أُكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدق كذبتك، بعد ذلك أُكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. هذا القول غير المأثور ينطبق على كلام وزير في الحكومة، مع كامل الأسف، يمثل الدولة أمام المغاربة وفي مؤسساتها؛ ما قاله وزير التربية والتعليم بشأن اللغة الانكليزية، يتوافق مع رؤية أدولف هتلر عندما اختار يوزف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في الحكومة النازية في ألمانيا. غير أن هذه الأدوات في عصرنا هذا، عصر الثورة التكنلوجية والانفتاح العالمي بما أتاحه من تداول للمعلومات والمعطيات، أصبحت أدوات التضليل مثل هذه، مجرد وسائل بدائية أكل عليها الدهر وشرب.. قبل الخوض في نكتة الوزير سعيد أمزازي التي برر بها عطب وزارته المتمثل في فشلها في تكوين جيل قادر على حمل مشعل الانكليزية ونقله إلى الجيل الحالي والصاعد، الذي سيتحمل مسؤولية إدارة البلاد غدا وبعد غد، وجب التعريج في البداية على "سكيتش" وزير الشباب والرياضة، ونتحدث قليلا عن الوزير رشيد الطالب العلمي، وهو يتودد، متغزلا، بالسفير الفرنسي بالرباط، عندما قال أنه انفتح، عندما كان طفلا، على العالم بواسطة لغة فرنسا.. كان يا ما كان، هذه القولة تنطبق على لغة فرنسا، التي صارت مثل العجوز التي تكابر على عمرها غير مصدقة أن جمالها ذبل وأن بريق وجهها الجميل انطفأ وأنها أفلت وقد دنا أجلها.. فالوزير رشيد الطالبي العلمي أطلق نكتة طريفة عندما قال أمام السفير الفرنسي، وقد بدا فرحا كأنه عريس في زفة، قال أنه انفتح على العالم من خلال اللغة الفرنسية.. يا له من كلام جديد قديم في نفس الوقت، بل انه حقا كلام الحكماء العقلاء الذين تعول عليهم البلاد لإخراجها من تخلفها ومن انغلاقها ونقل رسالتها إلى العالم. لم نعد نسمع مثل هذا الكلام منذ زمن، فلقد ولى ذلك العهد الذي كان بعض "المغرر بهم"، يسقطون في شرك آلة التضليل. فحتى أكثر الفرنسيين المتعصبين للغة الإمبراطورية الفرنسية الوهمية، اليوم، وفي عصر الطفرة التقنية، لا يمكن لهم التفوه بكلام غاية في "العبط" والتفاهة مثل كلام الوزير. فكيف يا ثرى يمكن لشاب أو طفل يعيش في 2019 أن ينفتح على سكان العالم البالغ عددهم ثمانية مليار إنسان، بلغة انتهى دورها في سبعينيات القرن الماضي. فإذا كان معالي الوزير قد انفتح على العالم بهذه اللغة الميتة، فان ذلك حدث على الأقل نهاية الستينات وبداية السبعينات، بما أنه من مواليد 1958 حسب وكيبيديا، وهذا يعني أنه انفتح قبل موت هذه اللغة العجيبة بعامين، بما أن دخول 1970 كانت بداية لانطلاق ثورة العولمة بما حملته من مظاهر "تفوق" أميركي بلغتها وثقافتها وفنونها الشبابية المتمردة، منهية بذلك عهد لغة البؤس والإذلال، مع أننا لا نسعى إلى أي مديح لأميركا أو أي بلد غربي، لأننا وصلنا إلى قناعة، أن الغرب غرب والشرق شرق.. نتساءل كيف لمسؤول حكومي بهذا المستوى، يفترض أنه يمثل مؤسسات الدولة وجميع المغاربة، أن يتفوه بكلام بهذه السذاجة والسخافة؟ وكيف لوزير أن يمارس التضليل على الأطفال والشباب، وهو يعدهم بالانفتاح على العالم بلغة تعيش بالسيروم، فإذا ما قررت ثلاث بلدان مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس، التخلي عنها لصارت هذه اللغة في خبر كان.. عندما انفتح الوزير على العالم بلغة فرنسا، كان وقتها، المغاربة، يتوفرون على قناة واحدة يتيمة تبث برامجها بدء من السادسة مساء وتختتمها عند الثانية عشر منتصف الليل على وقع "التشاش"، فيما كان هؤلاء المغاربة ينفتحون على العالم من خلال إذاعة بي بي سي البريطانية بالعربية. اليوم في عصر الثورة التواصلية، يأتي الوزير ليزف لطفل عصر التكنلوجيا وهو يشرع أمامه أبواب الانفتاح الوهمي على مصاريعها، وأمام جمع الأطفال وبحضور سفير دولة تعيش مراحل الانهيار الاقتصادي ولم تعد لها أي مكانة دولية، فأي متتبع سياسي يعرف أن فرنسا أصبحت دولة تابعة خاضعة للقوى العظمى لا تفتي ولا تقرر، وإنما كل ما تقدر عليه هو اقتفاء خطى القوي لضمان كسرة خبز لشعب سيثور عند أي لحظة؛ ليقول الوزير لجمع الأطفال، تفضلوا فهذه هي لغة الانفتاح العالمي وهذا هو العالم أمامكم بعلومه وبتكنلوجيته وبثورته التواصلية، وكل ذلك ستبلغونه بلغة فرنسا التي لا ينفتح بها حتى أصحابها الفرنسيون، الذين اختاروا الانكليزية للتجاوب مع العالم والتفاعل معه، فأدرجتها الدولة في مدارسها الابتدائية وفي الإعلام كقناة فرنسا 24 (أربعة وعشرين) التي تبث للعالم بالانكليزية إلى جانب نسخ أخرى إقليمية بما فيها النسخة العربية.. الطالبي الذي انفتح على العالم بلغة بقعة أرضية اسمها فرنسا، لغتها لا تزيد عن لهجة جرمانية عقيمة متعبة في النطق مملة باعثة على الضجر لا جمال ولا عذوبة ولا رنة لها، قال كلمته الخالدة تلك، وهو يوقع اتفاقا مع السفير الفرنسي يهدف إلى تعميم برامج تعلم لغة فرنسا في دور الشباب في جميع مناطق المغرب، لكي ينفتح الشباب والأطفال المغاربة على الكون بهذه اللغة الميتة التي تحتل الرتبة ما قبل الأخيرة، ففي جميع التصنيفات الدولية التي شملت عشر لغات، صنفت العربية متأرجحة بين الرتبتين الثالثة والرابعة، كأكثر لغة انتشارا، وبعد ذلك يأتينا وزير انفتح على العالم قبل خمسين عاما بلغة هي اليوم في طور الانقراض بسبب هجوم المصطلح الانكليزي عليها وتوقف دولتها على الإنتاج البحثي العلمي، لينعتنا بالمنغلقين لأننا لسنا متمكنين من لغة ترتيبها في المركز العاشر دوليا. نعود إلى موضوع تشبث وزير التعليم سعيد أمزازي، بالفرنسية، أي لغة البلدان المتخلفة، كلغة للتدريس مبررا لذلك بأن المغرب لا يتوفر على كوادر متمكنة من الانكليزية حتى تعتمد الوزارة الانكليزية لغة للتدريس. بداية، إذا اعتبرنا كلام المتحدث صحيحا، فننا هنا، نحمل الوزارة المعنية الفشل الدريع في عدم تخريج شباب قادر على استعمال لغة التكنلوجيا والبحث العلمي. فأين كانت الدولة هذه عشرين سنة مضت، أو على الأقل عشر سنوات الأخيرة، وإذا كانت سوريا مثلا والتي خضعت بدورها للاستعمار الفرنسي، قد استطاعت، في بدايات استقلالها بإمكانياتها المتاحة في ذلك الوقت، الانتقال من لغة الاستعمار الفرنسي، إلى تدريس اللغة الانكليزية، وتخريج أجيال متمكنة من لغة العصر، وفي نفس الوقت حافظت على هيبة لغتها القومية الوطنية، كلغة تدريس جميع المواد، بما يتيح للطلبة إمكانية أكبر لاستيعاب المناهج والمواد المُدرسة. لقد كان الأولى أن يدعم وزير الشباب والرياضة، اللغة العربية ثم الانكليزية، بدل التسابق للظهور في موقع التلميذ المطيع لفرنسا، بتقديم خدماته لدعم وإنقاذ لغة انتهت صلاحيتها، ولم يعد تأتي من ورائها أي فائدة، باستثناء افتعال الصراعات اللغوية والانقسامات داخل البلدان المعنية بها، بفعل تدخل فرنسا غير المشروع، سرا وعلنا، وبواسطة منظماتها وأتباعها، لغاية إحداث التفرقة، حتى تظل فارضة سيطرتها وهيمنتها على مقدرات وثروات هذه البلدان.. أما فيما يخص صديقنا، التلميذ المطيع، فنقول له، وبدون لف أو دوران، إن لغتك الفرنسية التي يدرس بها أبناءك في "الليسيه ديكارت" التابع للبعثة الاستعمارية، حتى لا نقول الثقافية، بما أن هؤلاء الناس جعلوا الثقافة، بما فيها لغتهم، وسيلة للسيطرة على الشعوب والدول، نقو أن هذه اللغة الفاشلة، غير صالحة لجامعاتنا.. كل شيء بات واضحا، وآلة الدعاية المضللة انتهى مفعولها منذ زمن، فالحكومة تبحث عن ذريعة لإنقاذ لغة الشعب الفرنسي في المغرب، لأن في ذلك إنقاذ لاقتصاد فرنسا المنهار.. فرنسا على حافة الإفلاس، ولهذا، يبحثون عن ذريعة، ويتهمون بها العربية بالفشل، في ضرب سافر لإرادة الشعب وأهانته في كرامته وهويته، وفي انتهاك للدستور الذي رفع مكانتها وفرض على المشرع، لأجها صياغة قانون لتطويرها وتمكينها، ويحملونها أعطابهم التقنية، دون أن تكون لديهم الشجاعة لوضع دراسة مهنية علمية تثبت أن العربية بالفعل لا تستطيع أن تكون لغة للتلقين في المواد العلمية، بينما الحقيقة واضحة كالشمس، فالطلبة يتابعون دراستهم الإعدادية والثانوية في الشعب العلمية بالعربية ويجتازون امتحان البكالوريا، ثم عندما يلجون الجامعات يصطدمون بجدار عال هو الفرنسية، فلا يجدون، إذاك، سبيلا غير تغيير شعبهم العلمية التي تفوقوا فيها خلال مراحل الإعدادي والثانوي، والتوجه إلى الشعب العربية. وحسب تصريح وزير التعليم، فإن 34 بالمائة من الطلبة العلميين يضطرون إلى تغيير شعبهم العلمية والتقنية في الجامعات بسبب اللغة الفرنسية. وهذا اعتراف صريح من مسؤول حكومي بأن الفرنسية هي سبب تدمير مستقبل الطلبة، ومعناه الواقعي، هو أن الفرنسية غير صالحة للتدريس في الجامعات، لأنها مازالت لغة غريبة ولن يقبل بها الطالب مهما فعلوا من الإصلاحات الترقيعية لاحياها لدى الطلبة في المغرب، ولكل ذلك غاية وحيدة هي إبقاء المغرب سوقا مغلقة على العالم، بعدما أحسوا بخطر اللغة الانجليزية التي تنتشر في صفوف الشباب، فيما تختفي الفرنسية وتموت تدريجيا، إلى درجة أنها باتت لغة الشيوخ والكهول في المغرب بامتياز، ولإنقاذ الاقتصاد الفرنسي وجب التضحية بحقوق الشباب المغاربة وبمستقبلهم.. وردا على الكلام غير المسؤول لأعلى مسؤول في وزارة التعليم، حول عدم وجود كوادر مؤهلة في الانكليزية، وهو كلام لم يعززه الوزبر بأي أرقام رسمية أو دراسة صادرة عن جهة معتمدة، فإننا نسأل السيد الوزير عن أين يذهب عشرات الآلاف من خريجي الأدب الانكليزي في الجامعات، لماذا لا يتم دمج هؤلاء المجازين وحاملي الماجستير في هذه اللغة، في سلك التعليم بعد أن يستفيدوا من تدريب في المراكز التعليمية.. أما تبريره الواهي لفرض الفرنسية كلغة تدريس ضدا على الفصل (خمسة) من الدستور، وضدا على إرادة المغاربة، وتبريره ذلك بقلة الكتب المكتوبة بالعربية، فإننا نلفت نظر الوزير إلى اعتماد جامعات عالمية للغة العربية كلغة تدريس لعشرات الشعب سواء الاجتماعية أو الأدبية أو العلمية وغيرها، ونعطي هنا بعض الأمثلة وللمشكك أن يزور مواقعها الالكترونية، ومن ذلك الأكاديمية الملكية السويسرية العريقة التي تعتمد اللغة العربية إلى جانب لغاتها الوطنية، ونفس الشيء مع جامعة اسطنبول وجامعة الأمة في تركيا التي يدرس فيها الطب والهندسة وباقي العلوم بالعربية، فضلا عن العديد من الجامعات العالمية في إيرانوتركيا وبلدان أوروبية تعتمد ضمن باقتها اللغوية العربية لغة للتدريس.. صحفي وكاتب قومي عربي [email protected]