تخلد ساكنة الجنوب الشرقي عموما وحفدة المجاهد عسو وبسلام خصوصا في شهر فبراير من كل سنة ذكرى معركة بوكافر الخالدة،وقد صادف تخليد هذه الملحمة لهذه السنة الذكرى78. تضمن برنامج هذه السنة الذي دام لثلاثة أيام فقرات متنوعة؛منها معرض للكتب و منتوجات نسوية محلية وتراثية،فضلا عن محاضرات لباحثين أجانب ومغاربة,انصبت كلها حول معركة بوكافر والظروف التاريخية المرتبطة بها، إضافة إلى عرض أفلام وثائقية عن المعركة،كما لم يغفل المنظمون الجانب الفني في تخليد هذه الذكرى؛حيث كانت ساكنة المنطقة في اليوم الثاني من برنامج الذكرى على موعد مع أمسية فنية،شارك في إحيائها مجموعة من شباب المنطقة الموهوبين الذين أعطوا الكثير للأغنية الأمازيغية الملتزمة,التي غنت للمقاومة ولقضايا وهموم ساكنة المنطقة من تهميش وإقصاء ،ولسان حالهم يقول "إذا كان أجدادنا قد قاوموا بالبندقية,فها نحن نناضل بالكلمة التي لا يقل أثرها و وقعها على النفوس من أثر الرصاص الذي أمطر به الأجداد أجساد ضباط وجنود الاستعمار وعملائه". إن المؤسف له حقا هو أن يطال النسيان والاقصاء هذا التاريخ العظيم الذي خطته قبائل أيت عطا بدمائها،وأن يكون مصير منطقة شاسعة من أقاليم؛تنغير،ورزازات،الرشيدية زاكورة،هو الاقصاء والتهميش على مختلف الأصعدة،ومن أمثلة ذلك أن منطقة ألنيف التي تشهد سنويا تخليد هذه الذكرى،والتي يفوق عدد سكانها خمسين ألف نسمة لا تتوفر على طبيب،كما أن الماء الصالح للشرب في الحقيقة ليس صالحا حتى للغسل،فلونه أقرب إلى مشروب غازي منه إلى الماء!! فهل هذا ما يستحقه أبناء المقاومون؟ لن أتحدث هنا عن مشاكل أقاليم الجنوب الشرقي وما تعانيه من تهميش لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات،وسأكتفي بطرح سؤال مهم هو؛ متى ستحظى هذه المنطقة بنصيبها من التنمية؟ ومتى سيعرف مسؤولونا أن هناك مغرب إسمه الجنوب الشرقي؟ ومتى تعتذر فرنسا لساكنة المنطقة باعتبارها مسؤولة تاريخيا عن جرائم الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية التي ارتكبتها في حق أبناء المنطقة؟ لقد سبق لي أن طرحت هذا السؤال على أحد مخرجي فيلم وثائقي حول بوكافر,وهو مغربي له علاقات مع جنود فرنسيين شاركوا في المعركة،وطلبت منه أن يستغل علاقاته تلك لدفع السلطات الفرنسية لتقديم اعتذار رسمي على جرائمها البشعة التي لم تستثني رجلا و لا طفلا ولا امرأة ولا بهيمة. نفس السؤال طرحه أحد الحضور على الباحث الفرنسي دجون لويس دوكلو الذي ألقى محاضرة عن بوكافر بمناسبة الذكرى 78،وقد كان جواب الفرنسي بدارجة مغربية ركيكة:"اللي فات مات" ! ! إذا كان جواب الفرنسي صحيحا إلى حد ما،باعتبار قبائل أيت عطا قبائل مسالمة ومسامحة،وباعتبار التسامح خير وسيلة للانتقام،إلا أنه مخطيء عندما يعتبر أن كل ما فات مات،وإلا فما أهمية تخليد ذكرى هذه المعركة أصلا,إذا كان كل ما فات مات حسب زعم الباحث الفرنسي؟ بل ما أهمية دراسة التاريخ إذا كان كل ما فات مات؟ وإذا كان كل ما فات مات,فماذا ستخسر فرنسا لو اعتذرت لساكنة المنطقة؟ أسئلة وأخرى تبقى معلقة إلى أجل غير مسمى،وتهميش وإقصاء مستمرين إلى أجل غير معلوم،خصوصا وأن سكان المنطقة لايطالبون بتعويضات مادية كما هو الحال بالنسبة لمجموعة من المناطق،ولا يستفيدون من بطائق المحاربين القدامى ولا من بعض ''الامتيازات'' التي تمنح لهؤلاء،بل التعويض ينبغي أن يكون برفع الاقصاء والتهميش عن هذه المناطق،علما أن باطنها يزخر بثروات طبيعية هائلة،أما سطحها فواحات نخيل يتهددها الجفاف لغياب السدود والمشاريع المائية الكبرى،إذ يبقى إنشاء سد على واد الرك حلما يراود ساكنة منطقة ألنيف منذ زمن بعيد،فضلا عن رفع العزلة عن مجموعة من المداشر والقرى؛بتعبيد الطرق.أما الامكانيات السياحية للمنطقة التي هجر أغلب شبابها إلى ما وراء البحار,فلا تقل أهمية.فمتى تصبح هذه المشاريع والأحلام التي تراود أبناء المجاهد عسو وبسلام وزايد أوحماد منذ أمد بعيد حقيقة واقعة؟