اضطر عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة إلى طلب اقتطاع جزء من بث ثلاث قنوات تلفزية، الأولى والثانية وقناة العيون، ليدلي ببيان إلى الشعب يوضح فيه رأيه ليلة الأربعاء 6 ماي 2012، بعدما أشعل بنفسه النار في تلابيبه جراء انطلاق سلسلة متتالية في أسعار المواد والخدمات مباشرة بعد رفع أثمنة الطاقة (البنزين، الكازوال، غاز الطبخ، الفيول الصناعي..) وحتى أكون صريحا مع نفسي، فأنا أتعاطف مع بنكيران رئيس حكومتنا ياحسرة والذي توجه بطلب ليمر عبر التلفزة، لا نعرف لمن توجه بطلبه وكيف ذلك، هل لأقسام التحرير أم لفيصل العرايشي مدير "القطب العمومي؟ (المغرضون يسمونه المتجمد غفر لهم الله ذلك!)، وقد وصف رئيس الحكومة الزيادة الأخيرة بأنها في صالح المحتاجين! فوعد المطلقات ب 21 ألف ريال، والطلبة ب 8000 ريال والفقراء بالخير الوفير.. لقد أثار مشاكل صندوق المقاصة والأموال الضخمة التي يحتاجها، ولن توفر الحكومة من الزيادة الأخيرة سوى 5 مليارات درهم لسد عجز بقيمة 21 مليار درهم. من غرائب بنكيران: - وصفه حزب "العدالة والتنمية" ب"الحزب ديالي"، هكذا، عوض الحزب الذي أنتمي إليه، وهي زلة لسان لها معاني عديدة، منها نزعة التملك والرغبة في السيطرة على الآخرين.. - يوقف الصحفي الذي يقوم بمهتمه الإعلامية في طرح الأسئلة ومراعاة الحصة الزمنية والمحاور المتفق عليها في إطار مهنيته واختصاصه، لكن بنكيران يرفض ذلك، ويقف الصحفي بسلطة تعني القهر والتسلط، وكأنه أمام خصوم وليس مجرد صحافي يتساءل نيابة عن الرأي العام، فقال له "ما يمكن ليك تسولني حتى نكمل".. ولولا هدوء وصبر جامع كلحسن المتسم به دائما لقام وغادر المكان محتجا.. وظهر أن رئيس الحكومة تحول إلى طارح للأسئلة عوض أن يجيب عنها، وهو بذلك نسي "دروس الدعم" في التواصل التي تلقتها قيادات من حزبه في فترة سابقة كما نشرت ذلك إحدى الصحف.. - بنكيران يتق في التقارير التي ترفعها له الإدارة، لقد استعرض أثمنة مواد غذائية متعددة وفي مناطق مختلفة، لكن الأرقام تثير الاستغراب، نعطي مثلا بمطيشة التي قال إنها في الرباط ب 52 ريال للكيلو.. كما ركز على الموز كثيرا وقد سماه البنان وذكر أثمنته في عدة دول من العالم وكأن هذه الفاكهة قد أصبحت من "قوت غالبية أهل البلد"! إن تقارير الإدارة تكون دائما غير مضبوطة في المغرب. - قال إن الملك هو من قرر تعميم "راميد" (التغطية الصحية) على مختلف ربوع المغرب، مما يطرح التساؤلات عن دور الحكومة، ألا يمكن أن يكون هذا الطرح تملصا من المسؤولية تجاه برنامج/ مغامرة لقلة الموارد وصعوبة الضبط الإداري أمام الفساد المتفشي في الإدارة والمستشفيات.. - يقول "إل جاب الله ولقينا البترول اعلاش أنا غادي نزيد على المواطنين"، يعني أن الحكومة بدون تخطيط وتحديد الأفق، وأنها تنتظر المعجزات التي نتمنى بدورنا أن تتحقق (النفط)، ولكنه نفس المسار الذي انتقده لما قال إن هناك من كان يعد الناس بتقديم 6000 ريال لكل مواطن.. وهو كلام غير صحيح، ويشير إلى مقولة كانت تردد عند بداية الاستقلال تتحدث عن 10 دراهم كعائد لكل مواطن من تصدير الفوسفاط، وهو الرقم الذي فاق ذلك الآن. - أعلن عجزه عن مواجهة اقتصاد الريع، وإن كان قد وعد بالكشف قريبا عن لائحة المستفيدين من مقالع الرمال. أما رخص نقل سيارات الأجرة فلم يستطع حتى تحديد رقمها رغم قوله بأنها 130 ألف، لكنه أضاف "ما قدرناش نحسبوهم"، ويرى الحل في منح تعويضات لأصحابها في أفق تحرير القطاع، لكنه لا يوافق على امتلاك رخص كثيرة للمستفيد الواحد دون أن يحدد إجراء عاجلا لعلاج المشكلة. - ينقل إلى وزير المالية الحديث في موضوع الضرائب والأجور المرتفعة للوزراء، وهو يعتبرها عادية ويدافع عن دفع "تقاعد" للوزراء السابقين، وهو لا يريد ان يكونوا كحراس السيارات (يقول: واش بغيتي الوزير السابق يولي كارديان")، وهو بذلك يهين هذه الفئة الاجتماعية التي لا تجد الرعاية في ظل فوضى الأجور وعدم احترام كرامة الإنسان، والحكومة مسؤولة عن ذلك ولو من باب وضع القوانين والسعي لاحترامها من طرف الجميع. - يعلن عن توقيف الإعلانات عن التشغيل إلى أن تنتهي لجنة من اتصالاتها بجميع الوزارات لضبط المباريات حسب قوله، دون تحددي أفق زمني لذلك. - لم يحدد موعدا للانتخابات الجماعية، وقال إن ذلك يحتاج لثلاثين قانون ووقت طويل، لكنه تطرق لمقترح وزارة الداخلية التي ترى يونيو 2013 موعدا لإجراء الانتخابات الجماعية. ختاما نؤكد على فائدة التواصل مع الشعب بطرق وحوامل إعلامية مختلفة، لكن لكل حوار شروطه، وهو إحضار أصحاب الرأي الآخر، ضمان حرية الصحافيين في أن يطرحوا ما يرغبونه من تساؤلات، ولا بأس أن يكون ذلك ضمن محاور متفق حولها مسبقا، أن يكون الحوار جدي يتطرق لكل شيء ولكل ما يهم الوطن، بجرأة وشفافية وبدون لغة الخشب أو طابوهات، ولا يكون الحوار مجرد طرح "بيان" للرأي العام كما حصل اليوم مع رئيس الحكومة دون أن يكون متمكنا من ملفاته، بل وحتى الأرقام التي طرحها في البداية ظهر أن كثيرا منها من إنتاج "مجلس المنافسة" ولا فضل للحكومة في ذلك!