كانت الجلسات التي عقدها ممثلو وزارة العدل، ابتداء من شهر أبريل الماضي، مع الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية والنقابات، مناسبة لتقديم رؤية هذه الأخيرة لإصلاح قطاع ظل، ولسنوات عدة، متهما بالبعد عن تحقيق الغايات المتوخاة منه في إقامة العدل النزيه الضامن لحقوق المواطنين. فيما يبدو، أنه نهاية لمسار ورش إصلاح القضاء، الذي كان قد أطلقه وريث الحسن الثاني، في خطابه في مارس2007، لدى افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية للبرلمان، يبدأ وزير العدل الاتحادي عبد الواحد الراضي، في الأيام المقبلة، استشاراته واتصالاته مع الوزارات المعنية بإصلاح القضاء وعلى رأسها وزارة الداخلية والاقتصاد والمالية، وتحديث القطاعات العامة، والأمانة العامة للحكومة. وتأتي هذه الاستشارات في وقت كانت قد فتحت فيه وزارة العدل باعتبارها الوزارة المؤتمنة من أعلى سلطة في البلاد على ورش إصلاح القضاء ، باب المشاورات مع ما يربو عن 80 جمعية ومنظمة ومؤسسة وحزب، بدءا من المجلس الأعلى للقضاء والودادية الحسنية للقضاة، وهيئة المحامين بالمغرب، والأحزاب السياسية والنقابات، ومرورا بالجمعيات الحقوقية ونقابة موظفي العدل والشرطة القضائية، وانتهاء بلجنتي العدل والتشريع بمجلسي النواب والمستشارين. وكانت الجلسات التي عقدها ممثلو وزارة العدل، ابتداء من شهر أبريل الماضي، مع الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية والنقابات، مناسبة لتقديم رؤية هذه الأخيرة لإصلاح قطاع ظل، ولسنوات عدة، متهما بالبعد عن تحقيق الغايات المتوخاة منه في إقامة العدل النزيه الضامن لحقوق المواطنين. وبالنسبة إلى عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، إحدى الجمعيات العشر التي وقعت في 6 أبريل الماضي على مذكرة «إصلاح القضاء بالمغرب»، فإن المسار الذي اتخذته الاتصالات والمشاورات بين وزارة عبد الواحد الراضي والجمعيات الحقوقية والأحزاب على وجه الخصوص، حول ورش إصلاح القضاء، كان «غير مسبوق، إذ لم يسبق لوزارة العدل أن فتحت باب التشاور كما كان الأمر بمناسبة إعداد مشروع خطة عمل لإصلاح القضاء». غير أن الارتياح الذي أبداه النويضي بخصوص المشاورات التي فتحتها وزارة العدل مع الجمعيات والمؤسسات ذات الصلة، لم يمنعه من إبداء تخوفه من أن تؤثر تدخلات بعض الوزارات على مسار إصلاح الجهاز القضائي: «بطبيعة الحال نتفهم أن وزارة العدل ليست هي الفاعل الوحيد في إصلاح القضاء ولو كانت وحدها لهان الأمر، ولكن الأمر يتعلق بوجهة نظر فاعلين آخرين خاصة الجهاز الحكومي ممثلا في الأمانة العامة للحكومة، والوزارة الأولى، ووزارة الداخلية، فهناك بعض الوزارات التي لا تسهم في تعميق الإصلاح»، مطالبا وزارة العدل بالاستمرار في التشاور مع الهيئات الحقوقية أثناء الإعداد لمشروع الإصلاح القضائي المفصل. من جهته، اعتبر عبد اللطيف الحاتمي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، أن المشاورات التي أجرتها وزارة العدل مع ممثلي الجمعيات العشر الموقعة على مذكرة «إصلاح القضاء» أسهمت بشكل كبير في تضمين الخطوط العريضة لرؤيتها الإصلاحية وترجمة توجهاتها بهذا الخصوص، وهو ما ظهر جليا من خلال مضامين الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة الملك والشعب، مشيرا إلى أن مطلبا كمطلب «إزاحة وزير العدل عن منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء باعتباره جزءا من السلطة التنفيذية»، تم الأخذ به من خلال ما دعا إليه خطاب الملك محمد السادس من إيلاء المجلس الأعلى للقضاء المكانة الجديرة به، كمؤسسة دستورية قائمة الذات، وتخويله، حصريا، الصلاحيات اللازمة، لتدبير المسار المهني للقضاة. وهو ما يشكل، بحسب الحاتمي، خطوة أولى نحو تحقيق استقلال القضاء وإبعاد تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه. وبينما كانت الجمعيات العشر قد وجهت مذكرة مشتركة إلى الملك تطالبه فيها بإدخال إصلاحات شاملة على القضاء، تهم بالأساس، استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وإصلاح نظام المحكمة العسكرية ومنح المجلس الأعلى للقضاء سلطة تقريرية وتتبع ممتلكات القضاة، وسن قانون لحماية الشهود والمبلغين عن الفساد، عملت الأحزاب السياسية بعد فتح المشاورات معها على صياغة رؤيتها الخاصة لإصلاح القضاء، الذي «يعد أحد أهم أوراش الإصلاحات في مغرب العهد الجديد»، ضمنتها مذكرات بعثت بها إلى وزارة العدل. ومن جانبه، أشار مصطفى الرميد، المحامي وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى أنه يتعين التريث قبل الحكم على مسار التشاور الذي باشرته وزارة عبد الواحد الراضي مع الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمنظمات المهتمة بإصلاح القضاء المغربي، وقال في تصريحات ل«المساء»: «قيام وزارة العدل بمشاورات واسعة مع الأحزاب والجمعيات والوزارات المعنية بالإصلاح، خطوة منهجية مهمة، لكن بالنظر إلى أن الأمور ما زالت غير واضحة، فإننا نفضل التريث في إصدار أي موقف إلى حين الكشف عن الاقتراحات التي قدمتها الوزارة إلى الملك». وقال الرميد، الذي كان قد قدم رفقة الأمين العام عبد الإله بنكيران ونائبه عبد الله باها تصور الحزب عن الإصلاح، خلال لقائهم وزير العدل ومساعديه: «صحيح أنه تم التعبير وإلى حدود اللحظة، عن وجود إرادة واضحة من أجل إصلاح القضاء، لكن من السابق لأوانه أن نحكم على مجريات الأمور»، مضيفا في تصريحاته: «دعونا ننتظر ما ستسفر عنه هذه المشاورات، وإن كنت غير متفائل كثيرا بهذا الخصوص، على اعتبار أن موضوع إصلاح القضاء هو موضوع شائك وجد معقد ويتطلب إرادة قوية جدا للخروج إلى فضاء القضاء المستقل والنزيه مع ما يعنيه ذلك من تكلفة في ما يخص علاقة مؤسسة القضاء بالدولة»، مشيرا إلى أن الأسئلة التي يتعين طرحها حاليا هي: هل الدولة مستعدة لرفع يدها عن القضاء ليمارس مهامه بكل استقلالية؟ وهل القضاة قادرون على ممارسة استقلاليتهم بنزاهة ومسؤولية؟