وكأن لعنة تازمامارت قد خيمت على محيطها الجغرافي من المدن والقرى، فجعلت منه مجالا خارج الزمان والمكان والسياق التنموي، وحولت عيش ساكنته إلى معاناة يومية مع أساسيات العيش وضروريات الاستقرار، وجعلت من مقولة " المغرب غير النافع" كائنا حيا يمشي بين سكانه ويكلمهم ويعايشهم ويعايشونه. الطريق الرابط بين كرامة والريش، عبارة عن شريط ضيق من الإسفلت، متآكل الجنبات، مثقب القارعة، لا يكاد يتسع لسيارة واحدة، بله أن يسمح بمرور اثنتين، يرجع تاريخ تعبيده إلى بدايات الاستقلال، لكن حالته المهترئة تعود بعابره إلى ثلاثينيات أو أربعينيات العهد الاستعماري البئيس. عابر هذا الطريق المأساة، لا تدع له الحفر أكثر من خيارين: أن يختار الأخف ضررا والأقل فتكا بسيارته، بين حفر وسط الطريق وحفر الجوانب، أما أن يتجنب الوقوع فيها، من خلال لعبة مراوغة الحفر، فهي المغامرة المستحيلة غير مأمونة العواقب، لأن مساحة الحفر فيه تكاد تتفوق على مساحة ما تبقى فيه من إسفلت. ومع أن هذا الطريق يربط مدنا ومراكز مهمة، فيربط بين ميدلت والرشيدية والريش من الجهة الغربية، وبين كرامة وتالسينت وبني تدجيت من الجهة الشرقية، فإنه لا يسلكه إلا مضطر، أو واصل رحم، أو طالب مصلحة لا طريق إليها غيره، لأنه وعلى حد تعبير موظف عين حديثا بكرامة: " مررت من أكثر مدن المغرب فما رأيت طريقا كهذا". خلال عطلة عيد الأضحى الأخير، استفزني أحد الظرفاء بالقول: " أليس من شباب هذه البلدة رجل محتج أو مناضل أو متحدث"، فقررت أن أكتب عن مأساة السير في هذا الطريق، لأقول للمسؤولين إن في هذه المناطق أناسا يعيشون، ومواطنين يؤدون الضرائب، وإنه من انتقاص إنسانيتهم، والاستخفاف بمواطنتهم، أن يظلوا يتنقلون بين مسالك بدائية ليس لها من حقيقة الطرق إلا الإسم.