"اللايت هو المنتوج الذي يكون على استعداد كامل لأن يتخفف من جميع مقوماته من غير أن يتخلى عن اسمه فقد يضحي بلونه وطعمه بل حتى بمفعوله ونفعه إلا أنه يظل متشبثا بحمل الاسم من غير أن ينزعج إذا اقترن بصفة لايت". المفكر المغربي: عبد السلام بن عبد العالي. "المبدأ الأول للعدالة هو المساواة أمام القانون"جون رولز. نحن – الساكنين- أسفله : هل فعلا نحن مواطنون لدول مدنية قانونية حديثة أم مجرد رعايا وقطعان على مساحات جغرافية مسيجة أو على الأقل هكذا ينظر إلينا وهكذا يعاملوننا ؟ ربما لا نشكل إلا مجمعا لأصوات مودعة في خزائن الدول الحديثة وقد تستهلكنا في لحظات ما كما لو أننا عجلات الاحتياط أو قطع الغيار،فقد تستخدمنا حينما ترى الضرورة الملحة لذلك، إذ تلتجئ لنا عندما تريد ترقيع صورتها المخدوشة أمام الرأي العام الدولي أو لتنشيط أحد برامجها تحت عناوين ومسميات مختلفة تارة: الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي أخرى التنمية المستدامة وفي ثالثة حماية الوطن من المخاطر المحدقة به من طرف الأعداء الخارجيين وأيضا من المتآمرين والمتواطئين معهم من الداخل أو الدفع بحكاية حماية المقدسات وثوابت الأمة (الهوية والملة) إلى الاشتغال، وفي حالة سكوتنا وسكوننا لابد من العمل على تحريكنا واستنطاقنا، لأن في حساباتها الخاصة ومن ثوابتها-أعني الدول المستبدة- أن "سكون" الشعوب ليس من علامات الرضا بل من بوادر الهدوء الذي يسبق العاصفة، هكذا تلتجئ في كل لحظة ترانا فيها "ساكنين" إلى تحريكنا وإثارة الضجيج فيما بيننا تارة بإثارة إشكالات وهمية ومغلوطة أو حتى هامشية حيث تعمل على النفخ والتضخيم فيها عبر أحد مخالبها (وسائل الإعلام) وتارة بخلق مشاكل جانبية مع العمل على إيجاد الحلول لها، أو التضحية بأحد أفرادها من الذين يشكلون الحلقة الأضعف في حاشيتها، إذ تحوله إلى كبش فداء كي تمتص غضبا ما.قد تلتفت هذه الدول عنا لسنين لكن على رأس كل أربع أو خمس سنوات تتذكرنا كما لو أنها يوم 29 فبراير. هل الدولة الحديثة في شكلها المجسد لدى الأمم المتخلفة هي في حاجة إلى مواطنين أم فقط إلى مجرد أرقام ورعايا وضحايا على مقاس شكل تواجدها ومناسبين لكل أشكال وظائفها ؟ هل في أجندات وبرامج بل حتى نوايا هذه الدول ما يوحي بالتفكير في مواطنيها ؟ وهل شعوبها مواطنون ممكنون أم فقط مفترضون أو عرضيون لا غير؟ هذا الكم من الدعوات الصريحة إلى إقصاء كل ما هو شعب، هذه السياسات الممنهجة دائما من أجل التهميش.لقد سعت الدول المستبدة دائما إلى إنتاج سكان أو رعايا بعيدا عن ثقافة الوطن والمواطن، لذا يبدو أن شكل حضورنا تريده هذه الدول دائما أن يكون باهتا و"لايت" Light" أي متخففا من جميع مقومات المواطنة كما لو أن شكل وجودنا غير ممكن ولا يستقيم إلا على مراكز الهوامش والحواشي وعلى مناطق الظل.هناك مساحات شاسعة من الظلم تكبر، وفي كل مناسبة تصر هذه الدول على فكرة واحدة ربما دون غيرها وتعمل بكل الطرق على إشاعتها وتثبيتها في عقولنا ألا وهي: "الديمقراطية شكل غير مناسب لنا والاستبداد هو الضامن لوجودنا" كما لو أن وجودنا لا يستقيم إلا حينما نصير كائنات فارغة من كل مقومات الإنسان الحديث. هناك فعلا من يتقن فن استغلال الكثرة المهمشة، بل هناك من يسعى إلى تحويلها إلى ما تحت درجات الإنسانية إذ يصل به الأمر إلى تجريدها من كل ما هو حياة. نحن –المواطنين- الآيلين للسقوط بعد كل أشكال التهميش والإقصاء المنتجين للهشاشة، لقد كبرت شاشة البؤس والفقر أصبح عمومي وسريع الانتشار ومترامي الأطراف. خمسنا(5/1 )تحت عتبة الفقر وخمسنا (5/1) فقراء وخمسنا (5/1) محال على الفقر وخمسنا (5/1) مجاور للفقر فلم يبقى إلا الخمس (5/1) الناجي الذي خمسه (5/1) هو المهيمن على ما قيمته أربعة أخماس(5/4)- 80% من ثروات هذه البلدان.لقد أصبحنا ملطخين بجميع أنواع الديون ومنا فئات عريضة منهكة بالسلف الصغيرة والكبيرة ومثقلة بالقروض القريبة المدى والمتوسطة المدى والبعيدة المدى التي قد ترافق الكثير منا إلى القبر وربما ما بعد القبر،التوفير والادخار بالنسبة لنا كلمات مجهولة المصدر وعمليات غير قابلة للإنجاز. نحن ا-للامرئيين- إلا عرضا، لقد أصبحنا عابري سبيل في أوطاننا. والمسؤولين يطلون على المساحات الشاسعة التي زرعوها بؤسا ويأسا ولا يراودهم الخجل ولا تزورهم صحوة الضمير،لا شك أنهم لا يصنفوننا إلا مع ما هو غنائم وأنعام، ونحن لا نظهر في أفقهم وحينما نبذوا لهم فلا يروننا إلا كرعاع وكأصوات بخسة الثمن مكدسة في أسواق النخاسة العصرية في انتظار أوقات استعمالها واستهلاكها. نعم كل ما استقدموه واستوردوه من وصفات جاهزة ومعلبة ومن حجج وأدلة، كل ما استعانوا به من خبرة وكل ما زودهم به خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومكاتب الخبرة والدراسات والمنظمات الدولية ذات الرؤى الإستراتيجية والإستباقية تشير وتفضي حسب اعتقادهم واستنتاجاتهم وربما اجتهاداتهم إلى ضرورة التخلي جزئيا ثم بعد ذلك كليا عن كل القطاعات العمومية وعن كل ما يقدم الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن مع إطلاق العنان لكل ما هو خواص دون حتى تأهيله. لا مناص من الإقرار بأن من تناوب على السلطة عجزوا وفشلوا في مهمة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة لأن الديمقراطية صناعة ثقيلة لا تتقنها الدول المستبدة المتخلفة والنخب العاقرة مع مواطنين "لايت". لكن علينا نحن أيضا أن نقر ونعترف بمجهوداتهم وأنهم نجحوا في تجريدنا من كل مقومات الحياة العصرية الحديثة وأصبحنا تحت سقف كل ما هو لا إنساني بعد أن أسكنوننا على الهوامش وجعلوا البؤس واليأس يزهر في حقولنا هكذا حولوننا إلى مواطنين قليلين وخفيفين أي مواطنين "لايت" Light. لقد صرنا شعوبا مشبعة بالفراغ وبكل أشكال التفاهات وأصبح هدر الوقت في اللامعنى هو الرياضة الوحيدة التي نمارسها بشكل جماعي ،بإتقان وبانتظام. لقد أصبحنا ذوات منهكة حتى النخاع ،هشة ومهمشة إلى حد القلق والبؤس ونحن تمرّنا بما فيه الكفاية على جميع أشكال الحرمان والإقصاء. كل الترميمات التي تمت لبرامج هذه الدول لم تكن إلا من أجل تزيين حضورها القبيح ولضمان استمرارها في شكلها الاستبدادي البشع ، كل الوعود التي قدمتها هذه الدول طوال تاريخ وجودها من أجل: (الديمقراطية ،العدالة،الحرية …) لم تفي بها. بل منها من تعمل بشكل حثيث على ترسيخ كل أشكال الاستبداد تحت مسميات حديثة، وتمارس أشكالا متعددة من التبخيس للكرامة الإنسانية على مستويات عديدة، هناك سلطة تؤمّن كل شيء وتراقب كل ما هو حي من المهد إلى اللحد،وكل ما يؤرق هذه الدول المستبدة هو أن ترى شعوبها تنام في العراء دون أي غطاء إيديولوجي عليه بصمات مختبراتها.في نرجسية طاغية تمارس هذه الدول ساديتها التي تعتبرها تدخل ضمن ممارستها للسيادة وفي شكلها الاستبدادي الشمولي تمارس الرقابة على كل ما هو حي وحياة. هذه الدول التي تصر دائما وتعمل على صياغتنا بالأشكال المناسبة لطبائعها الاستبدادية كما لو أننا مجرد معادن سريعة الانصهار أو أجناس من العجائن.إن انتماءنا إلى الدول الحديثة ليس سوى ادعاء قابل للدحض من أي كان.هل نحتاج إلى أن نبرر وجودنا على هذه الأرض وأن نذكر أننا أحرار ولسنا عبيدا أو حتى مريدين لأي أحد أو لأي جهة مهما تسلّطت وتسلطنت ؟ ربما لا تنظر إلينا هذه الدول إلا كمجرد مندسين تحدوهم رغبات جامحة ومبطنة في الانقضاض والاستيلاء على السلطة. هذا الحضور المكثف لكل ما هو شكلي في أسس وبنى هذه الدول (مؤسسات فارغة من محتوياتها الحضارية) يبدو أن هذه الدول غير مهيأة بعد للتحرر من مخالبها القديمة، فإلى أي حد هي مستعدة لقبول مراجعة شكل حضورها ؟.هذه الدول لا تعطي المساحة الكافية من الحرية لتفعيل الإرادة الشعبية، فهي لا تملك أي تصور جديد لشكل المواطنة المناسب لإنسان ذو إرادة حرة وكفرد مستقل كامل السيادة على نفسه.هذه الدول المتعددة التسلط ذات النزعة الكليانية والتاريخ الاستبدادي أصبح الهاجس الأمني يؤطر ويتحكم في كل مشاريعها. نحن لا نكون مواطنين إلا عند التصويت،.يبدو أن هناك نية مبيتة لدى هذه الدول من أجل إسعادنا هكذا تراها تعمل جاهدة لجرنا إلى مائدة السعادة فلا نستجب.هذا الكم الثقيل من التقليل من شأننا واختزالنا في مجرد أرقام صالحة لتزكية شكلية لمؤسسات شكلية، يبدو أن كل ما هو شكلي في المؤسسات الحديثة يستهوي ويجدب هذا الرهط من الدول. يبدو أننا شعوب مجهزة سلفا وعن سابق إصرار بالصبر وبآليات استقبال كل ما هو خرافي ولنا استعداد كافي لنتوسد جميع الأوهام.أو ربما لسنا مواطنين بالقدر الكافي الذي يؤهلنا لنطالب بمؤسسات ديمقراطية تستجب لمتطلباتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية وعلينا فقط أن نرضى بأطياف مؤسسات دستورية أو حتى أشباحها. علينا أن نسجل بكل حيادية أنه ثمة تماطل طويل الأمد تمارسه هذه الدول ما بعد الكولونيالية، إذ ما يزيد على نصف قرن ونحن نتدرب على بناء الدولة الديمقراطية الحديثة دون أن ننجح في مرحلة العبور كما لو أننا مجرد تلاميذ كسالى وعديمي المسؤولية أو أن المسافة بين الاستبداد والديمقراطية مطاطية وغير قابلة للعبور. ففي كل مرة يؤجلون فعل الانتقال، فهل يكفي أن تعلن هذه الدول على أنها تؤسس لعهد المواطنة الحديثة ولتثبيت قيم الديمقراطية والعدالة حتى نوقع لها الوطن على بياض ؟ أليس في طريقها لتثبيت ذاتها لا تتوانى عن استعمال جميع مخالبها حيث يتنوع العنف حتى القتل بشكله المادي والرمزي . نحن مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى رفض كل أنماط الحياة والعيش حيث لا تكون الحرية والديمقراطية والكرامة كحجر أساس لانطلاق نحو مستقبل يليق بإنسانيتنا الحديثة.ولا بد أن نقر أن هناك ولادة حديثة للإنسانية وأن نجعل الديمقراطية موضوعا لرغبة الذات وليس من ترف التحضر*. علينا أن نسأل مَنْ مِنْ مصلحته أن تواصل الدولة حضورها بالشكل الاستبدادي ؟ ألا يمكنها أن تبسط سيطرتها بعيدا عن منطق الاستبداد ؟ أي عدالة تقوم بواسطة التهميش والإقصاء ؟ هل نحن تلاميذ سيئين للدرس الديمقراطي ؟ هل تنقصنا تمارين مفيدة لاستعمال الحرية ؟ يبدو أن هذه الدول مازالت تعتقد أن السيادة سوط في يدها تجهز به في وجه أي معارض*. هناك مسافات مزعجة من الانتظار حولتنا إلى مجرد أشلاء أنفسنا. الشعوب لا تطالب بإبطال مفعول الدولة بل فقط تحسين شروط إمكانات العيش المناسب لعصورها*. *عبارات استعرتها من المفكر التونسي فتحي المسكيني مع بعض التغيير والإضافات .