جريدة الشرق الاوسط أزيلال (المغرب): الحسين إدريسي تضاعفت أعداد الذئاب في السنوات الأخيرة في جبال الأطلس بالمغرب، وبخاصة في منطقة الأطلس المتوسط، وأصبحت هذه الذئاب أكثر جرأة وأشد شراسة في مهاجمة قطعان الماشية. مما شجع على تكاثر الذئاب كونها وجدت الظروف المناسبة لذلك، منذ تفجيرات الدارالبيضاء التي وقعت في مايو (أيار) 2003، ولعل من المفارقات النادرة أن يكون لتكاثر الذئاب في منطقة جبال الأطلس المغربية علاقة بقضية محاربة الإرهاب. الواقع أنه عقب التفجيرات التي استهدفت مواقع سياحية في الدارالبيضاء، طرح مشروع قانون ضد الإرهاب في البرلمان، وجرى إقرار القانون بسرعة بسبب تداعيات التفجيرات، من دون أن ترافقه حملات لشرح مضمونه. وهو أمر صاحبه سوء فهم، إذ تصور كل من يملك بندقية صيد، وبخاصة في المناطق الجبلية، أنه سيقع تحت طائلة نصوص ذلك القانون. ونتيجة لهذا الخوف بدأ مزارعون وصيادون في الأطلس المتوسط بتسليم بنادق الصيد التي كانت في حوزاتهم للسلطات. وكان آخر من سلم بنادقه من هواة الصيد والقنص مجموعة من جماعة «تاكلفت»، في إقليم أزيلال، في أعلى قمم جبال الأطلس، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي. بل ومنهم من أصدرت المحكمة العسكرية في الرباط بحقهم أحكاما بالسجن مع وقف التنفيذ وغرامات مالية لأسباب شكلية.. مثل التأخر في تجديد رخص القنص والصيد. كثيرون ممن كانوا يملكون بنادق صيد سارعوا إلى تسليمها قبل أن يتلقوا تفسيرات من رجال الدرك الملكي، تفاديا لأي متابعة. ونجم عن هذا الوضع تكاثر الذئاب الرمادية في منطقة الأطلس المتوسط، لأن وسيلة القضاء عليها، أي بنادق الصيد، ما عادت قيد التداول أو الاستعمال. وليست الذئاب وحدها من استفاد من تجريد القرويين وسكان الجبال من بنادق صيدهم نتيجة لقانون مكافحة الإرهاب، بل أدت هذه الظروف إلى تكاثر الحيوانات البرية غير الأليفة الأخرى، مثل الأرانب البرية والحجل وغيرها من الطرائد التي يبحث عنها الصيادون في الأوقات المسموح فيها بالقنص، خصوصا في منطقة أزيلال الجبلية، وهي منطقة يقصدها السياح الهولنديون، على وجه الخصوص، وذلك لأن سكان أراضي هولندا المنخفضة لا مجال أمامهم لمشاهدة الجبال والاستمتاع بها إلا خارج وطنهم. اسم أزيلال بالأمازيغية يعني «الطريق» أو «طريق الجبل». والطابع الجبلي للمنطقة لا يسمح للسكان بتأسيس أي نشاط اقتصادي باستثناء ممارسة الزراعة التقليدية المطرية، بالإضافة إلى الرعي وتربية قطعان الغنم والماعز. وحقا، ما زال ثراء شخص ما يقاس في المنطقة بمساحة أراضيه المزروعة وعدد رؤوس القطيع الذي يملكه. وعندما لا يستطيع الفلاح أو المزارع مزاولة نشاط الرعي والزراعة يقال عنه إنه لم يعد يصلح لشيء. ثم إن الرعاة يرتبطون بأغنامهم ويطلقون تسميات معينة على شياههم المفضلة. والكلب الوفي في حراسته للقطيع يرقى ويصبح أفضل من الراعي الكسول، ويعد افتراس رأس القطيع في ثقافة سكان المنطقة مصيبة بكل المقاييس. من بين أكبر أصحاب الماشية في أزيلال، يذكر أهل المنطقة اسم الراحل محماد بوستة، وهو من قبيلة آيت سخمان، ولقد ورث عنه أبناؤه ثروة حيوانية تقدر بأكثر من ألف رأس من الأغنام والماعز. غير أنهم في المقابل، لم يحافظوا على بندقية أبيهم، التي سلموها، كغيرهم، للسلطة المحلية - أو «المخزن» كما تقول العامة - وبالتالي، تناقص عدد القطيع. إزاء هذا الوضع، عاد المزارعون والرعاة الذين يشكون من شراسة الذئاب، خصوصا الذئاب الرمادية التي توجد بكثرة في المنطقة، إلى استعمال الشراك - أو الفخاخ - للإيقاع بهذا الحيوان المفترس. إلا أن مستعملي هذه الشراك، قلما يفلحون في الإيقاع بالذئاب، لأنها خبرت كل هذه الأساليب. وكما يقول الرعاة في المنطقة: «لا يمسك بالذئب إلا الذئب».. وحتى عندما يتيسر الإمساك بالذئب، فإنه يستعمل ذكاءه الطبيعي للتخلص من الفخ الحديدي. ويروي أحد الرعاة أنه وجد ذات صباح باكر ذئبا رماديا وقد تخلص للتو من الفخ الذي نصبه له، وذلك بعدما قضم رجله التي علقت في الفخ وأكلها كي لا تعوق تخلصه من الشرك. ومن ثم تمكن الذئب من الهرب مؤقتا وهو «يعرج».. قبل أن يتعقب صاحب الفخ أثره، ومن ثم يجهز عليه برصاص بندقيته. وعندها أيقن الرجل أن الذئب التهم رجله لكي يتخلص من الشرك. ويروى سكان المنطقة إن ذئبا آخر سقط في الشرك، لكنه استطاع بقوته أن يقتلع الفخ ويجره برباطه ووتده لمسافة طويلة، ولكن من سوء طالع الذئب أنه ترك خلفه أثر الدماء وأثر الفخ المجرور على التراب، مما ساعد على تعقبه بسهولة، ثم إنه حوصر قرب منحدر جبل، وكان كلما اقترب منه متعقبوه - وهم 3 رجال - اتجه نحو الحافة الشاهقة للجرف. وعندما اعتقدوا أنه لن يفلت منهم وأنهم سيتمكنون من الإمساك به حيا، نظر إليهم بعينيه المشعتين، وقفز نحو الهاوية إلى مسافة 300 متر، مفضلا أن يموت منتحرا عند سفح الجبل على أن يقع في الأسر. إلى ذلك، جرت العادة عند القبض على الذئب في هذه المنطقة تكبيله وتكميم فمه، قبل تقديمه إلى للكلاب حيا، حيث تنقض على الذئب الأسير لكنها على الرغم من ذلك تجفل أمام أبسط حركة يقوم بها. ويشار إلى أن الأديب والشاعر الفرنسي الكبير لافونتين كان قد كتب حول حرص الذئاب على الحرية حكاية تقول: «إن ذئبا هزيلا صادف كلبا ضخما وجميلا فتودد إليه وسأله الصحبة فأشار عليه الكلب أن يكون معه حارسا لبعض الأغنياء حيث يحرسهم ويأكل ما لذ وطاب من فضلات طعامهم، ولكن فجأة لاحظ الذئب أن حول رقبة الكلب حيزا لا يوجد فيه شعر، فسأله: أين الشعر الذي حول رقبتك؟ فقال الكلب هذا محل الطوق الذي يقيدني به سيدي، فرد الذئب: إنني لا أرغب في التفريط في حريتي بمال الدنيا، وغادره مبتعدا».