إن الصحافة الإلكترونية هي فكرة قبل أن تكون مواقع مسماة ، فكرة لن يكون أصحابها إلا أحرارا ولو وضعت في فمهم الأقفال وعلى عنقهم الأغلال.. هل تسعى وزارة الإتصال للهيمنة على الصحافة الإلكترونية بنص القانون ؟هل ثمة مكر ثعالب وتدبير ليل ؟ لم نعرف الإعلام العمومي مهتما بالصحافة الإلكترونية من قبل إلا بعد النجاح الذي حققته بعض المواقع ، فمن برنامج على القناة الأولى لم يشر فيه لاسم الموقع إلى نقاش على "ميدي 1 سات"..وهذا الإهتمام العمومي جاء بعد تحركات ولقاءات السيد وزير الإتصال بممثلي المواقع الإلكترونية وتكاد فعالية وزير الإتصال تتلخص في الإهتمام بالصحافة الإلكترونية وهو ما أثار استغراب بعض المتتبعين ك يحيى اليحياوي الذي اعتبر الأمر مثيرا للتساؤل خصوصا وأن التجربة لا تزال في بداياتها ! ربما كانت نية الوزير حسنة في خدمة هذه الصحافة التي استأثرت بقوة باهتمام الشباب لما أتاحته من تفاعل وتشارك لا قبل للصحافة الورقية بهما ! لكننا حين نتحدث عن وزارة الإتصال كإجراءات ضمن نسق سياسي معين، ولنكن موضوعيين في قراءة هذا "المعين" الذي سقط صحافيون ضحيته وأشهرهم اليوم رشيد نيني ، فلا مجال للحديث عن النوايا الحسنة ولا النوايا السيئة ، نحن لا نتحدث عن علاقة شخصية قوامها تفاعل المشاعر والعواطف ، نحن نتحدث عن إجراءات ، قوانين ، فنيات ... لا نعرف وزارة تدعى بوزارة الإتصال في الدول الديمقراطية فبريطانيا مثلا تعرف وجود "هيأة الإذاعة البريطانية" المستقلة عن الحكومة وتمول من المواطنين وكل المتابعين يذكرون كيف أن "البيبيسي" عرضت وجهات نظر ضد الملكية نفسها في بريطانيا ويتابعون اليوم نشاطها المستقل ! وتسمية وزارة الإعلام التي تراقب النشاط الإعلامي بوزارة الإتصال مجرد مراوغة للتملص من هذه الحقيقة وهذا مبدأ عام يجعلنا نشك من جهة ،أن الديمقراطية وفرض الرقابة على الإعلام ضدان لا يجتمعان ، وتاريخ حريات الإعلام في المغرب يجعلنا نشك من جهة ثانية أن ثمة تدبير ليل ومكر الثعالب ضد الصحافة الإلكترونية، والصحافة والإعلام عموما لا تنشأ له وزارة بقضها وقضيضها إنما قانون ديمقرطي تشاركي توافقي منظم يكفي لإرساء المهنية والمسؤولية ! إلى الآن الصحافة الإلكترونية صحافة شعبية بامتياز ، فلو تتبعنا أهم المواقع الإعلامية الإلكترونية نجد أن المشاركين فيها سواء كاتبو المقالات أو جنود الخفاء هم من أبناء هذا الشعب الذين يعيشون همومه يوما عن يوم بل ويكتب مقالاته ويرسل مرئياته وصوره وتعليقاته وهو يعيش بين هذه الهموم ثم يعود لحاسوبه هناك بذلك الزقاق أو الحي ويرسل منه الهموم والآمال والتطلعات والحقائق التي عاينها ، وهذا الإعلام لذلك هو إعلام شعب لا إعلام حزب أو حركة أو جماعة أو دولة أو حكم ، ليس إعلاما إيديولوجيا أو فكرانيا ، مع وجود مواقع لا يخفى توجهها العام بالرغم من زعم خطة تحرير يدعي أصحابها أنهم يتقبلون كل الآراء، وحين يقنن بإشراك فاعليه أو بدون إشراكهم فسيصبح إعلام دولة ، حين تصبح الدولة دولة حكم لا دولة إنسان فيعني أن الإعلام الإلكتروني سيصبح إعلام حكم أيضا أي إعلام الإيديولوجيا السياسية الحاكمة السائدة المتحكمة ! الإعلام الإلكتروني وحده يتنسم الحرية والجرأة إلى حد ما ، كل وسائل الإعلام باستثناء هذا الإعلام تصور واقعا يوطوبيا من الأحلام الزائفة أو إن لم يتناول اهتمام المواطنين فيسخر منهم أو يستغبيهم أو يدغدغ غرائز بعضهم أو يوغل في سجالات عقيمة منفرة رغم أرضية التوافق والتشارك بين أطرافها، "إعلامنا" ليس إعلامنا لأنه لا يعبر عنا بحال ، أردنا إعلاما حرا نزيها بعيدا عن هيمنة الدولة لم نستشف هذا الإعلام الحر إلا في الصحافة الإلكترونية إلى حد ما ، فهل من مزيد ؟. يحكي لنا الكاتب المصري محمود حامد عن قصة للكاتب الراحل توفيق الحكيم قصة قصيرة عن "راديو حضرة العمدة" الذي استقبلته القرية بالحبور والزغاريد، كان الراديو الوحيد بالقرية بحجمه الضخم آنذاك، ويصور الحكيم بأسلوبه البديع كيف فوجئ العمدة في أربعينيات القرن الماضي بزوجته، وقد أحالت الراديو إلى مجرد عش لتربية الحمام ! كان الراديو آنذاك قمة التكنولوجيا، وأراد توفيق الحكيم حسب محمود حامد أن ينبه إلى ما نسميه الآن إساءة استخدام التكنولوجيا أو خطر الجهل بها ! ونحن بدورنا نود لو تعتبر وزارة الإتصال التي يعرف جيدا رأسها ما الحرية ، السيد مصطفى الخلفي يدرك تماما أنه لا تقدم بدون حرية ، وأن شعار محاربة الفساد والإستبداد الذي رفعه حزبه يقتضي تفعيل دور السلطة الرابعة عموما ، سلطة مستقلة ، لأن السلطة لا تسمى سلطة إلا باستقلاليتها وإلا سميت مجرد وظيفة ! لذلك لا نتمنى أن تكون التحركات الحثيثة لوزارة الإتصال منصبة في إحالة الصحافة الإلكترونية مجرد عش لأفكار لا تخدم سوى الفساد والإستبداد كما كان جهاز الراديو عش حمام ، وسيكون ذلك حتما بسن قوانين تحد من حريتها تحت ذرائع المسؤولية والمهنية والمس بالمقدسات..لا نريد صحافة إلكترونية تمجد الحاكم ولا تناقشه وتزيف الوعي وتروج الأكاذيب ، ولا صحافة تهلل لحزب ، بل صحافة اللافكرانية التي تعبر عن اختلافات المجتمع.. إن الصحافة الإلكترونية هي فكرة قبل أن تكون مواقع مسماة ، فكرة لن يكون أصحابها إلا أحرارا ولو وضعت في فمهم الأقفال وعلى عنقهم الأغلال ..في زمن أصبح فيه بإمكان طفل صغير أن ينشيء مدونته أو موقعه وقناته المرئية ! هي بديل عن إعلام تلفزي وإذاعي لطالما استغبى المواطنين واستخف بعقولهم ووزارة الإتصال لم تعمل يوما على جعل هذا الإعلام مصدرا حقيقيا للمعلومة وللشفافية والحياد ..فهل نصدق وزراة الإتصال اليوم ؟ ألا تسعى للهيمنة على الصحافة الإلكترونية بنص القانون ؟ على وزارة الإتصال أن تخلص الإعلام العمومي من آفاته وأمراضه وتضليلاته للشعب قبل الصحافة الإلكترونية وهو الذي يموله المواطنون من جيبوهم ليشاهدوا عليه ما يستغبيهم ويجهلهم ويدمر قيمهم وأخلاقهم ، أليس فقه الأولويات يقتضي هذا ؟ لا ننكر أن السيد الخلفي مهتم كذلك بتحرير الإعلام العمومي من آفاته حسب ما صرح له بكل قوة .. لا نريد رقابة على المعلومات، لانريد حرمان المواطن من حقه في الوصول إلى المعلومة الذي ضمنه الفصل 27 من الدستور الجديد فالمواطن له الحق في الحصول على المعلومة لكن هذا الحق يقيد بمقتضى القانون ! ما قد يعني أن هذه المعلومة لن تخرج عن التزام الإعلام بما تريده الحكومة . سبق للسيد بن كيران أن قال حين وقفت وزارة الإتصال السابقة ضد قناة الجزيرة : " بدل منع الجزيرة فلننشيء قناة كالجزيرة " ! قناة الجزيرة رأت النور بعد أن حل مجلس الوزراء القطري وزارة الإعلام والثقافة من أجل تحرير المعلومة ، أي لم تنشأ في ظل وزارة حكومية ، فلم تعد قناة الجزيرة اليوم تابعة للحكومة بإلغاء وزارة الإعلام إنما تابعة للمال في قطر.. وإذا كان لابد من وزراة اتصال فلتضع ميثاق شرف إعلامي ينص على أن الإعلام العمومي والصحافة الإلكترونية هما ملك للشعب المغربي ، وعلى عرض وجهات النظر المختلفة بكل حيادية دون تحيز ! إن الشعب المغربي يريد قنوات عمومية تقوم بالخدمة العامة وبالإخبار وفق المعايير الدولية التي يعرفها خبراء الإعلام ، لا نريد أن نرى في نشرة الأخبار عيد ميلاد فلان أو رقصة علان وأخبار مملة أو ممجدة ، ولا يعقل أن ترتب الأخبار بتصدير لعيد ميلاد ثم يليه خبر موت إخوان لنا في سوريا أو غزة مع طمس كامل لهموم المغاربة ومشاكلهم .