مهما اشتد الظلم أو تغير لون البشرة أو شكلها أو زُور التاريخ ،فلن أخون هويتي ،هي جملة شعرية من قصيدة مطولة من نظم الشاعر الملتهب حماسة باسو أوجبور من ديوانه الجديد :"همسات القمر"
والذي يقع في 43 ص ويتضمن بعد الاستهلال والإهداء والشكر، عشر قصائد يختلف فيها النفس الشعري بين سطر وآخر، وتتخذ فيها الصورة أبعادا تضادية مثيرة على المستوى النفسي ،وتتحول إلى عالم فريد من الكثافة والغموض و الضوء والكشف والإغراق ، تنم عن شاعرية عالية وطريقة نظم متفردة، ومما تضمنه ديوانه من قصائد نذكر : قصيدة: "نقمتي نعمتي "وجاء في بعض سطورها : اسمي هو إقصائي وتهمتي مضايق منبوذ بانتساب لقريتي مدان فقط بانتمائي لبلدتي ونقمتي نعمة مجد قبيلتي. وجاء في قصيدة :" خوف" أذن مؤذن فقالوا يُحظر الأذان الإمام مُريب يتلو سورة الرحمان رتل المُقرئ فقيل يجهر بالقرآن تهَجد ناسك فسُئل عن الإيمان آه يا بني الإنسان وسوف لن يُكتم الحق مادام اللسان ولن يَجف حبر القلم بين البنان وتبقى الدماء تجري عبر الشريان لم ولن تكف الأرض عن الدوران .
وغيرُ ذلك من القصائد التي يتوزعها البياض يمينا ويسارا ، اتخذت الكتابة فيها شكل سيل مُنساب ، ليصل إلى خاتمة تنفتح على استهلال قصيدة أخرى ، تتضمن رؤيا خاصة لشاعر عصامي اسمه باسو أوجبور ، لم يعرف للمدرسة طريقا ولو لثانية واحدة ،وهو ما استهواني في كتابات الرجل المتخلق الكثير المداعبة بوجه ،حكيم ، ضاحك انتشاء، وساخر بلغته من سذاجة شخوص مجتمعه في حالهم وأحوالهم ،يتسامى بالزمان والمكان نحو النائي المنيع فيهرب في الرفض إلى خارج الأسوار ،إلى المدى المثال المُحال ،يُبدع في حنين الكآبة ،يتغنى بالأنين في انتظار انبثاق فجر إنسان منتصر لا ينتسب إلى أشلاء الماضي الغابر، يستغيث ولا من مغيث ،و يرد الأنين بالأنين ،يقرأ بالهمس انفعاله وبغير الهمس انفعال قصيدته، ويقرأ بضمير الغائبين ما يوازي غائبا متكلما ، ،كثير الفعل قليل الانفعال، يبعث الحياة والخصب والأمل ويعرب عن انتمائه لعالم شعري توهجا وتوترا، شاعر فيه فضول شعري كبير ،حريم لغته في خدره يلين ،وقافية ديوانه مأتم وهدير ،يأتيك شعره وهو في حالة وُثوب وهروب ،ويأبى أن ينطوي أو يستريح، وكأن هَما قد أثقله منذ عهود ،يُسابق الوقت مع أناس أصابتهم مأساة الأيام، ويمضي باحثا في ثنايا شعره عن حرية ورقة وكرامة وفجر وفخر. ولي عودة معه في حوار قريب، لأنني وجدت فيه من علو المقام والارتفاع والترفع عن الخشاش ما لم أجده في غيره من الناس. أتمنى من كل قلبي العطاء للشاعر لأنه كتب وأنشد وأطرب ، ولأنه الشخص القنوع ويكتب دون انتظار حوالة آخر كل شهر .