أزالت إسرائيل الغموض عن وثائق جديدة السبت، تتعلق بأسرار حرب الإستنزاف التي خاضتها مصر ضد القوات الإسرائيلية، في الفترة ما بين عامي 1969 و 1970، وكذلك الخطط الإسرائيلية التي بلورها القادة الإسرائيليون بتل أبيب، للرد على إطلاق النار من طرف القوات المصرية بكثافة عام 1969، بمهاجمة خطوط الجيش المصري وضرب مواقعه بالقرب من القاهرة وتدميرها، وكذلك مدن الدلتا والقناة وذلك لإحباط عبوره لقناة السويس. الوثائق التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، لأول مرة، أوضحت أن القيادة الإسرائيلية لم تأخذ في الإعتبار خطر "الدب الروسي" وسلاحه الذي قلب الموازين لصالح الجيش المصري فيما بعد. الخوف من القوات المسلحة المصرية وترقب عبورها لقناة السويس والوصول الى عمق سيناء جعلت أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية تخطط بكل الوسائل لإفشال أي خطة مصرية تهدف لعبور القناة، ولكنها لم تكن تعرف كيفية التعامل مع موسكو، كأبرز مصدري الأسلحة وبطاريات الصواريخ لمصر وبعض دول الشرق الأوسط. وقالت إحدى الوثائق، إن المخابرات الإسرائيلية حصلت على معلومات تفيد بأن هناك تعاوناً غير معلن بين القاهرةوموسكو، مما جعل رئيسة الوزراء الإسرائيلية في تلك الفترة "جولدا مائير" تعقد اجتماعاً طارئاً بوزراء حكومتها وكبار قادة الجيش خلال حرب الإستنزاف، لبحث كيفية منع "الدب الروسي" من بيع السلاح للجيش المصري. وكان في يوم ال 8 من مارس عام 1969،ان قامت مصر بفتح نيرانها المكثفة باتجاه القواعد العسكرية الإسرائيلية المتمركزة في عمق سيناء، وعلى الضفة الغربية لقناة السويس. وأوضحت إحدى الوثائق تحت عنوان "الحرب المنسية"، أن المصريين أطلقوا حوالي 40000 قذيفة في هذا اليوم، حيث كان قصفاً لم تشهده إسرائيل منذ احتلالها سيناء في ال 5 من يونيو عام 1967 وذلك على طول 120 كيلومتراً لقناة السويس. وأضافت الوثيقة أنه منذ هذا اليوم وطوال 17 شهراً تواصلت عمليات المصريين على طول القناة، وكذلك طالت الهجمات الإسرائيليين المقيمين على طول الحدود في منطقة "كريات شموناه" وحتى إيلات بصواريخ "الكاتيوشا" الروسية، موضحة أن 721 إسرائيلياً قتلوا خلال تلك المعارك. وكانت هذه الحرب التي أطلقت عليها الوثيقة الإسرائيلية "الحرب المنسية" جزءاً من إستراتيجية الزعيم المصري الراحل "جمال عبد الناصر"، والتي شملت ثلاثة مراحل هي: الدفاع بصورة مستمرة لمقاومة أي مبادرة عسكرية إسرائيلية هجومية واتخاذ إجراءات إستباقية ضدها والردع كخطوة هجوم قوية ضد إسرائيل لردع الأعمال الإسرائيلية، وذلك تمهيداً للمرحلة النهائية، وهي إقتحام القناة واسترداد سيناء. ونشرت صحيفة يديعوت مقتطفات من كتاب "خط المياه ورجال الإطفاء" للباحث الإسرائيلي العقيد احتياط "أبراهام زوهار" الذي عرض فيه تاريخ حروب الجيش الإسرائيلي حيث قال فيه، إن المناقشات الإسرائيلية التي دارت حول الأحداث الرئيسية لحرب الإستنزاف تطابقت بما جاء في كتاب "حروب إسرائيل" الصادر عن معهد بحوث الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلي، والذي يكشف عن محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي ومنتدى هيئة الأركان العامة خلال حرب الإستنزاف التي تضمنت تصميم الإسرائيليين على عمل هجومي ضد القاهرة يشل القوات المسلحة المصرية ويمنعاه من التخطيط لأي عملية عسكرية ضد إسرائيل لاسترداد شبه جزيرة سيناء. وأوضحت وثيقة أخرى أن مصر كانت مصدر قلق كبير أمام أعين صناع القرار في إسرائيل، وبالتالي عقدت جلسة طارئة في 25 ديسمبر 1969 كان الغرض الرئيسي منها منع الحرب إذا فشلت تل أبيب في تحقيق الهدوء على القناة، وذلك من خلال تعميق وتوسيع نطاق العمليات الجوية الإسرائيلية على أهداف عسكرية بالعمق المصري، وقال رئيس الأركان الإسرائيلي "حاييم بارليف" خلال الإجتماع، "إذا نجحنا في جلب الحرب داخل العمق المصري سيولد شعور لدى عامة الناس في مصر بالخوف وعدم خوض أي معركة ضد إسرائيل"، لكن الوثيقة أكدت أن إسرائيل لم تفهم في ذلك الوقت أن قصف عمق مصر سيحفز الدب الروسي ضدها. وفي يوم ال 7 من يناير عام 1970 نفذت تل أبيب الخطة التي وضعها بارليف بضرب العمق المصري، حيث نفذت طائرات مقاتلة من طراز "فانتوم" عدة عمليات حربية في عدد من المناطق العسكرية والمدنية بالقرب من القاهرة، وفي عدة مناطق بمدن الدلتا والقناة، وكان من أبرز تلك العمليات الجوية ضرب قاعدة عسكرية في جنوبالقاهرة بمنطقة "وادي حوف" بحلوان كانت تعد من أهم مناطق تخزين الصواريخ، ومناطق تدريب جوية بمدينة "أنشاص" شمال شرق العاصمة المصرية، وكانت تعد أيضا تلك المنطقة مقراً للقوات الخاصة، بالإضافة لضرب معسكر بمنطقة "التل الكبير" بالإسماعيلية شرق الدلتا. وأضافت الوثيقة أن عمليات القوات العسكرية الإسرائيلية تواصلت بلا هوادة بشكل ملحوظ حتى يوم 12 فبراير، حيث قامت طائرة "فانتوم" بقصف مخيم لعمال مدنيين بطريقة خاطئة، بسبب فشل أجهزة الملاحة بالطائرة، مما أدى لمقتل 70 عاملاً ووقوع عشرات الجرحى المدنيين. وأشارت إحدى الوثائق إلى أن تقديرات جولدا مائير وتقييمات السلطات الأمريكية من التورط السوفياتي في النزاع بين مصر وإسرائيل كانت تقديرات خاطئة، حيث أوضح الأمريكيون أنه لا نستطيع أن نؤكد بالضبط دخول "الدب الكبير" في المعادلة العسكرية. ولم تتردد جولدا مائير في التعبير عن مخاوفها من مشاركة السلاح الروسي في القتال، أو أنها سوف ترسل طيارين لتدريب المصريين، قائلة: "أنا لا أخجل أن أقول أنني أخشى من الروس". وكان هناك احتمال إسرائيلي من استجابة السوفيت لتقديم مساعدات عسكرية لمصر لمواجهة القصف الإسرائيلي الكبير، حيث تم اختباره مرارا وتكرارا خلال المناقشات التي جرت في هيئة الأركان العامة والحكومة الإسرائيلية موافقة الإتحاد السوفيتي إمداد مصر بصواريخ لمواجهة قنابل العمق الإسرائيلية، وفي الوقت الذي كانت تقيم فيه كل من إسرائيل والولايات المتحدة الموقف بموسكو، حدث في ال 5 من يناير 1970 جدل حاد في هيئة الأركان العامة، بعد أن أكد جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلي أن الروس سيمدون مصر بصواريخ "أرض – جو" المتطورة من طراز "سام 3". وكان السؤال الهام الذي تداول بين القادة الإسرائيليين هو هل سيمد الروس تلك الصواريخ المتطورة لمصر؟، وفي جلسة استماع بمقر قيادة الجيش الإسرائيلي بتل أبيب في مطلع شهر فبراير 1970 قدم رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة إنذاراً سوفيتياً إلى إسرائيل جاء فيه "سيكون من حق الدول العربية امتلاك وسيلة تمكنهم من صد الإعتداءات الإسرائيلية المتعجرفة ضد المدنيين بشكل صحيح"، وأضح رئيس هيئة المخابرات الإسرائيلية أن هذا الأمر بحثه عبد الناصر خلال زيارته لموسكو، مضيفا أنه لا يمكن القول بالضبط ما إذا كان الروس سيوافقون على طلب عبد الناصر. كان ليل 8 غشت 1970 درامياً للغاية، وكان هذا اليوم قبل يوم من وقف إطلاق النار على الجانبين، وسرعان ما اتضح أن هدف مصر من الموافقة على وقف إطلاق النار هو التمويه لتعزيز نشر بطاريات الصواريخ الروسية على طول القناة على مسافة 50 كيلومتراً من القناة. وأكدت الوثائق المصرية أن وقف إطلاق النار من جانب مصر جاء في سياق غش المصريين للإسرائيليين لاستئناف الحرب فيما تحت رعاية مظلة الصواريخ الروسية التي بدأ تدشينها في 10 أغسطس 1970، وقالت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية ورئيس جهاز الإستخبارات العسكرية، "إن الصور الفوتوغرافية التي التقطتها أمريكا عبر أقمارها الصناعية، أوضحت بأن مجموعة كبيرة من الصواريخ دشنها المصريون في الأمام، وبلغت من 16 إلى 18 بطارية تحت قيادة وإشراف روسي كامل". وأضاف رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية: "يبدو أن الأمر كان مخططاً له قبل وقت كاف للإستفادة من الوضع الهادئ بعد اتفاق وقف إطلاق النار". وأوضحت إحدى الوثائق أيضا أن مصر كان لديها في وقت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مجموعة من كتائب صواريخ الدفاع الجوي وصل عددها لحوالي 87 كتيبة منها 62 كتيبة صواريخ "سام 2" و25 كتيبة "سام 3".