ما يعيشه حزب الأصالة و المعاصرة من تجاذب حاد بين أقطابه بشكل أدى إلى إلى "انشقاق" اللجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل التي لم تستطع التوافق على اسم واحد لقيادتها لتؤدي إلى ما أدت إليه من "انتخاب" كودار سمير على رأسها مع انسحاب الأمين العام للبام من الاجتماع و عدم اعترافه بهذا "الانتخاب"، و يبدو من خلال كل هذه التجاذبات التي تحدث تؤكد أن الأصالة و المعاصرة قد يكون أمام ولادة ثانية، ولادة بعيدة عن نقطة انطلاقته الأولى التي امتزج حبرها بحركة لكل الديموقراطيين قبل أن يقع الفطام عنها و عن مكوناتها الرئيسية بفعل ارتداد هزات 20 فبراير التي فرملة محاولة استنساخ تجربة مصر مع الحزب الوطني الديموقراطي و تونس وآخرها ما تعيشه الجزائر مع الأفلان، و يبدو أن هذا الفطام الاضطراري ساعد المغرب على أن يتجنب أي مآل سياسي غير المسار الذي عشناه بدءا بمراجعة شاملة للدستور و صولا لكل التحولات التي عشناها مؤسساتيا و سياسيا،و دسترة الخيار الديموقراطي الذي تظل التعددية الحزبية المبنية على الديموقراطية أحد ركائزها الأساسية. الأصالة و المعاصرة بعد مغادرة امينه العام السابق إلياس العمري لدفة قيادة الحزب بشكل مرتكب لم يستطع معها الحزب أن يضع نفسه على سكة البناء التنظيمي الداخلي العادي، بسبب حدة التناقضات التي ورثها التنظيم من لحظة التأسيس، و هي "تركة" عبارة عن مزيج من أصوات شبابية تنتمي إلى التجربة اليسارية الطلابية و بعض قياداته التاريخية ثم بين أطياف من الأعيان و رجال الأعمال، في مزيج اجتماعي غير متجانس و متناقض رغم أن الحزب أراد أن يموقع نفسه ضمن ما سماه باليسار الاجتماعي، لكن طبيعة تركيبته خاصة في الصفوف الأمامية للحزب جعلها في وضع لا يمكن أن تكون في "خدمة" فكرة اليسار الاجتماعي أو المشروع الإجتماعي الديمقراطي، لتنضاف "مأساة" تنظيمية أخرى للحزب هي عقدة التموقع الاديولوجي و الفكري للحزب، بحيث أراد أن يلبي رغبة وطموح "يسارييه" خاصة شبابه في أن يكون حزبا يساريا و بين طموح الأعيان في بناء حزب لا يهمه المرجعية التنظيمية بقدر ما يهمه هو الاكتساح الانتخاب الذي كانت تراهن عليه بكل قوتها في الانتخابات الأخيرة، و لأن الحزب كان مهيئ نفسه للحكم و الفوز في الانتخابات الأخيرة فهو لم يستطع أن يتقبل الهزيمة الانتخابية مما انعكس على الحزب و على اختياراته التنظيمية داخليا بدءا بإقالة/استقالة أمينه العام السابق و طريقة "تعيين" حكيم بن شماس على رأس الحزب إلى لحظة اجتماع اللجنة التحضيرية التي كانت بمثابة النقطة التي ستؤدي إلى "تفجيره" وسيكون لها ما بعدها خاصة و أن الحزب من حيث كتلته الديموغرافية لن يكون مؤهلا لهكذا صراع،لأن منطق تأسيسه هو منطق لا ينسجم مع ما يعيشه حاليا من تقاطب حاد، و هو تقاطب يعيد تكريس الازمة اكثر من الخروج منها، فالصراع اليوم واضح، صراع على التموقع داخل الحزب، صراع على التحكم في دفة الحزب، صراع على التنظيم... و إذا كنا نقول سابقا أن الحزب قد تحول لحزب سياسي عادي، فهو الآن سيتحول لنسخة مكررة من باقي الأحزاب التي لم تستطع تدبير اختلافاتها الداخلية بآليات ديموقراطية واصخة،شفافة، توحده لا العكس.
ما يعيشه الحزب قد يكون فرصة لولادة ثانية تتجاوز لحظة الإعلان عنه،و تخرج من فكرة "حزب الدولة" إلى حزب لجزء من المجتمع من مناضليه و منتسبيه و المتعاطفين معه،فلا يعقل أن يكون الحزب الذي يتموقع على رأس الغرفة الثانية، و القوة الثانية في مجلس النواب بعدد نواب يصل ل 102 بهذه الوضعية الكارثية،و بهذا الإنهاك التنظيمي، و عدم الفعالية كحزب معارض، فحتى المعارك التي كان "يقدودها" في السابق أصبح عاجزا عن طرحها في البرلمان و كأنه أسقط كل خلافاته "الاديولوجية" مع الحزب الحاكم. الحزب أمامه فرصة أن يعيش لحظة ميلاد جديدة تفصله بشكل نهائي عن لحظة الميلاد التي ظل "موصوما" بها و دفعت الكثير ممن كان يمكن أن يشكل الأصالة و المعاصرة اختيارهم الحزبي، مبتعدين عنه. أمامه فرصة أن يعيش التحول التنظيمي الداخلي، تحول يكون محوره منطق الانتقال الديموقراطي التنظيمي، مع ضرورة الاجتهاد على مستوى المرجعي تجعله يأخذ مسافة من تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة، و تقرير والخمسينية... باعتبارهما وثائق مرجعية للدولة و المجتمع،و ليس لحزب معين و إذا كان هناك من إسهام لبعض مؤسسي في تلك المرحلة، فهو إسهام شخصي،و فردي لا يمكن تحويله و تحويل تلك التقارير إلى وثائق حزبية مرجعية لأنها عنوان لمرحلة عاشها المغرب و ساهمت فيها مختلف القوى السياسية و الحقوقية و النقابية و لا يمكن اختزالها في حزب وحيد. الأصالة و المعاصرة إما أن يعيش لحظة ميلاد جديدة حقيقية يستفيد فيها من تجربته و تجربة أحزاب "مماثلة" و مآلاتها، أو سيكون منتهاه كما انتهى إليه الفديك.