تمخضت انتخابات 25 نونبر التشريعية كما تتبع الجميع، عن تصدر حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي المغربي بحصده ل 107 مقعد في البرلمان المغربي، وهو ما أدى بشكل تلقائي حسب الدستور الجديد إلى تعيين أحد أعضائه رئيسا للوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة والذي لم يكن سوى أمينه العام عبد الإله بنكيران الذي كان مرشحا بقوة لهذا المنصب. حكومة حزب العدالة والتنمية تأتي في سياق خاص يعيشه المغرب والعالم العربي، وبعد حراك احتجاجي في المغرب ناتج عن تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيه، الشيء الذي جعل التحديات التي تواجه حكومة حزب المصباح كبيرة وجسيمة، نظرا لحساسية الوضع في المغرب وقابليته للتوتر أكثر إذا لم تلح بوادر انفراجات في أقرب الآجال. ولعله من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة نجد مشكل التشغيل الذي يعد من بين المطالب التي ترفع في كافة أرجاء المغرب، خصوصا احتجاجات حاملي الشواهد الجامعية، التي تعتبر مجموعات الأطر العليا المعطلة المعتصمة بشكل يومي في الرباط أبرز تجلياتها. هذا الملف الذي عمر في مدينة الرباط ما يقارب العقدين من خلال الاعتصامات المستمرة لمجموعات الأطر العليا المعطلة أمام البرلمان، حيث اختلفت طوال هذه الفترة طرق تعاطي الدولة معه حسب الظروف، وحسب درجة حدة الاحتجاجات وتزايد أعداد المعتصمين. لكن في السنوات الأخيرة خصوصا مع حكومة عباس الفاسي، عرف هذا الملف بعض الانفراجات من خلال التزام الوزير الأول السابق بتشغيل نسبة منهم كل سنة، حيث كان قد ورث مجموعات ينضوي تحت لوائها حوالي 1200 حامل شهادة عليا، تتوفر على محضر التزام بالتشغيل من طرف الوزير الأول السابق ادريس جطو، الذي وقع خلال السنة الأخيرة من توليه رئاسة الحكومة على محضر مع هذه المجموعات ينص على إدماجها المباشر في الوظيفة العمومية وفق المرسوم الوزاري ذي الصلة بالموضوع، فيما اعتبره الكثيرون بمثابة لغم تركه جطو لحكومة عباس الفاسي التي سرعان ما انفجر بين يديها الملف فور توليها مهامها، ليقرر عباس الفاسي إدماج الأطر العليا المعطلة المعتصمة على دفعات سنوية انطلاقا من السنة الأولى لتوليه رئاسة الحكومة أي سنة 2008. وقد سارت حكومة عباس على هذا المنوال في ظل تزايد أعداد الخريجين نتيجة استمرار المنظومة التعليمية المغربية في نفس السياسات، أي إقرار تكوينات لا تتلاءم وحاجيات الشغل، وأيضا في ظل عزوف حاملي الشواهد العليا عن القطاع الخاص نظرا لغياب الضمانات الكافية الشيء الذي يجعل مستقبلهم فيه يشوبه غموض كبير. وخلال سنة 2011 عرف هذا الملف منعطفا حاسما ورقما قياسيا فيما يتعلق بعدد المدمجين في الوظيفة العمومية بشكل مباشر، حيث تم إدماج ما يقارب 4300 حامل شهادة عليا معطل كان يعتصم منهم حوالي 2000 منذ ما يقارب ثلاث سنوات أمام البرلمان بشكل شبه يومي، هذه المبادرة التي تزامنت مع اندلاع احتجاجات حركة 20 فبراير، حيث فسر بعض المتتبعين هذا الرقم بمحاولة الاحتواء السريع لهذه الفئة خشية انخراطها في احتجاجات الحركة، خصوصا وأن مجموعات الأطر العليا المعطلة تتميز بقوة تنظيمية وتمرس على الاحتجاج الميداني نتيجة طول المدة التي قضتها في الاحتجاج أمام البرلمان وأماكن أخرى. عملية الإدماج بهذا الشكل وهذا العدد الكبير لم تخلو من تعثرات يبقى على رأسها بقاء حوالي 120 معطلا من هذه التسوية بدون إدماج يواجهون المجهول رغم أن عملية إدماج 4300 تشملهم أيضا، حيث أصبحوا يعانون من التجاهل من قبل المسؤولين رغم وصول ملفاتهم إلى القطاعات المعنية، التي يبدو أن المسؤولين عنها يعيشون على إيقاع الترقب بخصوص مصير مناصبهم فبالأحرى الالتفات إلى مجموعة صغيرة من المعطلين الذين منهم من أوشك على إنهاء سنته الرابعة من الانتظار. احتجاجات هذه الفئة لا زالت مستمرة إلى اليوم في شوارع الرباط رغم عدم انخراطها في الحراك الاحتجاجي العام، نظرا لطبيعة مطالبها التي يؤكد حاملو الشواهد العليا على أنها اجتماعية وليست سياسية، وبالتالي لا مجال للانخراط كمجموعات في رفع مطالب سياسية، حيث أسفرت مجموعة من أشكالها الاحتجاجية وعلى رأسها اقتحام والاعتصام بمقر حزب الاستقلال أواسط العام الجاري، عن توقيع محضر مع حكومة عباس الفاسي يلتزم فيها الأخير ببدء الاتصالات بالقطاعات الوزارية من أجل إدماجهم، فيما يوصف حسب بعض المتتبعين تكرارا لمحضر جطو عند نهاية ولايته رغم اختلاف السياق، زد على ذلك مجموعات أخرى لم يشملها المحضر تواصل احتجاجاتها المستمرة في هذه الفترة أمام البرلمان. حزب العدالة والتنمية كان له دائما موقف واضح من عملية الإدماج المباشر التي يعتبرها ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص وتشجع الزبونية والمحسوبية فيما يتعلق بالتشغيل في الوظيفة العمومية، وتعكس ذلك بجلاء تصريحات عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المعين أخيرا أثناء حملته الانتخابية، فيما اعتبره الملاحظون إشارة صريحة إلى المجموعات المطالبة بالإدماج المباشر برفض مطالبهم رغم تأكيده على عزمه البحث عن صيغ بديلة تساعدهم على تجاوز بطالتهم، هذه الصيغ التي يعتبرها هؤلاء المعطلون غير ذي جدوى في ظل فشل مجموعة من المبادرات المماثلة في وقت سابق، فكيف إذن سيكون تعاطي عبد الإله بنكيران مع هذا الملف الذي يعتبر من بين الملفات التي سيجدها على مكتبه فور تسلم مهامه؟ وهل سيستمر على نهج سلفه عباس من خلال الحوار المستمر والمبادرات السنوية للإدماج؟ أم أنه سيعلنها صراحة أن لا توظيف مباشر بعد الآن؟ خصوصا وأن الدفعة المدمجة سنة 2011 كانت بمرسوم استثنائي ينتهي في 31 دجنبر 2012 بعد أن ألغي التوظيف المباشر بمرسوم من طرف البرلمان المغربي صادق عليه السنة الماضية، وأرغم تصعيد المجموعات آنذاك الوزير الأول على إصدار المرسوم الاستثنائي 2011 لتوظيف معطلي دفعة نفس السنة. الكثيرون يؤكدون على أن الدولة ومنذ اندلاع الاحتجاجات الأولى لهذه الفئة أواسط التسعينات، كانت تتعاطى مع الملف بالمقاربة الأمنية التي تتنوع بين قمع هذه الاحتجاجات في أوقات ضعفها، والاستجابة لها عندما تتزايد قوتها الاحتجاجية، بينما غابت المقاربات الاجتماعية في أحيان كثيرة والقائمة على إيجاد استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الإشكال الذي يكاد يصبح مزمنا بعد مرور كل هذا الوقت على ظهوره، فهل سيجد رئيس الحكومة الجديد الوصفة السحرية لعلاجه؟ وهل يستطيع في هذه الظرفية بخصوصياتها التي يعرفها الجميع أن يتصدى لهذه الاحتجاجات بالقوة التي طالما ندد برلمانيوه باستعمالها ضد الأطر العليا المعطلة؟ أسئلة وغيرها تراود مجموعات الأطر العليا المعطلة المعتصمة حاليا بالرباط ومن ورائها أفواج الطلبة الذين يستعدون للحصول على شواهدهم والالتحاق بشوارع العاصمة للمطالبة بالإدماج المباشر في الوظيفة العمومية، بينما يتوقع البعض أن يكون أول امتحان حقيقي لرئيس الحكومة الجديد مع حركة احتجاجية ذات مطالب اجتماعية، وبين هذا وذاك تبقى الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة على كل التساؤلات.