هناك تشابه كبير بين الحالة التي يعيشها المجلس البلدي لتنجداد و الحالة التي كان يرزح تحتها المجلس الجماعي لمكارطو بإقليمالخميسات قبل حله من طرف الوزير الأول . فرفض الميزانية و تهديد مصالح الجماعة هو قاسمها المشترك,حيث أن مجلس مكارطو رفض ميزانية 2010 و مجلس تنجداد رفض ميزانية 2011 (1), و ما يعنيه ذلك من وقف تنفيذ مشاريع المخطط الجماعي للتنمية و ضياع لمصالح المواطنين بسبب حسابات سياسوية ضيقة تغلب المصالح الحزبية على المصلحة العامة للمواطنين . وزارة الداخلية الوصية على الجماعات المحلية, و استشعارا منها للنفق المسدود الذي وصله المجلس الجماعي لمكارطو و ما يمثله ذلك من تهديد لمصالح الجماعة , عملت على تطبيق مقتضيات المادة 25 من الميثاق الجماعي التي تنص على انه إذا كانت مصالح الجماعة مهددة لأسباب تمس بحسن سير المجلس الجماعي ,جاز حل المجلس بمرسوم معلل ينشر بالجريدة الرسمية , و استصدرت مرسوما للوزير الأول يقضي بحل المجلس السالف الذكر . في هذا الصدد صدر بالجريدة الرسمية عدد 5908 بتاريخ 13 يناير 2011 مرسوم للسيد الوزير الأول رقم 2.10.588 بتاريخ 29 ديسمبر 2010 وقعه السيد وزير الداخلية بالعطف يقضي بحل مجلس جماعة مكارطو بإقليمالخميسات. و قد جاء في حيثيات تعليل مرسوم الحل و نظرا لعدم الاستقرار الذي يعرفه المجلس بسبب الخلافات بين أعضائه , رغم الاجتماعات التي عقدتها السلطة الإقليمية لتقريب وجهات النظر بينهم, و حيث أن هاته الوضعية ترتب عنها اضطراب في السير العادي للمرافق الجماعية و رفض مشروع الميزانية لسنة 2010 و للإضرار بمصالح المواطنين , هاته الوضعية كانت موضوع تقرير للمفتشية العامة للإدارة الترابية و السلطات الإقليمية, جاء حل المجلس تنفيذا للمادة 25 من الميثاق الجماعي.
الأخبار التي راجت مؤخرا حول اجتماع السيد عامل صاحب الجلالة على إقليمالرشيدية مع مكونات المجلس البلدي لتنجداد ,الذي يدور بدوره في حلقة مفرغة ليست في مصلحة مواطني بلدية تنجداد, تدعونا لنتساءل حول ذلك الاجتماع, الذي يحمل رسائل مشفرة للمكونات السياسية لبلدية تنجداد, الذي ربما يكون مقدمة لتطبيق المادة 25 على المجلس الجماعي الذي يعيش صراعا بقفازات حديدية بين الأقلية المسيرة للعدالة و التنمية و الأغلبية المعارضة للأصالة و المعاصرة ؟ و ما يرجح هذا الاحتمال أن بلدية تنجداد, بعد أن عاشت فصول رفض الميزانية لمرتين, ستعيش في دورة فبراير شوطا فريدا لرفض الحساب الإداري الذي يحال حسب المادة 71 من الميثاق الجماعي على المجلس الجهوي للحسابات لتطبيق مقتضيات المواد 143 و 144 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية , و بذلك ستدخل البلدية دوامة تدقيق الحسابات من طرف قضاة المحكمة المالية .
لكن الشيء الذي سيعقد الأمور أكثر هو إذا التجأ رئيس المجلس البلدي للمحكمة الإدارية للطعن في مقرر رفض الحساب الإداري, قبل إحالته على المجلس الجهوي بصفة تلقائية من طرف وزير الداخلية أو الوالي أو العامل أو بناء على طلب من الأمر بالصرف المعني أو من الطرف الرافض للحساب الإداري , إذا لم تستطع المعارضة تعليل رفضها للحساب الإداري كما فشلت سابقا في التعليل القانوني و الواقعي لرفض الميزانية, لأنه ليس من المنطقي قانونا أن يلزم الميثاق الجماعي الوزير الأول بتعليل مرسوم حل المجلس و نسمح للمجلس برفض الحساب الإداري بدون تعليل خصوصا و أن القانون رقم 03.01 بشان إلزام الإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية ألزم ,تحت طائلة عدم الشرعية,بتعليل القرارات الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني بالأمر و ذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية إلى اتخاذها . و هذا المبدأ تضمنته المادة 71 من الميثاق الجماعي السابق لثلاثة أكتوبر 2002 التي نصت على انه يدرس المجلس الجماعي الحساب الإداري المعروض عليه من طرف الرئيس . و يجب على المجلس تحت طائلة البطلان المقرر وفقا للشكليات المنصوص عليها في المادة 74 بعده,أن يعلل المقرر المتعلق برفض الحساب الإداري . و يشار صراحة في محضر المداولات إلى أسباب الرفض.
و هنا نتساءل لماذا تم التراجع عن هذا المبدأ المهم و تم حذف هذه الفقرة المهمة من المادة 71 من الميثاق الجماعي المعدل في 18 فبراير 2009 و خصوصا و أن القانون المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية السلبية صدر سنة 2003 ؟ أليس من المنطقي أن تحتفظ المادة 71 بمبدأ إلزامية تعليل رفض الحساب الإداري تحت طائلة البطلان , كمكتسب قانوني لرئيس المجلس بعد صدور نص صريح بإلزامية التعليل بعد ذلك و الذي أصبح قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها لتعلقها بالنظام العام ؟ ناهيك عن التمييز القانوني الذي وقع في حذف القراءة الثانية للحساب الإداري من الميثاق الجماعي و الإبقاء على قراءتين في الحساب الإداري لمجالس العمالات و الأقاليم و مجالس الجهات التي يعتبر فيها الوالي أو العامل آمرا بالصرف .
وضعية بلدية تنجداد تدعونا للتساؤل عن الأسباب التي جعلت الأقلية المسيرة للمجلس لم تمارس حقها في طلب الإبطال الإداري لمقرر رفض الميزانية لانعدام التعليل تطبيقا للمادة 74 من الميثاق , و لم تمارس حقها في الإبطال القضائي أمام المحكمة الإدارية ما دام رفض التصويت على الميزانية من القرارات السلبية التي اوجب القانون تعليلها تحت طائلة عدم الشرعية ؟ و هنا نصل إلى إشكالية عدم قدرة الأحزاب السياسية على تاطير منتخبيها و تكوينهم حول بعض الحقوق التي تضمنتها بعض القوانين للمنتخبين كالميثاق الجماعي , القانون المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية السلبية و القانون المحدث للمحاكم الإدارية . في هذا الصدد نتساءل ما هو دور المحامي في التاطير القانوني للمجلس ما دام هو المكلف بالدفاع عن مصالح الجماعة ؟
و إذا كان هدف المشرع من السكوت على حق المجلس في إقالة الرئيس(2) و عدم التنصيص عليه في الميثاق الجماعي هو الحفاظ على استقرار المجالس , فان فقدان الرئيس للأغلبية و عدم التصويت على الميزانية و تعطيل الجهاز التداولي للمجلس بالتصويت السلبي الممنهج ضد كل النقط التي يدرجها المكتب المسير في جداول أعمال الدورات يكرس حالة عدم الاستقرار التي جاء إلغاء الفصل السابع من ميثاق 78 لضمانها . و بالتالي تكون الوصاية في هاته الحالة ملزمة بإقالة المجلس و حله عبر تطبيق مقتضيات المادة 25 من الميثاق الجماعي .و بناء على ذلك فان إقالة الرئيس الفاقد للأغلبية أفضل من حل المجلس لان الإقالة ينتج عنها إعادة تشكيل المجلس بانقطاع الرئيس عن مزاولة مهامه في حين أن حل المجلس يؤدي إلى تعيين لجنة خاصة في أفق إعادة الانتخابات .
و هنا نتساءل أيضا أليس حريا بالمشرع في إطار حق المجلس في محاسبة الرئيس , حتى لا تتحول دورة الميزانية إلى محطة للإقالة المقنعة للرئيس الذي لا يمكنه أن يضمن الأغلبية لمدة ست سنوات , التنصيص في الميثاق على حق المجلس في إقالة الرئيس مع إلزامية تعليل مقرر الإقالة و الإشارة في محضر الدورة إلى الأسباب الواقعية و القانونية لذلك تحت طائلة البطلان و حق الرئيس المقال في اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في مقرر الإقالة وطلب وقف تنفيذ ذلك المقررالى حين بث المحكمة في طلب الإلغاء و إدخال هاته الدعوى في إطار القضاء الاستعجالي بقوة القانون ؟ و بذلك يكون القضاء الإداري هو الوسيلة الفعالة للحفاظ على استقرار المجالس , ما دام أن مقتضيات المادة 74 من الميثاق الجماعي المتعلقة بطلب الإبطال الإداري ليس لها أي معنى أمام وجود مسطرة الإبطال القضائي الواضحة المساطر و الآجال , بدل أن نحول الجماعات المحلية إلى نظام رئاسي و تبقى الديمقراطية المحلية و المنتخبين رهينة الاختيار بين رئيس محصن لمدة ست سنوات , بدون سند قانوني , حتى و لو كان بدون أغلبية و حتى لو أساء تسيير الجماعة و بين حل المجلس و كأننا نقول للمنتخبين ابقوا في الأغلبية و ساندوا الرئيس بدون قيد أو شرط و إلا سيتم حل المجلس و ما سيترتب عن ذلك من إعادة للانتخابات غير مضمونة النتائج .
(1) انظر مقالنا حرب المواقع السياسية ببلدية تنجداد و جلسة الحساب الإداري السابقة لأوانها على مدونتي على الرابط التالي : http://faridighris.over-blog.com/article-60805385.html (2) سنصدر قريبا مقالا تحت عنوان" لماذا سكت الميثاق الجماعي عن حق المجلس في إقالة الرئيس " سنبين فيه بالأدلة القانونية أن الميثاق الجماعي لم يمنع المجلس من إقالة الرئيس وانه لا يوجد أي نص صريح أو ضمني يمنع ذلك بدليل أن المادة 6 تنص على انه ينتخب أعضاء المكتب لمدة انتداب المجلس الجماعي , و هي حسب مدونة الانتخابات ست سنوات , و أعضاء المكتب هم الرئيس و النواب . فالمادة السادسة و مدونة الانتخابات تتحدث عن مدة انتداب المجلس و ليس عن مدة انتداب الرئيس . و حتى و لو افترضنا انه بناء على المادة السادسة لا يمكن إقالة الرئيس فان ذلك يعني كذلك عدم إمكانية إقالة النواب في حين أن الميثاق الجماعي يشرعن إقالة النواب رغم أنهم جزء من المكتب و ينتخبون لمدة انتداب المجلس .