خصص كتاب "الملك الستحوذ" الذي سيصدر في فرنسا بداية شهر مارس فصلا كاملا عن قصة خالد الودغيري، مدير البنك الملكي سابقا (تجاري وفابنك)، المحكوم عليه بالسجن غيابيا 20 سنة نافذة قبل أن يصدر عنه عفو ملكي في الفترة الأخيرة. ويتضمن فصل الكتاب الذي يحمل عنوان "كيف يمكن صناعة متهم"، تفاصيل تروى لأول مرة على لسان الودغيري، بخصوص القضية التي قال عنها الودغيري نفسه في الكتاب " إنها "قصة مؤسفة، تظهر قبل كل شيء هرم العبودية الذي تقوم عليه السلطة في المغرب". وفيما يلي ترجمة بتصرف لأهم ما جاء في هذا الفصل: خالد الودغيري من مواليد فاس 1957، مزدوج الجنسية، التحق بمجموعة "بي إن بي – باري با" عام 1992، وهي المجموعة البنكية الفرنسية التي توجد بها عدة حسابات بنكية للأسرة الملكية في المغرب منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني. في عام 2002 سيتم تعيين الودغيري رئيسا لقطب المجموعة البنكية في الشرق الأوسط، وهي السنة التي سيتقرب فيها منه محمد منير الماجدي، السكرتير الخاص للملك، ويتم تعيينه على رأس البنك التجاري المغربي، التابع للهولدينغ الملكي "أونا"، وذلك بعد أن أعفى الماجدي مدير هذا البنك. فريق الأحلام كان الماجدي يسعى إلى تكوين "فريق الأحلام" من ألمع التكنقراط لإدارة الثروة الملكية التي كلف بتنمية أنشطتها وتطوير أرباحها. كان الودغيري آنذاك يبلغ من العمر 44 سنة، وكان حديث العهد بتقاليد المخزن الغريبة عن تكوينه على مبادئ وقيم الجمهورية الفرنسية. ومباشرة بعد توقيعه على عقد عمله عام 2003، سيكتشف الودغيري أن البنك يفتقد إلى أية خطة عمل واضحة. وسيعترف بأنه كان يعتقد أنه يدير مؤسسة مصرفية خاصة قبل أن يتضح له أن كل شيء داخلها مرتبط بالإرادة الملكية ! في عام 2003 سيتمكن البنك التابع للهولدينغ الملكي من إبرام اتفاق اندماج مع بنك آخر هو "وفا بنك"، وقد جرت المفاوضات في سرية تامة لدرجة أن الرئيس المدير العام لبنك "وفا التجاري" المملوك لأسرة الكتاني، لم يعلم بالخبر إلا دقائق قبل التوقيع على الاتفاق. فقد أدار المفاوضات عن جانب "وفا بنك" سعد الكتاني، الوريث البكر للأسرة الفاسية الثرية المالكة للبنك. ولمكافئة سعد الكتاني الذي أدار مفاوضات بيع بنك العائلة، بطريقة مرنة، تم تعيينه على رأس اللجنة المغربية للدفاع عن تنظيم كأس العالم لكرة القدم في المغرب عام 2010. وتم وضع ميزانية ضخمة تحت تصرفه. ورغم فشل الكتاني في مهمته تم اختياره لتنظيم ذكرى مرور 1200 سنة على بناء مدينة فاس، ومرة أخرى تم تخصيص ميزانية ضخمة للحدث كان يتصرف فيها بدون حساب. إلا أن سعادة سعد الكتاني ستقوم على شقاء مهندس متميز هو أحمد بن الصديق الذي تحول إلى ضحية لغضبة ملكية، لأنه تجرأ للحديث مباشرة مع الملك أثناء زيارته لمحطة المعالجة الطبية بمولاي يعقوب، وهو ما جر عليه غضبة ملكية مازال يدفع ثمنها بعد أن أقيل من عمله ب "صندوق الإيداع والتدبير"، وسلبت منه فكرة مشروعه للاحتفال بالذكرى 1200 لتأسيس مدينته فاس، التي أسندت رآستها إلى سعد الكتاني لمجازاته على مرونته أثناء مرحلة التفاوض لبيع بنك أسرته ودمجه مع بنك الهولدينغ الملكي. وعودة إلى مفاوضات دمج البنكين، يقول الودغيري إنه هو صاحب الفكرة، بل إن الماجدي وساعده الأيمن بوهمو حذراه من أن سعد الكتاني سيأخذه معه في مركبه، أي أنه سيتفوق عليه في مفاوضاتهما. كان طموح الودغيري هو تحويل البنك الذي أسندت إليه إدارته إلى أول مصرف على المستوى الوطني والإقليمي، لذلك بادر إلى فتح مفاوضات لشراء بنك الجنوب في تونس وبنك آخر في السنيغال، وبعض فروع القرض الفلاحي... وفي ظرف وجيز أصبح البنك الجديد "تجاري وفابنك" أكبر مؤسسة بنكية في المغرب، وفي عام 2005 حقق مليار درهم كأرباح صافية، وفي العام الموالي ضاعف رقم أرباحه. بداية المشاكل نجاح الودغيري سيكون بداية سبب مشاكله مع الماجدي وبوهمو اللذين بدءا يخططان للتخلص منه بدعوى أنه "رجل فرنسا". وفي عام 2006 سيتصل بوهمو بالودغيري ليخبره بأنه تم إحداث مجلس للمراقبة سيكون الودغيري على رأسه، لكنه لم يكن سوى منصبا شرفيا لإبعاد الودغيري عن تدبير شؤون البنك. وهو ما سيعلق عليه هذا الأخير بالقول : " لم أكن غبيا، لذلك أجبت بوهمو (حسنا، أنا من سيعلن عن الأمر في المجلس)"، وعقب انتهاء أشغال المجلس الإداري للبنك أعلن الودغيري بأنه "قرر الابتعاد". كان الودغيري يعرف بأن تغيير مدير البنك يحتاج إلى الدعوة إلى جمع عام كان عليه هو أن يستدعيه، لذلك ماطل دعوته لمدة ثلاثة أشهر حتى بدا وكأن الأمر أصبح في طي النسيان، لكن الأمور بالنسبة إليه كانت قد انتهت بسبب عدم وجود تطابق في وجهات النظر بينه وبين الماجدي وبوهمو. فرغم أن الثلاثة كانوا يشتركون في هدف واحد هو وجود مؤسسات وطنية قوية قادرة على المنافسة الدولية، إلا أن الودغيري كان يسعى إلى إعادة هيكلة معقدة تتيح إمكانية بروز أقطاب اقتصادية قوية، مع انسحاب تدريجي للملك و للأسرة الملكية من الاقتصاد الوطني تفاديا لأي خلط بين ماهو سياسي واقتصادي. بينما كان الماجدي يسعى من وراء الدفاع عن خلق أقطاب اقتصادية وطنية رائدة إلى إخفاء الهيمنة الملكية على الاقتصاد أمام الرأي العام المغربي. الوثيقة القنبلة في عام 2006 سيلتحق الودغيري بمكتب الماجدي بشركة "سيجير"، ويمد له تقريرا مفصلا عن كيفية انسحاب الملك والأسرة الملكية من الاقتصاد، ويتذكر الودغيري تلك اللحظة قائلا: "بعد أن فرغ من قراءته، كان مذهولا وأعاد مد التقرير إلي وهو يقول: خذه لا أريد أن احتفظ بهذه الوثيقة في مكتبي". عندها سيقول الودغيري إنه فهم أن غرضهم كان هو الاستحواذ على الاقتصاد وهو ما نجحوا في تحقيقه اليوم ! بالنسبة للماجدي وبوهمو فإن "التجاري وفابنك" ليس مجرد مصدر للربح وإنما أداة قوية للتحكم. ولفرض الهيمنة الملكية بدون منافسة في مجال الاقتصاد. وفي عام 2007 بلغت أرباح البنك الملكي 700 مليون درهم، فاستدعى الماجدي الودغيري ليقول له "لم نعد نتفاهم إذن فلنفترق"، وتم منحه 2.3 مليون أورو (أكثر من 25 مليون درهم) كتعويض عن نهاية الخدمة، تم توزيعها على ثلاثة مصارف فرنسية من أجل تسهيل التحويلات. ومرة أخرى سيكون هذا التعويض السخي سببا في إثارة مشاكل قضائية ضد الودغيري، وهو ما فسره بأن صرف تلك التعويضات السخية له من قبل السكرتير الخاص للملك كانت في غير محلها بالنسبة لشخص مغضوب عليه. وما سيثير الغضب ضده أكثر هو تعيينه بعد ستة أشهر من إبعاده من البنك الملكي، على رأس بنك سعودية. لذلك وبعد التحاقه بالبنك السعودي، و في بداية شهر غشت 2008 ستقدم شكاية ضده بدعوى تلقي رشوة. ويعود موضوع الشكوى إلى ملف بوفتاس الذي وجده الودغيري في البنك، ويتعلق الأمر بقرض منحه البنك لبوفتاس بقيمة 175 مليون درهم، لم يستردها البنك فقرر بيع الرهن العقاري المودع لدى البنك في مزاد علني كان مقررا يوم 16 ماي 2004، فتدخل بوفتاس واقترح تسليم البنك مبلغ 45 مليون درهم، مع منحه مدة إضافية لتسوية الدين. وبالفعل وفي اليوم المحدد التقى موثق بوفتاس مع إدارة البنك للتوقيع على الاتفاق الذي بموجبه يسلم الموثق للبنك 45 مليون درهم مقابل منح بوفتاس مهلة إضافية لتسوية دينه. وفي نهاية 2005 كان هذا الملف قد أغلق بالنسبة للبنك. ثلاث سنوات بعد ذلك سيتقدم عبد الكريم بوفتاس بشكوى يتهم فيها الودغيري بتلقي رشوة منه بقيمة 13 مليون درهم مقابل تسوية دينه لدى البنك. وسينتصب محمد الناصري، محامي الملك، كدفاع لبوفتاس، وظل مكتبه يتولى الدفاع عنه حتى بعد تعيينه وزيرا للعدل سنتين بعد ذلك! ادعى بوفتاس أن موثقه محمد حجري هو من قام بتسليم ملبغ الرشوة للودغيري، ومع ذلك اتصل بموثقه الذي كان يوجد في مربيا بإسبانيا ليخبره بأن لايعود للمغرب. وعندما عاد إلى المغرب اكتشف أن ملفاته تمت مصادرتها من مكتبه من قبل الشرطة، وأمام قاضي التحقيق نفى إدعاءات بوفتاس. وأمام المحكمة سيعترف بوفتاس بأنه لا يمتلك أي دليل على اتهمامه، وسيعترف شاهد آخر أمام المحكمة بأن بوفتاس أسر له بأنه تم "دفعه من أجل رفع تلك الشكوى". قصة حزينة القضية تولاها قاضي التحقيق جمال سرحان الذي سبق له أن قال لقاضي التحقيق الفرنسي باتريك راماييل عندما جاء لإستكمال عناصر البحث في قضية المهدي بن بركة، بأنه لا يعرف عنوان سكن الجنرال حسني بنسليمان، أحد أهم الجنرالات داخل النظام. وبالنسبة لهذا القاضي فالمعادلة بسيطة تتكون من : رجل = ملف = متهم. لم توجه أية استدعاء إلى الودغيري المتهم الرئيس في القضية، وبدلا من ذلك سيتصل مسؤول من البنك المركزي المغربي بنظير له بالبنك المركزي السعودي يطلب منه طرد الودغيري من رآسة أحد البنوك السعودية، لأن ملفه غير نظيف، لكن المسؤول السعودي سيطلب من نظيره المغربي إرسال طلبه كتابيا. وهنا يتذكر الودغيري عندما كان في السعودية، عائدا من الحج، وتوقف بأحد المطاعم على جانب الطريق السيار، فاقترب منه مغني مغربي مشهور، وقدم له عم بوفتاس، صاحب دعوى الاتهام ضده، فأسر له هذه الأخير قائلا: "تلك قصة حزينة، فقد اعتقل حفيدي وتم الضغط عليه لدفعه إلى اتهامك". وفي عام 2009 قام محامي الودغير، بيير حايك بتوجيه رسالة إلى القاضي سرحان يطلب فيها منه مقابلته، لكن رسالته ستعود إليه وهي مفتوحة وقد كتب عليها "رفضت من طرف القاضي". وفي يوليو 2009 قرر الودغيري الاستقالة من منصبه ومغادرة السعودية، على إثر الضغوط التي تعرض لها مشغله. قصة الذئب والحمل عاد الودغيري إلى فرنسا وعين محاميا للدفاع عنه، وعندما اطلع هذا الأخير على الملف قال لموكله بأنه وجده فارغا، وأخبره بأن القضية سياسية وبأن "القضية السياسية لاتحتاج إلى مرافعة وإنما إلى تفاوض". ويتذكر الودغيري بأن محاميه اتصل به مساء ذات أحد وأخبره بأنه يريد مقابلته في باريس على وجه السرعة، وكانت الجلسة المقبلة ستعقد يوم الثلاثاء، وعندما التقاه أسر له بأن قضيته أصبحت محسومة وبأن حكما ثقيلا بالسجن سيقع عليه، ونصحه بعدم العودة إلى المغرب. وشبه الصراع القائم بالصراع بين الذئب والحمل. وبأنه قرر الانسحاب من الدفاع عنه. وفي يوليو 2010 صدر الحكم بالسجن النافذ 10 سنوات ضد الموثق، كما صدر حكم غيابي بالسجن 15 سنة ضد الودغيري. وحكم على الاثنان بآداء 35 مليون درهم كغرامة تضامنا بينهما. أما المشتكي بوفتاس الذي يعتبر راشيا، فقد حضر كشاهد قبل أن يتحول إلى طرف مدني. وتم تحويل التهمة من الرشوة إلى النصب والاحتيال. وفي فبراير عام 2011 تم رفع العقوبة ضد الودغيري لتصبح 20 سنة سجنا نافذا. ويلخص الودغيري قصته بالقول إنها "قصة مؤسفة، تظهر قبل كل شيء هرم العبودية الذي تقوم عليه السلطة في المغرب". --- تعليق الصورة: الودغيري، الماجدي، بوهمو