تغيرت الدورة المناخية، وتغيرت دورة الأفلاك السماوية، وزلزلت الدنيا زلزالها، وتغير مع زلزالها جل معالم وجه حياة البشر على الكرة الأرضية وبرز الى السطح مناخ جديد ونظام عالمي جديد...منطقة احصيا -قيادة النيف- على غرار مايجري في العالم و كافة مناطق مغرب الجنوب الشرقي كجزء صغير من أرض المعمورة غير محصنة من هبوب رياح التغيير وما يجري من تغيرات مناخية واقتصاديةفي العالم الذي صار كقرية صغيرة.فبعد ان كانت منطقة احصيا في الماضي تعيش تحت إيقاع أربعة فصول مختلفة من السنة، لم تعد تعرف منذ سنوات الثمانيات من القرن الماضي الا فصلين اثنين:فصل الشتاء بزمهريره القاسي، وفصل الصيف بحمارة قيضه حين تسلخ الشمس المعلقة ككتلة اللهب الأحمرعلى كبد السماءجلود الناس كالثعابين.منذ سنوات الثمانينات ابتلعت السماء فوق المنطقةلسانها،وقطعت خيوط أمطارها، ولم تعد تصب على الناس سوى المتاعب والزوابع الرملية والديون والفقروالغبار. أما الأرض أم الإنسان التي تطعمه الخبز وتسقيه الماءالزلال، فقد اكفهر وجههاوأصابها الشحوب والعبوس والجحود وباتت المنطقة ذات الطابع الفلاحي تعيش خارج الزمن الإجتماعي وباتت قاب قوسين أو أدنى من جحيم "دانتي الإيطالي"صاحب الكوميديا الإلهية.الشبان هجروا الى ماوراء البحارلإستكشاف قارات جديدة أخرى،أما الشيوخ المسنون الذين يعرفون لغة أرض المنطقة، فقد فقدوا بدورهم التواصل معها وباتوا ينظرون الى الأفق البعيد وما حولهم بكل شك وريبة وهم يتشممون الريح مثل الحيوانت البرية لعلهم تأتيهم برياح الأمطارمن جهة من الجهات البعيدة.لقد تحول المسنون مع الإنتظار وطول مراقبة الدورة المناخية المختلةواتجاه الرياح والسحب الى علماء الأرصاد الجويةوهم يستغربون كيف تحولت باديتهم من بادية الحناء والتموروالزروع التليدة الى بادية من بوادي البؤس يهجرها أبناؤها في ريعان شبابهم.لقد تغير كل شيء ولم يتبق لهم سوى الذكريات وإدمان الثرثرة الفارغة، ثرثرة من نوع خاص يستعيدون فيها ماضيهم الغابر، ثرثرةيتعاطونها كالأفيون تحت أسوار المنازل وقبالة أبواب المساجد عند اقتراب موعد كل صلاة. مع هذا الوضع الذي أوصل سكان احصيا الى مفترق الطرق تحضرني مقولة تقول:"عندما يقع التغير الجدري فإن الجنة تشرق في بعض الأحيان ، بينما يفتح الجحيم فاه في أحيان أخرى"، هل فتح الجحيم فاه في بادية احصيا والجنوب الشرقي للبلادعامة مع استفحال الجفاف ونذرة المياه الجوفية؟ في الوقت الذي ينتظر فيه سكان المنطقة المنسية إلتفاتة إنسانية من الدولة لتضميد جراحهم بإنشاء سدود كبيرة تجمع في جيوبها ما تبدرها وديان المنطقة من مياه الأمطارحين تمر سحابةباكية تائهةعلى إحدى قمم جبال صاغرو حيث تنحدر مجاري السيول.وفي الوقت الذي ينتظرون فيه إنشاء سدودة كبيرة لتغدية الفرشات المائية الباطنية لإنعاش الواحات وبعث الحياة فيها،قامت الدولة بعد بيات شتوي طويل لسوء حظهم بالعودة الى إستغلال منجم النحاس ببونحاس﴿مجران﴾.فإذا كان من إيجابيات هذا المنجم أنه يشغل كل عاطل يبحث عن الشغل في المنطقة وخارجها،فإنه من أخطرسلبياته انه ساهم بشكل واضح في إضعاف الفرشة المائية الباطنية للمنطقة ذات الطابع الصحراوي بشكل غير متوقع ،وباتت العديد من البلدات على شفير كارثة حقيقية بسبب النقص الحاد للمياه الجوفية مما ينذر بكارثة بيئية وإنسانية بالمنطقة بسبب اختلال التوازن بين مؤسسةالمنجم ومحيطه..ورغم اننا على ابواب الصيف حيث الحرفي المنطقة لازال لم يحكم شد حلقاته بعد، فالعديد من البلدت ما فتئت تشتكي في الجماعة بمرارةمن نقص مهول من هذه المادة الحيوية. ولتجاوز هذا الوضع، ثم استخدام كحلول ترقيعية لإستمناء الوضع شاحنات صهريجية لعتق الرقاب الأدمية في انتظار الذي يأتي أو لا يأتي،ومن هذه البلدات: أكديم ، ايت سعدان ،تزكزاوت إحنضار، تسمومين، تبخسيت،.. واللائحة مرشحة للإرتفاع ، مما قد يفتح الباب أمام هبوب رياح ساخنة جديدة في المنطقة من نوع تلك التي تهب على منطقةإيمضر منذ السنة الفارطة ، لاسيما وأن ثرثرةالعديد من الناس بالمنطقة بدأت تثير بين الفينة وأخرى إمكانيات وسبل طلب التعويض عن الكارثة البيئية التي يتسبب فيها المنجم المذكور.وجدير بالذكر، فإن تنسقيات جمعويةمن المجتمع المدني العاملة بالمنطقة من تسمومين الى باتوقد صاغت كخطوة نضالية اولى في بدايةهذا الشهرملفا مطلبيا تقدمت به الى الجهات الوصية لحل هذا المشكل وغيره من المشاكل الأخرى التي تتخبط فيها المنطقة.وحسب العديد من الفعاليات الجمعوية الذي اتصلنا بهم،فهم يؤكدون على انه في حالة عدم استجابة الجهات المسؤولة لمطالبهم العادلة فإن الحل هو اتخاد اشكال نضالية سلمية إضطرارية قد تكون الأولى من نوعها بالمنطقة الهادئة المسالمةلإثارة إنتباه المسؤولين الى الأوضاع المزرية التي تعيشها المنطقةالمنكوبة، ترى هل ستبادر الجهات المسؤولة الى حل هذه المشاكل البسيطة العادلة والمشروعة قبل أن تتطور الأوضاع الى ما هو أسوأ؟ ********* بمناسبة ذكر الجمعيات التنموية باحصيا، لابد لنا ان نشير الى اننا نسميها بحكم العادة"جمعيات" بالإسم فقط ، فهي جمعيات فقيرة بدون منح، ولا أكريمات ،ولارخص صيد في أعالي البحار، ولا دخل لهاالا من تبرعات وانخراطات أعضائها الفقراء وما يجود به جيوب الأحباب.ولاتحصل تلك الجمعيات على دعم مادي و معنوي من ذلك النوع الذي تحصل عليه تلك الجمعيات التي تحمل أسماء الأنهار والوديان والجبال التي تسيطر عليها القطط السمان،أو تلك الجمعيات التي تهتم بمهرجانات الشطيح والرديح وهي تطبل وتغني اغنية:" قولواالعام زين " وراء مؤخرات الشيخات و نانسي عقرب وشاكيرا و تخصص لهما الدولة أموالأ طائلة يتم غرفها من خزينة الدولة بلا حسيب ولارقيب.ولابد ان نشير أيضا الى ان السكان يشتكون من الميز الذي يمارس ضدهم في الحصول على الدعم وباتوا يدركون جيدا أن الدعم الجمعوي يخضع لإعتبارات إيديوبوجية وسياسية وحزبية معينة لاتخفى على الجميع، وربما حتى عدم الإهتمام بالمنطقة يعود الى نفس تلك الإعتبارات المقيتة التي لها جدورها التاريخية المعروفة لدي الجميع ﴿المغرب غير النافع،أراضي السيبة/أراضي المخزن، سكان أيت عطا...﴾.