المسرحية طبخت فصولها على نار هادئة، والسباق قد بدأ، ومن يَدْرِ لعل الإبداعات الشيطانية غير النزيهة التي يلجأ إليها عادة "أصحاب الشكارة" عند كل استحقاقات انتخابية تنفعهم وتوصلهم إلى مراكز التحكم في أعناق المواطنين البسطاء. وكما هو الحال دائما يهرول "أصحاب المحافظ" - في سباق محموم نحو أحزاب لا تهمها سوى المقاعد- إلى اللعب بالورقة الرابحة عندهم: ورقة المال، السلطة المتحكمة في إفساد العملية الانتخابية، من خلال استغلال الوضع الاجتماعي المزري لسكان المدينة وقصورها التي تتجاوز 350 قصرا. وبطرق احترافية أكثر، نذكر من بينها توظيف الخاطبات كسفيرات للنوايا الحسنة مدعمات بإمكانيات لوجيستيكية هامة وتقنيات تواصلية إقناعية عالية، ليس في اختيار الزوج أو الزوجة وإنما في اصطياد فرائس أخر، ومُنتخِبين جدد عبر إقناع الأسر بوجود أزواج مناسبين لبناتهن، أو زوجات مناسبات لأبنائهم، يعملون أو يعملن خارج المغرب، وبالتالي فالزواج منهم، أو منهن معناه الحصول على عمل يدر مالا وفيراً. لكن هذا كله مشروط بالتصويت على "السيد فلان" صاحب الحل والعقد، في حين أن مراسيم الزواج سوف تتم بالتحديد بعد ظهور النتائج النهائية، وأن "السيد فلان" سوف يتكفل بتمويل حفلات الزفاف وإعداد جوازات السفر وكل الوثائق اللازمة. هذا هو المنطق الانتخابي في مدينة الرشيدية، ولا مجال للنزاهة وتخليق العملية الانتخابية، أو الترشح النضالي. لأن سلطان المال اخترق كل القواعد، وقلب كل المعادلات، وضرب مبدأ تكافؤ الفرص عرض الحائط. وهذا من الأسباب التي أثنت المناضلين الأحرار عن خوض غمار الانتخابات لأنهم لايملكون سوى رأسمال نضالي وفكري غني عن التعريف ولأن ضميرهم لا يسمح لهم بشراء الذمم. كما أن خوف المواطن بهذه المدينة المترامية الأطراف وقصورها المتعددة من التعرض للتنكيل نتيجة اختياره، هو العامل الأول المساهم في بعض ما آلت إليه أوضاعه الحياتية ( البؤس الاجتماعي، ورداءة التطبيب، وأحيانا غيابه، و انتشار الأزبال...) وكذلك بسبب عجزه عن المشاركة السياسية، والتخلص من الولاءات التحتية للمجتمع التقليدي وللقبيلة. ومن يعرف خصوصية المنطقة يعرف جيدا أن مجتمع القصور مجتمع عصبي تشكل فيه القبيلة رأس تلك العصبية، إذ لايمكن للتمثيل الاجتماعي إلا أن يكون قبليا، بحكم المرجعية الاقتصادية والرمزية للقبيلة. ولقد كان من الطبيعي أن تسيطر العلاقات المحلية، والمناطقية ما دام أن هذا المجتمع التقليدي لم يحقق بعد انصهارا وتجانسا اجتماعيا، ووطنيا بالقدر الكافي، ويندمج كليا في ما بات يعرف بمغرب الحداثة، ويُغَلّب مفهوم المواطنة محل الولاءات التحتية، ويساهم في إقامة مؤسسات ديمقراطية تراعي حاجيات السكان الذين ضاقوا ذرعا من الحيف الذي تعاني منه مدينتهم، والعزلة المفروضة عليها من جهة، ومن الوعود الكاذبة التي يتلقونها من هذا المرشح أو ذاك من جهة أخرى. فمتى ينتفض السكان المتنورون عامة، والشباب كقاعدة شعبية عريضة خاصة. من خلال مقاومة هذا المجتمع التقليدي الذي تسيطر عليه عصبية القبيلة وسلطان المال ليدفعوا من له إرادة حقيقية في التغيير إلى الترشح، والمساهمة في صنع القرار، وإدارة الشؤون العامة للمدينة، وتغيير الخارطة الانتخابية بها ؟؟؟. وهنا طبعا لا يستوي الفيلسوف والمتسول من السكان.