نظرته كانت ملئي بقدر غير يسير من التودد، حبلى بالتوقع والإنتظار، أما نظرتها فكانت حافلة بمعاني الاعتزاز والتحدي، والرغبة في هزمه لعلها تستمتع بالنظر إليه ضعيفا، مسالما غير راغب في العراك والنزال. -تغير فيك الكثير، ما عهدتك إلا سعيدة بكلماتي، منتشية بعباراتي. -أتريدني على الدوام مطيعة صاغرة. -ليس إلى هذا الحد، لكنني أطمع في رد فعل إيجابي على أقل تقدير. ضحكت ساخرة، وصفعته بشكل مفاجئ. ولما كان يتهيأ لاسترجاع كرامته المهدورة، وجدها تطوقه بذراعيها وتطبع على شفتيه قبلة حارة. في تلك اللحظة صاح المخرج. -سكوت، سنعيد اللقطة مرة أخرى. حسن لشهب.
قصة قصيرة جدا إنتحار كان الجو خانقا، والحرارة مرتفعة، تقلب في الفراش متأففا، حلقه جاف، أفكاره ممتدة كالسيل، لم يكن يشغله موضوع محدد. ولربما كان يشعر بالألم جراء انفلات زمام تفكيره. حاول جاهدا أن يمسك موضوعا معينا، لكن دون جدوى. فجأة عم الغرفة نور فضي انبعث من النافذة المفتوحة على مصراعيها، قفز من الفراش، وقف أمامها مشدوها، وجد صورته منعكسة تملأ إطار النافذة -أين كنت يا أنا؟ -كنت معك أينما حللت وارتحلت. -اشتقت إليك. -ما أنا بالشخص الذي يشتاق إليه أحد. دع عنك هذا الهراء، ما تحتاج إليه هو قدر من الشجاعة، حسبتك على الدوام مقداما غير هياب. دوى الصوت داخل أذنيه بشكل حاد، شعوره بالرعب لم يدم إلا قليلا، وسرعان ما سرت البرودة في أطرافه... صمت عميق وفراغ سحيق. في الصبح كان مدير السجن يستجوب كل مراقبي الجناح، لمعرفة ملابسات انتحار السجين وفتحه لنافذة زنزانته. حسن لشهب.
قصة قصيرة جدا القطة السوداء
نظر عميقا في عيني القطة السوداء، شعر بالخوف، كأنها كانت تخاطبه، تقول شيئا. لم يقو على التحديق فيهما، أدار وجهه نحو صحن الفاكهة أمامه والتقط تفاحة حمراء شهية، استجابت حبيبات لسانه، وبدأ لعابه يسيل. شعر أن تناول هذه التفاحة قد يخفف من وطأة الخوف الذي سببته له نظرات القطة السوداء، غرس أسنانه في التفاحة مستعدا لقضم قطعة منها. حين سرى ألم مخالب القطة في ذراعيه، وجد نفسه يعض على وجهها بقوة وعنف.
حسن لشهب.
قصة قصيرة جدا إكليل الورد أحداث الفيلم الذي شاهده في المقهى وهو يلعب الروندة، لازالت عالقة بذهنه. هزته لقطة القبلة الطويلة بين بطل وبطلة الفيلم، وما صاحبها من همهمات ولمسات. إكليل من الورود كان كافيا لكي تستسلم البطلة بين ذراعيه، وتسلمه شفتيها بغنج ودلال. هي أيضا قد تكون كذلك لو أهداها إكليلا من الورود الحمراء، منذ مدة كلما دخل إلى البيت، يجدها كالمجنونة تصيح وتسب وتلعن قدرها، أمامها جفنة تصبين، وأكوام من الثياب المتسخة، تميل أحيانا على اليمين لتقذف بحذائها نحو أحد أطفالها المشاغبين، وطبعا فحركتها تكون مصحوبة بالشتيمة المعهودة: -الله ينعل بوك... من المؤكد أنه يوم "الزهر" سيربح اليوم ما يكفي لسداد جزء من ديون صاحب الحانوت، ولا ضير من حماقة صغيرة تعيد لحياتهما بعض الدفء والمودة المفتقدة. حين دخل مبتسما وهو يحمل إكليل الورود مزهوا، كانت جالسة بأحد أركان الغرفة الضيقة من بيته القصديري، كانت ترضع آخر أطفالها وهو يمتص ثديها المكتنز. مد إليها إكليل الورد كالمراهق قائلا: -اشتريته لك قطبت بين حاجبيها وصاحت: واش حماقيتي الراجل، الدراري ماشبعوا خبز وانتا شاري لي الورد -. حسن لشهب.
قصة قصيرة جدا إفلاس نزل الخبر عليه كالصاعقة: -عليك أن تعلن إفلاسك، لقد إنهار كل شيء. توالى كل شيء بسرعة فائقة، باع الشركة، والفيلا، وكل ممتلكاته، قضى بضع سنوات في السجن، تنكرت له الزوجة والأولاد... وانتهى به المطاف متشردا بين الأزقة والشوارع، صارت كل المنافذ موصدة، غزته القاذورات من قمة الرأس إلى أخمص القدمين ... لم يعد يراه الناس إلا في الأركان التي يعافها البشر، ممددا يدخن ما التقطه طوال اليوم من أعقاب السجائر. غاب الكلام، وغابت البسمة من شفتيه... لقد انتهى كل شيء. من صدره تنبعث تنهدات حرى تختزل ما اختزنه القلب من شعور بالأسى والألم ... أغمض عينيه وأغفى كالمعتاد هروبا من ضغط مثل هذه اللحظات. أحس برذاذ سائل ساخن فوق وجهه، رائحته قوية، امتزجت بنتانة الروائح المنبعثة من جسده، فتح عينيه، كان الكلب قد أنزل قائمته الخلفية بعد أن أكمل تبوله. فانفجر ضاحكا، سعيدا، ليقول لكل المارين: -ليس بالإمكان أن يحدث أسوأ مما كان، لقد تبول علي الكلب،وهذه أدنى درجات الانحطاط، أكيد أن ليس بعدها درجة أخرى، إنها نهاية الأزمة، فأنا سعيد، سعيد، ... . حسن لشهب