لم يكن خبر وفاته متوقعا ... هكذا فكر حين بلغه نعي السي المختار معلم القرية ... صارت الكوابيس كثيرة في المدة الأخيرة... كل يوم يستيقظ لاهثا، وجسده محموم... قد يكون ذلك واحدا من أعراض الشيخوخة المبكرة ... تذكر كم كان سي المختار لغزا محيرا... الصمت و الصلاة، وألوان شتى من الكتب، ومعطف بني يكاد لا يفارقه... يا للهول ... كانت قراءته للقرآن يوم الجمعة شجية تقشعر لها الأبدان... منزله بارد كالموت، مظلم كالكهف، كيف كان يفكر. وفيم كان يفكر؟ لغز مركب؟ هكذا كان هذا الأعزب الصلب... ربما كان يختزن سرا دفينا، وإلا ما الذي يفسر وحدته القاتلة؟ ! وفي تلك الليلة الممطرة داخل المرقص، سقط التمثال البرونزي... نطق الجبل الذي لا تهزه الريح ... تكسرت جرة الهم على رأس الرجل... مياه سوداء، رائحة عطنة... قبل الأرض تحت قدميك وتوسل واستعطف ... ارتخت عضلات الرجل وغمرتها تلك المياه الداكنة ... واستسلم ... هل كان مجرد وهم ! ! !؟ مجرد كابوس؟ ! ! استيقظ مفزوعا، وجسده محموم... كيف مات المختار؟ ! أحس ببرودة قاتلة تغزو جسده... تحسس صدره بهلع ... ما الذي أوقف ضربات القلب؟ ! أحس بجسده جامدا، تكسوه مياه سوداء وحمى شديدة تغمره... وفكر مرة أخرى ... هل مات سي المختار؟