المائدة المستديرة التي نظمتها بلدية كلميمة يوم السبت 26 فبراير 2011 بتنسيق مع شبكة الجمعيات التنموية للجنوب الشرقي في موضوع الحكامة الجيدة و تدبير الشأن المحلي عرفت أحداثا ظاهرها البراءة و خدمة الشأن المحلي و باطنها خدمة أجندة سياسية معينة . المائدة المستديرة كانت عبارة عن مسرحية سياسية تفنن مخرجوها في توزيع الأدوار على الممثلين بشكل يخدم الرسالة المراد إيصالها إلى الرأي العام و هو أن بلدية كلميمة تهتم بالحكامة و تشرك المجتمع المدني في النقاش حولها في وقت لا يفصلنا عن الحساب الإداري إلا يوم واحد . هناك من الممثلين من كان واعيا بالدور الذي أنيط به و هناك من انطلت عليه الحيلة و لعب دور الكومبارس من حيث لا يدري .
من مظاهر الحكامة الجيدة في الطاولة المستديرة أنها لم تبدأ إلا بعد مرور ساعة عن موعدها الأصلي مما اضطر مدراء المؤسسات التعليمية بمركز كلميمة إلى الانسحاب الجماعي على الساعة التاسعة و النصف احتجاجا على عدم احترام التوقيت. و بعد وصول أعضاء شبكة الجمعيات التنموية ابتدأ اللقاء على الساعة العاشرة بسحب مداخلة الشبكة المبرمجة في اللقاء بحجة ربح الوقت رغم أن هذا المبرر غير مستساغ في الموائد المستديرة , فوجد الحاضرون أنفسهم في مائدة مستديرة بمداخلة واحدة و هي مداخلة رئيس لجنة التنمية البشرية ببلدية كلميمة التي كانت مغرقة في الجانب النظري المستهلك من أدبيات الحكامة و هنا تتجلى قمة الحكامة و النقاش الديمقراطي .
الملفت للنظر في الوجوه التي حضرت النقاش هو الحضور المكثف لموظفي و منتخبي البلدية الذين ساهموا بدورهم في النقاش المدرسي الذي طبع أشغال اللقاء إلى حد أن احدهم اعتبر الدستور المغربي أحسن دستور في العالم و ربما على وزن المغرب أجمل بلد في العالم . مداخلتي تركزت على التحفظ على الطريقة التي تم بها التحضير للمائدة حيث أن الملصق الخاص بها الذي أعدته الشبكة لا يحمل تاريخ و مكان اللقاء كما جرت عليه العادة في الدورات التكوينية أو الموائد المستديرة مما يوحي بأنه ملصق قديم يمكن استعماله في كل وقت و حين و هذه قمة الاستغفال من الذين يظنون أننا ما زلنا نتعلم أبجديات العمل الجمعوي . بالإضافة إلى ذلك قدمت ملاحظة مفادها أن الوجوه التي حضرت اللقاء لا تعكس التعددية الجمعوية و السياسية و النقابية التي تعرفها بلدية كلميمة . ثم تساءلت عن جدوى هذا اللقاء إذا كانت التوصيات الثلاثة عشر التي تمت المصادقة عليها في اليوم الدراسي بعنوان الواحة و راحة الإنسان بيئيا و صحيا الذي عقدته البلدية في 13 فبراير 2010 غير منفذة و لم يتم التداول بشأنها من طرف المجلس لنحس بأننا كجمعيات يؤخذ باقتراحاتنا(1) .
و أثناء مداخلة مدير الشبكة رد على مجموعة من الملاحظات التي أثارتها المداخلات بخصوص الشبكة لكنه نصب نفسه من حيث لا يدري ناطقا رسميا باسم البلدية و بدأ يرد على المداخلات التي تخص المجلس البلدي في هذه الأثناء طلبت من المسير, الذي هو عضو في الشبكة, نقطة توجيهية فانتفض بعض موظفي البلدية طالبين مني أن اترك مدير الشبكة ليكمل مداخلته فأصررت على طلبي و لما رفض المسير قلت له ما دام أن المائدة المستديرة فيها ثلاثة مسيرين فإنني انسحب من اللقاء لعدم توفر شروط النقاش الديمقراطي .
هذا هو سبب انسحابي من اللقاء , عكس ما جاء في تغطية احد المواقع الالكترونية التي اعتبرت انسحابي وصمة عار, و لو كان هناك تسيير ديمقراطي لأخذت النقطة التوجيهية لأقول لمدير الشبكة من حقك أن ترد على الملاحظات المتعلقة بالشبكة لكن ليس من حقك أن تتحدث باسم البلدية و تجيب على المداخلات المتعلقة بالبلدية خصوصا مداخلة رئيس لجنة التعمير بالبلدية الذي صوت فيما بعد ضد الحساب الإداري .و بذلك فا ن انسحابي وصمة عار في جبين من كان يظن أنني يمكن أن العب دور الكومبارس في مشهد أحسسنا فيه منذ البداية انه ليس بريئا و انه كان في الأصل لقاء ملغما قبل أن تحمل مداخلاته رسائل ملغمة .
لقد اتضح بالملموس أن تعامل مسؤولي البلدية , و مسؤولي معظم الجماعات ,مع الفاعلين الجمعويين يطغى عليه الطابع الموسمي و الانتهازي و كان الجمعيات لا تصلح إلا للعب دور الكومبارس في مسرحيات سياسة عنوانها المصادقة السريالية على الحسابات الإدارية التي لا تعني براءة إخوة يوسف من دم المال العام و لا تعني كذلك أن الأغلبية المصادقة محكمة مالية ما دام أن المجلس الجهوي للحسابات هو المحكمة المالية المؤهلة للحكم ببراءة كل رئيس من التلاعب بالمال العام . و ما دامت الذكرى تنفع الناسين فان الحسابات الإدارية المصادق عليها في المجلس البلدي السابق لم تمنع بعض مسيريه من الدخول في دوامة المحاكم.
إذن في زمن الإصلاحات الدستورية لم يبقى مكان في مشهد تسيير الشأن العام للذين يريدون ان يلعبوا دور الكومبارس ولا للذين يريدون ان يبيعوا أقلامهم و ضمائرهم ولو على حساب مستقبل الوطن و مؤسساته . و في انتظار إحداث مجالس إقليمية للحسابات و إخضاع جميع الحسابات الإدارية للافتحاص بغض النظر عن مصادقة أو عدم مصادقة المجالس فان ضمائر كل الذين صوتوا على حسابات إدارية مشكوك سياسيا و أخلاقيا في نزاهتها لن ترتاح لأنهم يعرفون في قرارات أنفسهم أنهم صوتوا مكرهين لان سيف الشيكات مسلط على رقابهم و كل حساب إداري و المال العام بخير !!!! .
(1) انظر مقالنا ما مصير توصيات اليوم الدراسي حول الواحة المنعقد ببلدية كلميمة ؟على الرابط التالي http://faridighris.over-blog.com/article-59728430.html