هل تواصل حكومة السيد بنكيران نهج نفس السياسة الاعلامية التي سطرها أصحاب القرار سابقا؟ هل تستمر قنوات القطب العمومي في الترويج الاعلامي للسياسات الحكومية في تدبير الشأن العام بطريقة احادية الجانب تغيب فيها الاصوات المعارضة و المنتقدة؟ وكيف تستطيع الحكومة الحالية بلورة تصور عام لاستراتيجية اعلامية اكثر انفتاحا على كل مكونات الشعب المغربي وقواه الحية على اختلاف انتماءاتها الثقافية واطيافها السياسية؟ ام ان وسائل الاعلام المملوكة للدولة ستسلك المسار نفسه الذي سارت عليه منذ عقود بانتاج نفس الخطاب الاعلامي؟ هذه الاسئلة وغيرها ما فتئت تطرح نفسها، وبالحاحية اشد في المرحلة الراهنة نظرا لمجموعة من الاعتبارات. الاعتبار الاول يتأسس على معطى زماني، بعد مرور نصف قرن على انشاء مؤسسة التلفزة المغربية، فيما يرتكز الاعتبار الثاني على "الراهنية" ، راهنية الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في اطار ما اصبح يعرف بالربيع العربي، وتأثيره على الساحة السياسية في المغرب، في ظل الحراك الشعبي الذي اطلقت شرارته الاولى حركة عشرين فبراير. اما الاعتبار الثالث،فينبني على اسس قانونية ودستورية، تجسدت في إقرار دستور جديد، واجراء انتخابات تشريعية، وتشكيل حكومة جديدة. كل هذه السياقات تجعل من مسألة اصلاح الاعلام العمومي، واعادة هيكلته عنصرا جوهريا، والية مفصلية لانجاح المرحلة الحالية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، في خضم التغيرات المتسارعة التي يشهدها عالم الاعلام والمعرفة. خلال هذه الايام، تعكف مصالح وزارة الاتصال ومعها مسؤولو القطب العمومي، - خاصة في الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة- على وضع دفتر تحملات جديد لكل القنوات التابعة للشركة، وقبل وضع اللمسات الاخيرة على هذا الدفتر، كشف وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد مصطفى الخلفي عن بعض الخطوط العريضة للتصور الحكومي لقطاع الاعلام العمومي، في العديد من المناسبات والخرجات الصحفية واللقاءات التي عقدها مع المسؤولين والمهنيين. اعتقد ان السيد الخلفي يعرف تمام المعرفة خبايا الاعلام العمومي في المغرب، والاساليب التي تمت بها ادارة وتدبير الاذاعة والتلفزيون منذ خمسين سنة، كما لا يخفى على السيد الخلفي مدى قدرة القائمين على ضبط الاتصال الاذاعي والتلفزي- او"حراس البوابة" كما يحلو لخبراء الاتصال الامريكيين تسميتهم - على ترتيب اهتمامات جمهور المشاهدين، ووضع الخطة الاعلامية التي يرونها مناسبة (حسب وجهة نظرهم واهدافهم) لمواصلة تلميع وجه الدولة لدى الرأي العام الوطني والدولي، واعادة انتاج وتركيب نفس الصور النمطية المستهلكة وترسيخها في أذهان المتلقين، باسلوب يميل الى البروبغاندا اكثر من ميله الى العملية الاعلامية السليمة والمتوازنة، مع نسبية هذا التوازن طبعا. بصيغة اخرى، لا اظن ان السيد وزير الاتصال يجهل ان التلفزيون المغربي بكل قنواته، اضافة الى المحطات الاذاعية العمومية، ظل منذ خمسة عقود يبث رسائل اعلامية تفتقد فيها المقاربة الموضوعية، وتطبعها احادية الرأي، وتغيب عنها في كثير من الاحيان وجهات النظر المخالفة للتوجهات الرسمية، باختصار شديد، يمكن القول ان الاذاعة والتلفزة في المغرب كانت دائما تحت سلطة ومراقبة وضبط اجهزة الدولة، حتى تحولت الى بوق يردد صوتها، ويحجب باقي الاصوات بطريقة انتقائية وممنهجة. منذ اشهر فقط، تكتلت العديد من المنظمات المهنية والهيئات النقابية والحقوقية الفاعلة في المجتمع المدني في اطار اطلقت عليه منتدى الدفاع عن الخدمة العمومية في الاعلام، وسطر مجموعة من الاهداف يتلخص اهمها في "المراجعة الجذرية للقوانين المؤطرة للإعلام العمومي، بهدف إحداث تغييرات جذرية ووضع حد لهيمنة السلطة على مؤسساته، و تقديم منتوج بجودة عالية وتمكين تنظيمات الصحافيين والفنانين والمثقفين والحقوقيين من متابعة سيرها، والمساهمة في توجيهها كإعلام مواطن يحترم التعددية والاختلاف، ويساهم في إغناء الحوار السياسي والفكري؛ و يكون أداة من أدوات تكريس حرية التعبير والارتقاء بالذوق والتثقيف والتربية والتنشئة ونشر قيم المساواة،والمواطنة ،وحقوق الإنسان والتعددية و الاختلاف و الإنصاف" وفي الوقت نفسه، انهت لجنة الحوار حول الاعلام والمجتمع اشغالها باصدار تقرير شامل في كتابها الابيض يشمل جملة من الملاحظات والتوصيات بعدما رصدت مكامن الخلل في الجسم الاعلامي المغربي- خاصة في شقه العمومي- وعلاقته بالمجتمع بكل فئاته ومؤسساته ومكوناته. ولا نعرف بالتحديد ما اذا كانت الجهات الوصية على قطاع الاعلام في بلادنا، وعلى وجه التحديد وزارة الاتصال، قد اخذت بعين الاعتبار الدعوات المتكررة التي تطلقها مختلف الفعاليات لارساء حكامة جيدة في تدبير الشان الاعلامي الوطني وتحديد ادواره وتجديد هياكله. ان المغاربة اليوم في حاجة الى اعلام عمومي يعبر عن انشغالاتهم وهمومهم اليومية، في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ويبرز المشاكل الحقيقية لعموم الشعب. ان المغاربة اليوم ينتظرون من قنواتهم التلفزية والاذاعية نشرات اخبار قريبة من قضاياهم وبرامج حوارية تسمع اصواتهم وتجسد خصوصياتهم الثقافية واتجاهاتهم الفكرية والاديولوجية. ان المغاربة اليوم يتطلعون الى اعلام يوازن بين الاراء والاراء المضادة، ويريدون اعلاما له سلطة، لااعلاما في يد السلطة صحافي، باحث في الاعلام والاتصال