شتان بين الدولة بمفهومها المعاصر المبني على كونها تستمد شرعيتها من درجة الرعاية التي تحيط بها مواطنيها ، والدولة المبنية تارة على المفهوم الأمني أي "الدولة الشرطي"التي تعالج كل معضلات المجتمع بمقاربة أمنية ،وتارة على المناورة والتدليس لامتصاص الاحتقان الشعبي لربح وقت من أجل إعادة ترتيب الأوراق، بشكل يمكنها من الإستمرار في استعباد الشعب ونهب ثرواته مع إيهامه أن هناك تغييرا الى الأفضل. والدولة المغربية استمدت استمراريتها دوما من وفائها اللامشروط والأبدي لمفهوم" الدولة الشرطي"و"الدولة المناورة"كمتلازمتين تشكلان ساقيها التي و إن كانت قادرة على حملها الان ، إلا أنهما متاكلتان وايلتان للكسر تحت ثقل ما راكمته من فساد ونهب وسوء تدبير يخلق في العمق أسباب احتقان شعبي لا يمكن تغطيته بأية أوهام انفراج. ولعل ما عمدت إليه مؤخرا من قمع شرس لحركة المعطلين ،المندرجة في إطار الحركات ذات الصبغة الاجتماعية التي مطلبها الأساسي هو الشغل كحق تخوله المواثيق الدولية، لدليل دامغ على عجزها عن تقديم أية اجابات لمعضلة المجتمع المغربي،الذي لم يتغير فيه شئ سوى مؤشرات حركة البيع والشراء في النخب السياسية وتبديل سلعة بسلعة حسب موضة المرحلة ،والتي من الواضح أنها تقتضي شراء سلعة "ملتحية" هذه المرة ،انسجاما مع رغبة الإمبريالية المأزومة المتوجسة من إيديولوجيات قد تستغل أزمتها للتضييق عليها أكثر ،وبناء اقتصاد وطني يضع احتياجات المواطنين الإجتماعية والإقتصادية فوق كل اعتبار ويقطع شيئا فشيئا مع الإقتصاد التبعي . وفي هذا السياق لا بد من تحليل ما حدث في مدينة الحسيمة عشية 27 دجنبر 2011 ،حيث تعرض المعطلون لضرب مبرح من طرف قوات الأمن وذلك خلال محاولة المعطلين اقتحام المجمع التجاري "مرجان". إن اختيار المعطلين ل"مرجان" كمؤسسة تجارية ضخمة تحتكر إلى حد كبير السوق لهو رسالة مفادها أن المعطلين يفهمون جيدا سبب معضلتهم في سياقها العام ،وفي ارتباطها باستفادة شريحة قليلة متنفذة وتملك السلطة من خيرات هذا البلد ،هذا المؤشر يؤكد الإرهاصات الأولية لتحول حركة المعطلين من مجرد حركة تطلب الشغل الى حركة تطلب القطع مع الواقع السياسي والاقتصادي الذي يخلق معضلة البطالة. إن معضلة العطالة في أي مجتمع هي معيار التنمية البشرية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مجتمع ما متقدما إذا كان ينمي المجال على حساب الإنسان ويزين الشوارع والحدائق ليتسكع فيها شباب معطل ويبني مجمعات تجارية لا يفكر المعطل لفراغ جيبه في دخولها إلا للإحتجاج. إن القمع الشرس الذي تعرض له العديد من المعطلين بمدينة الحسيمة والقادمين من الناظور والدريوش..والذين تمزقت بالهراوات جلود رؤسهم ، ليفضح بشكل جلي كون الدستور الجديد وشعاراته مجرد أداة من أدوات المناورة التي تحدثت عنها سالفا ،وليس الية حقيقية للتغيير بل كان وسيلة لفرملة التغيير الحقيقي ،كما أن اختطاف أحد المواطنين من نشطاء 20 فبراير بمدينة فاس من طرف أشخاص قدموا أنفسهم على أنهم رجال أمن ،ليؤكد أن ما حدث في المغرب ليس تغييرا ،بل ردة خطيرة توحي بأن مافيا الفساد والاستبداد في المغرب تعتقد مخطئة بالطبع أنها "قطعت النهر وجفت أرجلها"كما يقول المثل المغربي، وهذا خطأ فادح سيجر عليها الكثير و إن غدا لناظره قريب، فالامبريالية التي لا تستطيع حماية حتى نفسها الان من زحف الجماهير الغاضبة التي تدفع ثمن أزمتها لن تستطيع حماية أي كان من حلفائها.