يعاني حزب “الأصالة والمعاصرة” من خلافات حادة بين أمينه العام، حكيم بنشماش، وقيادات في الحزب تعارض استمراره على رأس أكبر حزب معارض في المملكة. تلك الأزمة غير المسبوقة جعلت الحزب، الذي يوصف بأنه مقرب من السلطة، في مفترق طرق ينذر بحدوث انشقاقات. أسس الحزب، عام 2008، فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق لدى وزارة الداخلية، المستشار الحالي للملك محمد السادس. وبعد أشهر قليلة من تأسيسه، فاز الحزب بحوالي 21 بالمئة من المقاعد في الانتخابات البلدية، مقارنة ب7 بالمائة فقط لحزب “العدالة والتنمية” ، قائد الائتلاف الحكومي حاليا. أزمة متصاعدة تصاعدت وتيرة الخلاف بعدما قرر بنشماش عزل أحمد اخشيشن من منصب نائب الأمين العام للحزب، وإعلان شغور منصب الأمين العام الجهوي في تسع جهات من أصل 11؛ انتقاما من الأصوات المعارضة له. كما أعلن بنشماش عدم شرعية استمرار اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب. وقال في بيان إن أي اجتماع باسم اللجنة التحضيرية “يعتبر لاغيا ولا شرعية له، وخطأ جسيما حسب مقتضيات المادة 64 من النظام الأساسي للحزب”. كما أبعد عزيز بنعزوز من رئاسة الكتلة النيابية للحزب في مجلس المستشارين. وأثارت تلك القرارات موجة من ردود الأفعال الغاضبة داخل الحزب، ودفعت مناوئيه إلى عقد مؤتمر صحفي أعلنوا فيه رفضهم لقراراته، باعتبارها “غير قانونية ومخالفة للنظام الأساسي للحزب”. وبمعية قياديين آخرين، قال البرلماني عبد اللطيف وهبي، خلال المؤتمر الشهر الماضي، إن الخلاف وصل إلى مرحلة “اللاعودة”، وإنهم يعتزمون التوجه إلى القضاء للطعن في قرارات بنشماش “غير الشرعية” بحق مختلفين معه. ومع تنامي الخلاف بين “الإخوة الأعداء”، عاد اسم إلياس العماري، الأمين العام السابق للحزب (2016: 2017)، إلى الواجهة. ووجه وهبي اتهامات صريحة إلى العماري بالتدخل في شؤون الحزب، وإذكاء نار الخلاف من وراء ستار، لضرب الفريقين ببعضهما البعض. وفي تحدٍ لأمين عام “الأصالة والمعاصرة”، استكملت اللجنة التحضيرية للحزب تشكيل لجانها، في اجتماعها الثاني بمدينة أكادير، السبت، وبدأت ترتيبات لعقد المؤتمر العام في موعد سيعلن عنه لاحقا. فشل انتخابي رأى إسماعيل حمودي، باحث مغربي في العلوم السياسية، أن أزمة “الأصالة والمعاصرة” هي نتيجة طبيعية لحدثين أساسيين، أولهما هو “فشل الحزب في انتخابات 7 أكتوبر 2016 البرلمانية، أمام العدالة والتنمية، وهو الفشل الثالث بعد انتخابات 2011 البرلمانية و2015 المحلية”. وأضاف حمودي للأناضول أن “تداعيات الفشل ظهرت في الحدة التي نشهدها اليوم بين قيادات الحزب، وهي تثبت أن الأصالة والمعاصرة تأسس ليحكم وليس من أجل المعارضة”. ويتردد أنه تم تأسيس الحزب على أمل الحد من نفوذ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. أما السبب الثاني للأزمة، بحسب حمودي، فهو “قرار السلطة إبعاد الأمين العام السابق للحزب، إلياس العماري”. وجاءت استقالة العماري، 2017، بعد أسبوع من خطاب للملك تناول فيه “الأحزاب ذات الممثلين الغائبين”، و”الذين لا يؤدون مهامهم”. واعتبر حمودي أن السلطة “لو وافقت على بقاء العماري في رئاسة الحزب، لما وقع ما يحدث.. لذلك أتصور أن الجهة أو الجهات التي ضغطت على العماري لإبعاده ربما قصدت دفع الحزب نحو أزمته”. وأوضح أن “دفع الحزب نحو الأزمة لم يكن بغرض تنحيته تماما من المشهد، وإنما إعادة هيكلته، ليصبح آلة انتخابية تسهم في التوازنات ليس أكثر”. واعتبر أن “الأصالة والمعاصرة انتهى كحزب يمكن للسلطة أن تراهن عليه لإلحاق هزيمة بحزب العدالة والتنمية”. ورجح أنه “سيتحول إلى حزب عادي شبيه بالتجمع الوطني للأحرار أو الحركة الشعبية ، تستعين به السلطة للتحكم في الخريطة السياسية، ولن يكون بعد اليوم فاعلا في الصراع السياسي كما كان خلال السنوات السابقة”. انشقاقات محتملة اعتبر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة عبد الملك السعدي، أن العنوان الكبير لتوالي الأزمات داخل “الأصالة والمعاصرة” هو “تخلي العماري عن الأمانة العامة للحزب، وتعويضه بحكيم بنشماش”. وأردف بوخبزة قائلا للأناضول: “الأصالة والمعاصرة يواجه أزمة حقيقية بسبب غياب قيادة قوية كانت تدبر الحزب عبر الإجماع ودون اللجوء إلى التصويت على القرارات الحاسمة”. ورأى أن “الحزب في مفترق طرق حاسم، لن يترتب عنه خروج حزب قوي بكل تأكيد”. ومضى قائلا إن “الرجة التي وقعت داخل الحزب تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء، التي من المفروض أن تبقى لضمان وحدته، وصورة الحزب شهدت اهتزازا على مستويات متعددة”. ولم يستبعد بوخبزة “حدوث انشقاق في صفوف الحزب.. الانشقاق من السمات المميزة لتاريخ الأحزاب السياسية بالمغرب، ويمكن أن لا يكون الحزب استثناء من تلك القاعدة”. ورأى أن ما يعزز حصول ذلك السيناريو هو “غياب اسم وازن يمكن أن يجمع حوله أطياف الحزب المختلفة”. وتابع أن “المحطات المقبلة ستشكل اختبارا حقيقيا للحزب وقدرته على مواجهة التنوع الذي يميزه، فهو خليط من انتماءات ومشارب سياسية متعددة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين”. ورأى أن “خصوم الأصالة والمعارصة، ومن أجل الإطاحة بالحزب، لن يفوتوا فرصة استغلال تشكيك الأطراف المتصارعة داخل الحزب في ذمة بعضها البعض”.