ظل القضاء دائما محط انتقادات شديدة في المغرب، حيث تتصاعد باستمرار الأصوات المطالبة بإصلاحه، لكونه أضحى واحدا من القطاعات، التي تعرف انتشار بؤر الفساد. وبما أن جمعيات مدنية وحقوقية سبق لها أن اعدت مذكرات مشتركة في هذا الشأن، لم تجد جمعيات إصلاح القضاء صعوبة في إعداد مقترحاتها، التي تقدمت بها، الثلاثاء، إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، حتى تؤخذ بالاعتبار في التعديلات المرتقبة. وقال مصطفى الرميد، محامي بهيئة الدار البيضاء، إن "إصلاح القضاء يمثل معضلة كبرى، باعتبار أن هذا القطاع مدخل أساسي لإصلاح عموم الأوضاع، والمؤسسات، والاختلالات". وأضاف مصطفى الرميد، في تصريح ل "إيلاف"، "لقد تبين أن هذا الإصلاح يتطلب إرادة حقيقية لتجاوز الوضع الحالي، في أفق وضع قضاء مستقل، ونزيه، وفعال"، مشيرا إلى أن "استقلال القضاء إنما يقصد به أن لا يصبح خاضعا لأي تأثير كيفما كان نوعه، خاصة التأثير الذي يعانيه حاليا، وهو تأثير السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل". لذلك، يوضح المحامي بهيئة الدارالبيضاء، فإن "مقترحات الأحزاب السياسية والنسيج الحقوقي تذهب إلى عدم تمثيل السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل في المؤسسة التي يفترض أنها هي المعنية بالشأن الوظيفي للقضاة، والتي تسمى حاليا المجلس الأعلى للقضاء"، مبرزا أن "هناك اقتراحات لتسميات جديدة". غير أن هذا المقترح وحده لن يحل المشكل، حسب الرميد، الذي يرأس أيضا منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إذ أشار إلى احتمال "السقوط في نوع من العلاقات المبنية على الزبونية، التي قد تؤثر على المستوى الثاني المطلوب في الإصلاح، وهو النزاهة". وذكر مصطفى الرميد أن "هناك اقتراحات متنوعة، منها أن يصبح ما يسمى حاليا بالمجلس الأعلى للقضاء متكونا من عضوية شخصيات معلومة النزاهة، والاستقامة، والاستقلال، وهي لا تنتمي إلى عالم القضاة"، وزاد قائلا "مع ذلك، فإن الموضوع في غاية التعقيد، خاصة من حيث ضمان النزاهة، التي هي في النهاية قمة الممارسة الأخلاقية، والتي لا تتوفر في الكثير من الناس داخل فضاء القضاء وغيره". واعتبر القيادي في العدالة والتنمية أن "النزاهة أيضا يتعين تحصينها بأوضاع مادية مريحة، ولذلك لا بد من إعادة النظر في توظيف القضاة، وفي أوضاعهم المادية بما يؤهل إلى توفر الشطر الأخلاقي، بشكل واضح، في رجال ونساء القضاء، وأيضا يتعين على الدولة والمجتمع التضحية كثيرا لفائدة هؤلاء الرجال والنساء من أجل تحصينهم الحصانة الشاملة حتى لا يحتاجون إلى أن يمدوا أيديهم". وفي هذا الصدد، يؤكد الناشط السياسي والحقوقي، "سبق لنا أن اقترحنا أن يصبح الانتماء إلى القضاء حصرا على من يكون قد قضى، على الأقل، مدة 10 سنوات، في إحدى المهن التي تنتمي إلى أسرة المهن القضائية، سواء تعلق الأمر بالمحاماة، أو التوثيق، أو العدالة، أو الشرطة، أو غيرها من المهن، التي يتبين من خلال ممارستها أن الشخص المعني بالانتماء إلى القضاء، على جانب كبير من النزاهة، والاستقامة، وبإمكانه أن يتحمل هذه المسؤولية الجسيمة باقتدار وأخلاق رفيعة". يشار إلى أن جمعيات إصلاح القضاء تقدمت بمجموعة من المقترحات، منها دسترة استقلال القضاء واستقلالية القضاة، وأن يكون للقضاء سلطة لها مكانتها الخاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضمان فصل السلط، إلى جانب مجموعة من المقترحات الأخرى.