتحاص مدى قوة وتماسك البرنامج العام والرؤية والرسالة، ولقدرتها التفسيرية، وصلاحيتها للتأطير المذهبي والنضالي لسلوك المناضلين." أما الأطروحة الجديدة فهي تعرِّف نفسها بكونها " تستند لعدة مرجعيات متكاملة تحدد كل منها التزامات الحزب وهي: الوثائق المذهبية و السياسية المؤسسة والتي تحدد الالتزامات المذهبية والسياسية الكبرى... تصور الحزب لإصلاح نظام الدولة والمجتمع... البرنامج الانتخابي... ميثاق الأغلبية الحكومية..." الفصل الثامن من هذه الأطروحة الجديدة مخصص للمشروع المجتمعي لحزب العدالة والتنمية، وتنص فقرته السادسة على ما يلي: "يؤكد حزبنا على ما ورد في كافة وثائقه المرجعية وما ورد أيضا في أطروحة النضال الديمقراطي، فحزبنا ينطلق في فهمه الإسلام من نفس الرؤية المنفتحة والتي شكلت عنصر القوة في التجربة التاريخية والحضارية للأمة، رؤية تؤمن بالتنوع والتعدد والتعايش بين الديانات وحرية العقيدة واعتبار قاعدة المواطنة أساس بناء الدولة والمجتمع". أما الفقرة الخامسة عشر من نفس الفصل فهي تقول: " ويترتب على ذلك إقرار مبدأ الحرية العقدية وحرية الإبداع وحماية الحريات الفردية والجماعية، وانطلاقا من قاعدة لا إكراه في الدين التي هي قاعدة ذهبية قوامها أنه لا يجوز ولا يمكن اللجوء إلى أي شكل من اشكال الإكراه في الدين عقيدة وشريعة وأخلاقا، وأن هذه القضايا تقدم بالأساس من خلال الإقناع والاقتناع، وأنها مجال للضمير والفكر والوجدان، وليست مجالا لسلطة الدولة أو إكراهات القانون، فإنه من باب أولى أن تشمل هذه القاعدة الالتزام الديني حيث لا إكراه على العبادات، ومجال الثقافة حيث لا إكراه في الفن والإبداع، والسلوك اليومي للمواطن حيث لا إكراه في الزي واللباس." أما الأطروحة القديمة فهي تنص في فصلها الرابع المخصص للهوية المذهبية للحزب وخاصة الصفحة 25: "وفي هذا الصدد ينطلق حزبنا في فهمه للإسلام من الرؤية المنفتحة نفسها والتي شكلت عنصر القوة في التجربة التاريخية والحضارية للأمة، رؤية تؤمن بالتنوع والتعدد والتعايش بين الديانات، وبحرية العقيدة، واعتبار قاعدة المواطنة أساس بناء المجتمع والدولة". كما تتضمن الصفحة 29 ما يلي " ومبدأ الحرية العقدية والدينية واجتناب أي شكل من أشكال الإكراه في الدين، عقيدة وشريعة وأخلاقا، مبدأ مطرد، والمعول عليه فيها هو الإقناع والاقتناع والرضى، وليس سلطة الدولة أو إكراهات القانون". نستنتج من هذا الجرد البسيط أنه لم يطرأ أي تغيير من 2008 إلى 2012 على تشبث الحزب بمبدأ حرية العقيدة، على مستوى الخطاب. فماذا على مستوى الممارسة الفعلية وهل هي منسجمة مع الخطاب ؟ في خضم النقاش حول الدستور الجديد، والذي امتد من 9 مارس 2011 إلى 30 يونيو 2011، وخاصة خلال الأسابيع القليلة قبيل الاستفتاء والتي تميزت بتسريب عدة صيغ للوثيقة الدستورية وبتغييرات طرأت على بعض فقراته المتعلقة بالهوية والعقيدة، حتى اللحظات الأخيرة قبل خطاب الملك يوم 17 يونيو، أثارت هذه المسألة نقاشا ساخنا ومواقف حادة حتى قيل أن الصيغة التي انتهت إليها لجنة صياغة الدستور تضمنت حرية العقيدة قبل أن يتم التراجع عنها بسبب الضغط الكبير الذي مارسه على الخصوص حزب العدالة والتنمية لحذفها، وذلك باعتراف بعض أعضاء اللجنة نفسها. آنذاك أوردت الصحافة أن الحزب هدد " بالتصويت ضد الدستور في حال تضمنه حرية العقيدة " ونشرت صريحات لقيادييه منها على سبيل المثال قول السيد بنكيران في تصريح لوكالة فرانس بريس: " نحن لسنا ضد حرية العقيدة، ولكننا نخشى العواقب الوخيمة لهذا الحكم على هويتنا الإسلامية ". ثم تساءل: "ماذا تعني حرية العقيدة ؟ السماح بالإفطار علنا خلال شهر رمضان ؟ إشاعة الحرية الجنسية والشذوذ الجنسي بين عامة الناس؟ " (3) كما تناولت الصحافة قوله إنه سيصوت على الدستور ب"لا" في حال ما إذا نص على حرية العقيدة لأن هذه الحرية تعني نهاية إمارة المؤمنين (4). بعد ذلك أكد مولاي عمر بنحماد (نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح) لجريدة «التجديد» أن كل الخيارات المصادمة لهوية الأمة باءت بالفشل، قائلا إن الحديث عن حرية المعتقد هو مما يصدق فيه المثل السائر »حق يراد به باطل». متسائلا في إجاباته عن تبني مجموعة الحداثة والديمقراطية مطلب دسترة حرية العقيدة: عن أي مجتمع يتحدثون؟ ومن يستطيع أن يدعي أن دستور 2011 لم يحسم منظومة الهوية والقيم؟ (5). من جهته فقد سبق لمحمد الطوزي وهو أحد أعضاء اللجنة المكلفة بصياغة الدستور أن تحدث في حوار مع مجلة جون أفريك عن بعض ملابسات هذا التراجع حيث انتقد ما أسماه العمل "المحبط" الذي مارسه يساريو الخارج، أي اليساريون من خارج اللجنة الذين لم يضغطوا، حسب قوله، لإقرار مبدأ دولة الحق ومبدأ حرية العقيدة، كاشفا أن من بين من عارض هذا المبدأ هي السلطة نفسها وحزبي الاستقلال والعدالة والتنمية ومستشاري الملك، و لكنه لم يشرح هل حصل تنسيق من بين هذه الأطراف الأربعة أم لا لأجل إجهاض العملية. يبقى السؤال: ما الجدوى من التنصيص - في الخطاب - على الإيمان بمبادئ جوهرية وتضمينها في "الوثائق المذهبية والسياسية المؤسسة والتي تحدد الالتزامات المذهبية والسياسية الكبرى"، ثم محاربتها والتنكر لها عندما كادت أن تصبح من المبادئ الدستورية؟ ألا يفقد مصطلح الالتزام معناه ؟ ---