"إن تجديد المدرسة رهين بجودة عمل المدرسين وإخلاصهم والتزامهم. ويقصد بالجودة، التكوين الأساسي الرفيع والتكوين الفعال والمستديم، والوسائل البيداغوجية الملائمة". بهذه العبارة تبتدئ الدعامة الثامنة عشر في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتي تعنى بحفز الموارد البشرية، وإتقان تكوينها وتحسين ظروف عملها، ومراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية، في أفق تحقيق الغايات الكبرى التي سطرها هذا الميثاق. الأمر الذي جعلنا نتساءل وبالخصوص مع إعلان وزارة التربية الوطنية عن تنظيم مباريات الدخول إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، عن مغزى تقديم المترشحين الذين لم يتلقوا تكوينا في مادة الفلسفة لتدريس هذه الأخيرة عن المتخصصين فيها، وأعني هنا الطلبة الذين تلقوا تكوينهم في مادتي علم النفس وعلم الاجتماع، وتوظيفهم كأساتذة للفلسفة، خصوصا عندما نستحضر هذه الدعائم والمبادئ التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إذ كيف يمكن الارتقاء بالمدرسة المغربية، وتحسين جودة التعليم، وتلقين الناشئة القيم التي يتشدق بها الجميع في كل محفل، دون احترام تمكين المدرس بالتكوين اللازم والوسائل الضرورية لأداء مهمته بأفضل حال، بل ومد المدرسة العمومية بأطر تربوية غريبة عن مجال عملها، وكيف ننتظر من فاقد الشيء أن يعطي ما لا يملكه، خصوصا في الوقت الذي أصبحت فيه الحاجة إلى الفلسفة أكثر من أي وقت مضى حاجة ملحة وضرورية لاستنبات أسس المواطنة وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكوين أجيال تؤمن بالحوار والحق في الاختلاف..الخ. إن جعل مصير الفلسفة في يد غير أهلها يجعلنا نتخوف على مستقبل هذه الشعبة، ومستقبل التعليم بالمغرب بصفة عامة، كما يعطي هذا الأمر انطباعا وكأن الفلسفة مجرد لغو أو نصوص يمكن لأي كان مهما اختلفت تخصصاتهم ومجالات تكوينهم أن يلقونها للمتعلمين، وكأن المقاربة الجديدة التي ينشدها الميثاق والتي تروم تمكين المتعلمين من الكفايات والمهارات الكفيلة بتحقيق الانسجام بين الإنسان ومحيطه الثقافي والاجتماعي و..الخ، لا حضور لها في هذا الانتقاء، بل تحكم عقلية التلقين التقليدية وبيداغوجية الأهداف التي نشم رائحتها في هذا التعويم الذي نخاف أن يكون مقصودا للفلسفة، بالرغم من دورها الكبير في فتح أذهان الناشئة وتمكينهم من الفكر النقدي. كما نسجل أن جعل أمر تدريس الفلسفة لغير أهل الاختصاص ولمن عدم تكوينا فيها يضعنا أمام عدة نتائج وحقائق لابد من التذكير بها، منها أن هذا العمل هو خيانة للأسر المغربية التي تنتظر من المؤسسات التعليمية العمومية أن تقدم وظيفتها على أحسن وجه، وتمكين فلذات أكبادها من التكوين اللازم على يد المتخصصين فيها لا الهواة. كما أن هذا الأمر يساهم في الإبقاء على بنية التعليم العتيق الذي لا يحتاج إلى التخصص بل يعتمد على منطق التلقين والسرد، وينتج لنا بالتالي جيلا لا يفكر. هذا بغض النظر عن المشاكل والصعوبات التي يجدها مدرسي الفلسفة لغير ذوي الاختصاص الذين يجدون أنفسهم فجأة أمام مادة غريبة عن تكوينهم وما درسوه في الجامعة بشهادة بعضهم، ونفس الأمر للذين تخرجوا من الفلسفة حيث يجدون أنفسهم يتبارون مع أهل الاختصاصات الأخرى للولوج إلى مراكز التكوين، مع العلم أن الآفاق المفتوحة أمام خريجي علم النفس وعلم الإجماع أرحب منها لخرجي شعبة الفلسفة التي لا يستطيع خريجيها الاستفادة مما هو متاح لنظرائهم في التخصصات الأخرى، وكذا مشاكل التنقيط التي نجد أنها ممنوحة بسخاء في شعبتي علم النفس والسوسيولوجيا ما يجعل حظوظ خريجيها أكثر من أهل الاختصاص في الفلسفة. وختاما نقول بضرورة إعادة النظر في هذا الخلط، خدمة لقدسية العملية التربوية التي تحدد مصير البلد وترهن مستقبله، فحتى لو كان فتح باب الترشيح أمام أهل التخصصات الأخرى –البسيكولوجيا والسوسيولوجيا- يعود إلى إكراهات تتمثل في محاولة صد الخصاص في الأطر التربوية في هذه الشعبة، أو لدمج خريجي هذه التخصصات في الوظيفة العمومية للقضاء على البطالة، أو الاستفادة من كفاءاتها وأطرها، فان ذلك لا يعني تزكية فعل جعل مصير الفلسفة في يد أعدائها، وأكبر عدو للشيء جاهله.