رسالة "العدل والإحسان"، إلى "العدالة والتنمية" وذراعه الدعوي "التوحيد والإصلاح"، جاءت واضحة تتضمن رؤية الجماعة للمرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة، ونقدا لاذعا لكيفية تعاطي الحزب والحركة مع هذه المرحلة وتدبيرها. وهي بالتالي كانت أكثر وضوحا ومباشرة من بيان الجماعة الذي أعلنت من خلاله الانسحاب من حركة 20 فبراير. ومن يقرأ رسالة الجماعة، شبه المحظورة، إلى أصحاب التيار الإسلامي الذي يوصف بالمعتدل سيقف عند مواقف الجماعة الحقيقية التي لم يوضحها بيانها السابق وفيها تقييم من وجهة نظر أتباع عبد السلام ياسين لما حصل ويحصل في المغرب. فما جرى ويجري في المغرب لا علاقة له بما حدث في تونس ومصر، ومن يحاول عقد أية مقارنة في هذا الباب إنما يسعى، في نظر الجماعة، إلى ارتكاب "تلبيس فظيع". لأن ما يقع في المغرب هو مجرد استمرار لعقود من "المناورة والخداع والمكر مما لا يفيد اليوم على الإطلاق". ومن يزكي أو يدافع عن هذا "التلبيس"، كما يفعل الحزب والحركة إنما يساهم في "الالتفاف على المطالب الحقيقية للشعب"، وأكثر من ذلك يساهم في "تضييع فرصة ليست بالهينة، مع العلم أن الفرص الكبرى لا تدوم إلى الأبد". رسالة الجماعة كالت النقد اللاذع للحزب والحركة ولكل من يعتقد بأنه "أنقذ البلاد ومؤسساتها مما جرى"، وأعادت تذكير الجميع بأنهم مجرد أدواة تستعملها "الآلة المخزنية" في الدفاع عن ذاتها من أجل الحفاظ على نفسها. وذكرت هؤلاء، حتى بعد وصولهم إلى الحكومة، بأنهم سيبقون مجرد "هوامش على متن الاستبداد، وديكورات لتزيين الحكم المخزني". لقد نجحت الجماعة هذه المرة في تعليق الجرس في عنق العدالة والتنمية والإصلاح والتوحيد، لكن رسالتها تطرح أكثر من سؤال حول استراتجيتها المستقبلية التي مازالت غامضة، ولم تكشف عنها، كما لم يكشف عنها بيان انسحابها من حركة 20 فبراير. ولو أردنا استعمال نفس مصطلحات الرسالة لنقد موقف الجماعة يمكن التساؤل حول ما إذا كان موقف الانسحاب من الحركة الاحتجاجية في الشارع هو أيضا نوع من "التلبيس الفضيع"، لأنه أوهم الرأي العام في الداخل كما في الخارج بأنه محاولة للاتفاف على الحركة، وأكثر من ذلك تضييع فرصة تاريخية ربما لن تتكرر، وقد انتظرها أتباع عبد السلام ياسين أكثر من غيرهم من أجل تحقيق "قومتهم" ! ثم، أليس في الانسحاب من الحراك الاجتماعي، خدمة ل "الآلة المخزنية"، من خلال تعطيل وتكبيل القوى الملتفة حول الجماعة التواقة إلى التغيير، وركنها كقوة "احتياطية" على "هامش متن الانتظار" حتى تتحول إلى مجرد "ديكور" لتزيين نفس "الحكم المخزني" الذي أكسبته انتقادات الجماعة النظرية مناعة وأضفت عليه تزكية ومصداقية ! لقد علقت رسالة الجماعة الجرس، فمتى تعلق مقاطعتها للحراك الاجتماعي الذي يعيشه المغرب، فالفرص ليست مثل الرسائل عندما تضيع تصعب إعادة صياغتها... حنظلة...