تمهيد: بعد فوز حزب "العدالة والتنمية" المغربي، بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها بتاريخ 25 نونبر 2011، انتشرت أطروحة متهافتة تعميمية تعتبر فوز العدالة والتنمية على انه فوز الإسلاميين المغاربة عامة. هدف هذا المقال هو الدفع بأطروحة معارضة تقول إن الذي فاز ليس هو إسلاميو المغرب، بل حزب العدالة والتنمية فقط. نحن إذن أمام أطروحتين، واحدة تعميمية وأخرى تخصيصية. دوافع هذا النقد أو النقاش الفكري اثنان : 1 - الدافع الأول هو تنوير القارئ والمهتم بالحياة السياسية المغربية عامة والإسلامية خاصة وإعطائه صورة حقيقية عن هذه الساحة، خصوصا وأن الأطروحة التعميمية تزيف الواقع وتلقي عليه حجابا من الضبابية. 2– الدافع الثاني هو نقد المنطق الفكري لدى بعض الإسلاميين، الذي بموجبه يعتبرون أن وحدة المرجعية، تلغي وتغطي على الاختلاف في القراءة السياسية والاختلاف في الموقف والهدف والوسيلة والأسلوب. يبدو لي أن المستند المركزي لأطروحة التعميم هو شبهة وحدة المرجعية. لهذا سأعمل على إبراز العناصر التي ترجع فوز العدالة والتنمية إلى حقيقته وهي انه فوز حزب بعينه اختار المشاركة، وليس فوز تيار بأكمله اختار المقاطعة، فوز مرتبط باعتبارات سياسية حولها اختلاف بين الإسلاميين، وبالتالي لا يمكن أن يمنح الإسلاميون، أو على الأقل بعضهم، علامة "حلال" سياسية لحزب العدالة والتنمية لمجرد وحدة المرجعية. ♦♦♦♦ 1- وحدة المرجعية لا تعني وحدة الموقف السياسي: نشير أولا إلى أن في المغرب قوى إسلامية مختلفة. و النقطة الوحيدة التي تجمع بينها هو وحدة المرجعية، لكن على أساس اختلاف في فهم هذه المرجعية و في تقدير موقعها داخل التصور العام لكل حركة حركة. هناك اختلاف سياسي جوهري حول المرحلة، بين العدالة والتنمية والقوى الإسلامية الأخرى، وأتحدث هنا على الأقل عن حزب الأمة والحركة من اجل الأمة، حول المرحلة. يدور هذا الاختلاف حول قضيتين مركزيتين هما الموقف من حركة 20 فبراير، والموقف من العرض الدستوري. بالنسبة لحركة 20 فبراير، أعلن حزب العدالة و التنمية منذ البداية، أنه غير معني بحركة 20 فبراير جملة وتفصيلا. وقد صدرت في هذا الاتجاه تصريحات لأمينه العام، أقل ما يقال عنها إنها معارضة لمطالب الحركة، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه قوى إسلامية أخرى انخراطها في حركة 20 فبراير دعما ومشاركة. بالنسبة للعرض الالتفافي الذي قدمه المخزن على شكل باقة دستورية وسياسية، لاحظنا أن حزب العدالة والتنمية شكل إلى جانب القوى السياسية الرسمية الأخرى خط دفاع سياسي متقدم لفائدة النظام في وجه الحركة والقوى الداعمة لها. لقد رأى العدالة والتنمية في المقترح الدستوري ثورة، بل وصل الأمر بأمينه العام إلى إعلان رفضه لكل حديث عن نظام يملك الملك فيه ولا يحكم. لقد دافع حزب العدالة والتنمية بصفته الرسمية عن الملكية التنفيذية، هذا في الوقت الذي كانت فيه قوى إسلامية أخرى ترفض المقترح الدستوري، على اعتبار انه يكرس الحكم الفردي. من نتائج هذا الاختلاف، نذكر تصويت حزب العدالة والتنمية لفائدة الدستور، ومشاركته في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها( 25 نونبر) من جهة، ومقاطعة الاستحقاقين معا من طرف القوى الإسلامية الأخرى (حزب الأمة والعدل والإحسان) من جهة أخرى. واضح إذن أن هناك اختلافا سياسيا عميقا بين حزب "العدالة والتنمية" من جهة و كل من حزب" الأمة "و"جماعة العدل والإحسان" من جهة أخرى، ولا يجب على هذا المستوى أن نخفي الشمس بغربال. إن وحدة المرجعية لم و لن تمنع حصول اختلاف في الموقف السياسي. ولا يجب أن تكون وحدة المرجعية "سكاتة" أو " رضاعة" تلجم المختلف عن إبداء اختلافه. فحزب العدالة والتنمية حدد اختياره وحدد معسكره، وكان، في هذا المستوى، يمارس العمل السياسي وفق قواعده المتعارف عليها بخلاف بعض البسطاء الذين تتحرك لديهم العاطفة الإيمانية، فيفرضون على أنفسهم رقابة ذاتية تجعل النقد في تصورهم كفر ب"الأخوة" وإخلال ب"مبدأ النصرة". إن هذه سذاجة لا أثر لها عند حزب العدالة والتنمية الذي لم تمنعه وحدة المرجعية من انتقاد الخط السياسي للقوى الإسلامية الأخرى في مناسبات عدة ( انتقاد الرميد القوي لتصريح نادية ياسين حول الملكية بالمغرب) كما أنها لم تمنعه من تنزيل خطه السياسي دون الاكتراث لاختيارات " الإخوة الإسلاميين" الآخرين، الذين يشترك وإياهم في "المرجعية الإسلامية". لكل ما سبق أقول أن فوز العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر، ليس فوزا للإسلاميين المغاربة بل هو فوز لحزب العدالة والتنمية. 2 -مرجعية واحدة، قراءات متعددة: هناك مقدمة نظرية على الجميع أن يستحضرها وهو يحكم على القوى السياسية الذي يمكن أن ننسب إليها فوز العدالة والتنمية. إن العمل السياسي له منطقه الخاص الذي يختلف عن المنطق الذي تدار به القضايا الإيمانية والعقدية بل والأيديولوجية العقائدية (المذاهب السياسية). فالإيمان ( التصور المذهبي السياسي)، يخضع للمطلق. و في هذا المجال كما يقول ابن رشد تتحرك آلية التسليم. لكن العمل السياسي يحكمه منطق النسبية، ويتحرك بالية المبادرة الإنسانية. ولهذا نجد الاختلافات كبيرة في المجال السياسي، بين قوى تشترك في المرجعية الإسلامية مثلما نجد اختلافا بين قوى تشترك في المرجعية الاشتراكية أو الشيوعية ( أقصد الحركات اليسارية التي تحولت الاشتراكية عندها من منهج إلى مذهب). لهذا لا يجب على " الإخوة" و" الرفاق" وكل العقائديين أن تجتاحهم العاطفة المذهبية فينتصروا للمشابه مرجعية ويغفلوا عن الاختلاف في التقدير السياسي. إن العمل السياسي يسير بمنطق الاختلاف وتعدد الاجتهادات، مع إجراء تأويل للمرجعية يبعدها عن كل إطلاق ويحصن حاملها من الثقافة التكفيرية والتخوينية . بعد هذه التوطئة النظرية، يحق لنا أن نقف على الاختلاف في التقدير بين حزب العدالة والتنمية والقوى الإسلامية الأخرى، أو على الأقل بينها وبين حزب الأمة والحركة من اجل الأمة. الدستور: اعتبر حزب العدالة والتنمية أن دستور فاتح يوليوز يشكل اختراقا كبيرا في جهاز السلطوية بالمغرب، وانه يمثل فوق ما يمكن للمرء أن ينتظره من نظام سياسي لم ينهج أسلوب الحوار بصواريخ "كراد" ( ليبيا) أو الحوار بالدبابات (سوريا). أعتبر أن دستور فاتح يوليوز قد كتبه المخزن من نفس المحبرة التي كتب بها سلفه دساتيره التي تكرس الحكم الفردي. ودون الدخول في مناقشة هذا الدستور، إذ ليس هذا موضوعنا، اذكر فقط أن ما يسمى برئيس الحكومة لا يمكنه أن ينزل ما خطه في المجلس الحكومي من سياسيات عمومية، ما لم يحصل على تزكية المجلس الوزاري الذي يحدد مسبقا التوجهات العامة لهذه السياسات، اللهم إلا إذا رغب الملك في ترك الأمور تمر كي يبدو الدستور وكأنه دستور يعطي ل "رئيس الحكومة" صلاحيات حقيقة. الدستور الجديد( القديم حقيقة) لا يشكل أي اختراق في جدار الحكم الفردي. فيما يخص قول العدالة والتنمية إن الدستور الجديد يقدم أكثر مما كان منتظرا، خصوصا وان الأنظمة الاستبدادية الأخرى ردت بالنار (ليبيا ...). إن مصدر الخطأ في هذا التقدير، هو أن المبتهجين بالدستور ينظرون إليه من خلال نظارات ما قبل البوعزيزي. ففي الوقت الذي تسقط فيه أنظمة استبدادية وتنشئ الثورات (تونس) هيئات تأسيسية، يأتينا نحن دستور "رئيس الحكومة" فيه يحكم والملك يتحكم. إن السياق لا يقبل بأقل من دستور يرسي أسس ملكية برلمانية بمعاييرها الكونية التي تحقق السيادة الشعبية. الانتخابات التشريعية وسؤال النزاهة: أعلن من البداية، أن حزب العدالة والتنمية فاز عن جدارة واستحقاق. إنه القوة السياسية القانونية الأكثر قوة في المغرب بين الأحزاب المتنافسة. حزب العدالة والتنمية لم يسرق الفوز بالمرتبة الأولى. السؤال إذن لا يتعلق بجدارة الحزب، بل يتعلق بنزاهة الانتخابات. أقول : حزب العدالة والتنمية فاز بجدارة في انتخابات ليست نزيهة. النزاهة نوعان : نزاهة قانونية ونزاهة سياسية. هذه الانتخابات تمتلك جزئيا نزاهة قانونية، وتفتقد كليا للنزاهة السياسية. النزاهة القانونية هي انه لم يكن هناك تزوير لفائدة العدالة والتنمية، لكنها نزاهة جزئية، بسبب الحصار التنظيمي القبلي المتمثل في التقطيع الانتخابي وفي نمط الاقتراع. فهذا المستوى يمنع أي قوة، وليس فقط العدالة والتنمية، من الحصول على أغلبية مريحة تعفيها من التحالف الاضطراري مع " مسامر الميدة ". لكي نكون أما نزاهة قانونية كاملة، يجب أن تكون المدونة الانتخابية مدونة ديمقراطية. المدونة الديمقراطية هي مدونة لا تضع الفرامل المسطرية للمتنافسين تحسبا لكل مفاجأة قد تصدر عنهم. هذا عن النزاهة القانونية، أما فيما يخص النزاهة السياسية، فأقول إن انتخابات 25 نونبر تفتقد للنزاهة السياسية كلية. يتبجح النظام وخدامه، بان هذه الانتخابات هي الأكثر نزاهة في تاريخ المغرب. دليلهم هو أن المخزن لم يتدخل ليمنع حزبا إسلاميا يصفه البعض بأنه يتعرض لتضييق متواصل من طرف المخزن. إن مجرد القول بان المخزن لم يتدخل هو إقرار بأنه كان دائما يتدخل. وعليه فالسؤال سيصبح هو: لماذا أحجم المخزن عن التدخل الآن؟ المخزن كان يعلم أن الحزب الذي يمكنه أن يحقق الفوز بسهولة هو حزب العدالة والتنمية. لماذا انتقل المخزن من إصدار الأوامر بشكل سافر ووقح للعدالة والتنمية بتحجيم مشاركتها في الانتخابات السابقة، إلى الامتناع عن التدخل؟ إن السبب هو العروش التي سقطت في تونس ومصر وليبيا، والتي زلزلت الأرض تحت أقدامها في اليمن وسوريا. المخزن يبحث، كما قلت في مقال سابق، عن بارشوك سياسي يلائم المرحلة. الأصالة والمعاصرة ورقة احترقت، أو ممثل رديء قذفه المشاهدون بالبيض الفاسد. الاتحاد الاشتراكي أفقده " قادته" الأسنان والمخالب. لم يبق هناك إذن إلا حزب العدالة والتنمية. إنه دفتر بدون أوساخ أو بطاقة جديدة لم ينفذ رصيدها بعد، ويمكن للمخزن أن يستفيد من رصيدها طيلة هذه المرحلة الحبلى بالثورات والتغيير. إن المخزن يعلم جيدا أن حزب العدالة والتنمية إذا لم يتعرض للتضييق، يمكنه أن يحقق الفوز بسهولة. ويعلن المخزن أيضا أن هذا الحزب يمتلك عذرية سياسية يمكنها أنن تشكل عملة صعبة في هذه المرحلة الصعبة. وبما أن المخزن يبحث عن بارشوك سياسي يشكل خط دفاعه الأول في وجه حركة 20 فبراير، فليس هناك أفضل من حزب طيع ولين من جهة ودون "سوابق" من جهة أخرى. لهذا لم يتدخل المخزن لحاجته إلى العدالة والتنمية. وعليه فالنزاهة السياسية منعدمة هنا. أنا هنا لا أقول إنه كان على المخزن أن يمنع العدالة والتنمية من الفوز، لكن أقول إن السماح لحزب بالفوز مع تخطيط مسبق وتحديد قبلي للمهمة الانتحارية التي ستوكل له، مع حرمانه من الأدوات الدستورية والقانونية، هو تدليس من طرف المخزن في حق هذا الحزب، وتدليس في حق المغاربة المقاطعين منهم والمشاركين وتدليس في حق العملية الانتخابية برمتها. وعليه أعتبر أن " فوز" العدالة والتنمية ليس فوزا لنا نحن الإسلاميون الذي نقاطع مسار الزور السياسي، بل هو «فوز" خاص بالعدالة والتنمية. كما أعتبر من هذا المنطلق أيضا أن وحدة المرجعية لا تعني وحدة الموقف السياسي، و لا تنفي أن يكون أهل المرجعية الواحدة مختلفين سياسيا يعارض بعضهم البعض. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.