يقوم سعد الدين العثماني وزير خارجية المغرب الاثنين والثلاثاء بزيارة الجزائر، وهي أول زيارة لوزير خارجية مغربي للجزائر منذ 2003. هناك أكثر من مشكل ثنائي عالق يعيق إذابة جبل الجليد الفاصل بين البلدين الجارين. هذه الزيارة يراها البعض "خطوة مهمة" في طريق "حلحلة الجمود"، ويراها البعض الآخر استجابة "لضغوط خارجية" وأنها لن تؤدي لفتح الحدود المغلقة منذ ما يربو عن أربعة عقود باستثناء فترات متقطعة. ضغط الشارع كان اللقاء بين الوزيرين المغربي سعد الدين العثماني والجزائري مراد المدلسي في تونس على هامش الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة الياسمين، وهناك اتفقا على تبادل الزيارات. ويبدو أن ما جرى في تونس من أحداث ما تزال تبعاتها تجري لمستقر لها، ليس بعيدا عن الإطار الذي تأني فيه هذه الزيارة. "لأول مرة تدفع الضغوط الخارجية الجزائر والمغرب إلى الالتقاء"، هذا ما يقوله الأكاديمي الجزائري عبد العالي رزاقي من جامعة الجزائر العاصمة، ويوافقه الرأي زميله المغربي ميمون الطاهري من الكلية متعددة التخصصات في الناظور بتأكيده على أن الزيارة تأتي في سياق "الربيع العربي أو الربيع الديمقراطي". وهي على أية حال زيارة "مهمة" في نظرهما. آخر مرة أغلقت فيها الحدود البرية بين البلدين كانت منتصف التسعينات (1994) وما تزال مستمرة حتى الآن، باستثناء مناسبات "إنسانية" عابرة مثل السماح لعبور قافلة جورج غلاوي نحو غزة قبل أربع سنوات، مع استمرار التنقل بين البلدين بطبيعة الحال عبر الجو. وكان العاهل المغربي يكرر في كل مناسبة دعوته لضرورة إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، وهي دعوات لم تكن تتفاعل معها الجزائر بإيجابية مما حدا ببعض المراقبين إلى اعتبار أن الجزائر ليست بعد "ناضجة" لتطبيع العلاقات مع المغرب. أما السيد رزاقي فيعتقد أنه لم يحدث من قبل اتصال "مباشر" بين البلدين. "لم يحدث أن تم التواصل بين الدولتين عن طريق القنوات الدبلوماسية. كل ما كان يحدث بين المغرب والجزائر هو عن طريق وسائل الإعلام". أول شريك تجاري يحمل سعد الدين العثماني معه رسالة من الملك محمد السادس موجهة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تتطرق بحسب الأستاذ الطاهري للعلاقات الثنائية التي عرفت، عكس ما يعتقده الكثيرون، "تطورا مهما" رغم استمرار إغلاق الحدود البرية. "المغرب يعتبر أول شريك تجاري للجزائر في المغرب العربي وفي إفريقيا". وعلى الرغم من أهمية هذه الزيارة بالنسبة للبلدين بصفة عامة وبالنسبة للحكومة المغربية الجديدة بزعامة حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بصفة خاصة، فلا يتوقع أن تؤدي على المدى القريب لنتائج ملموسة. "هذا الاتصال الذي يحدث اليوم بين الجزائر والمغرب هو أول اتصال مباشر (بينهما) وربما يفتح المجال للحديث عن فتح الحدود وفتح المجال كذلك لتوسيع العلاقات"، يقول الأستاذ رزاقي الذي يرى أن أمر الحدود "مرتبط بكيفية تنظيم تبادل المصالح بين الدولتين". تتفق معظم التوقعات أن يشهد ملف "اتحاد المغرب العربي" نوعا من التحريك نحو إعادة الحياة لهيكله الجامد منذ أكثر من عقدين، إلا أن النزاع حول 'الصحراء الغربية‘ يبقى شوكة مستعصية في خاصرة العلاقات بين الجارين. قضية الصحراء جانبا هي السبب الرئيسي الذي أوصل العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر لواقع حالها الآن. وخلاصة الإشكال الذي تمطط على مدى أربعة عقود، هي أن المغرب يرى أن الجزائر هي "راعية" جبهة البوليزاريو التي تنادي باستقلال "الصحراء الغربية"، والجزائر من جهتها تعتقد أن من واجبها مساندة حق "الشعب الصحراوي" في "تقرير مصيره". "نعرف أن المشكل الذي يحول دون التطبيع الكامل بين المغرب والجزائر ويحول دون إعادة الحياة لاتحاد المغرب العربي هو مشكلة الصحراء"، بحسب أستاذ العلاقات الدولية ميمون الطاهري الذي يضيف في لقاء مع إذاعة هولندا العالمية أن هذه المسألة هي الآن بين يدي الأممالمتحدة ولا ينبغي لها أن تقف حجر عثرة في طريق تطبيع العلاقات بين الجارين: "ما دامت مشكلة الصحراء موضوعة أمام الأممالمتحدة، وهناك مفاوضات تجري بين الأطراف (المعنية)، فما المانع أن يوضع مشكل الصحراء جانبا في انتظار حله وينطلق قطار العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر". ويذهب المحلل السياسي الجزائري عبد العالي رزاقي في الاتجاه ذاته، فهو لا يعتقد أن "قضية البوليزاريو ستثير عرقلة بين الدولتين، لأنه في السابق عندما كان اتحاد المغرب العربي قائما كان رؤساء وملوك المغرب العربي يلتقون ويتحدثون". البعد الإنساني سبعون كيلومترا فقط تفصل الأستاذ الجامعي ميمون الطاهري عن أقرب نقطة برية مع الجزائر (بوعرفة)، إلا أن عليه أن يسافر من مدينته الناظور (شرق) إلى الدارالبيضاء ومن ثم عبر الطائرة إلى الجزائر العاصمة ثم نحو مدينة جزائرية حدودية للمشاركة في ندوة علمية دعي لها. وهناك حالات أخرى لمواطنين مغاربة وجزائريين لهم قرابة أسرية عبر الحدود، لكن 'السياسة‘ تزيد من معاناتهم مع استمرار غلق الحدود، مثل مواطن من مدينة الناظور أيضا أراد زيارة عائلته في مدينة تلمسان الحدودية، فما كان أمامه من وسيلة سوى ركوب الطائرة من الدارالبيضاء إلى الجزائر العاصمة ومنها مرة أخرى نحو تلمسان. هناك أيضا مشكلة 45 ألف مغربي/جزائري طردتهم الجزائر من أراضيها في أعقاب نشوب نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليزاريو) في منتصف السبعينات من القرن الماضي. بيد أن الأستاذ الطاهري يرى أن هذه المأساة الإنسانية لا ينبغي لها أن تحول دون تحقيق المصالحة بين البلدين، وذلك تيمنا بما جرى بين فرنسا وألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية: "في الوقت الذي تفتح فيه الحدود بين دول أوربية وقعت بينها ويلات وكوارث، أفكر هنا في فرنسا وألمانيا التي احتلت فرنسا وأقامت فيها حكومة متواطئة معها، ومع ذلك فتحتا حدودهما". --- ينشر باتفاق شراكة وتعاون مع موقع إذاعة هولندا العالمية