دخلت فضيحة بناء نحو 700 محل تجاري بطريقة عشوائية في «سوق الصالحين» في سلا منعطفا حاسما، بعد أن شرعت الشرطة القضائية، مؤخرا، في الاستماع إلى عدد من التجار، بناء على تعليمات صادرة عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الرباط، بفتح تحقيق في الخروقات التي شابت عملية توزيع هذه المحلات. منذ نحو خمسة أشهر، تفجرت في مدينة سلا فضيحة بناء نحو 700 محل تجاري، «نبتت» كالفطر، دون تصميم ولا ترخيص ولا تجهيز، على أرض تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بعد أن عرفت عملية ترحيل 420 من تجار الدوار الجديد، في إطار إخلاء الوعاء العقاري لإنشاء مركز الصيانة ل«تراموي» الرباطوسلا، تلاعبات، عن طريق بيع المحلات بطرق ملتوية وبأثمنة تراوحت ما بين 16 و25 مليون سنتيم واستفادة أشخاص يؤكد عدد من التجار أنْ لا علاقة لهم بعملية الترحيل وأنهم استفادوا بعد أن حول مسؤولون وسماسرة عملية الترحيل إلى «مزاد علني» تم فيه بيع المحلات «لمن يدفع أكثر» ولبعض الذين تربطهم علاقة ببعض المنتخَبين ورجال السلطة. وقد استمعت الشرطة القضائية في الأسابيع الماضية إلى عشرات التجار، واللائحة مرشحة لأن تتسع وتشمل عددا من المسؤولين ممن لهم علاقة بهذا الملف الذي أثار الكثير من الجدل داخل المدينة ووجه ضربة قاضية لآمال السكان بإخراج مدينة سلا من المستنقع الذي تغرف فيه كل يوم، بعد أن تم التغاضي عن عملية بناء عشوائي تمت أمام «أعين» و«آذان» السلطة المحلية والمنتخَبين، وهو التحقيق الذي يأتي في ظل تطورات متسارعة عرفتها المدينة، بعد أن تم اعتقال عدد من المنتخَبين والمقاولين، الذين وجهت لهم تُهَم تتعلق بالتزوير وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ. وأكدت مصادر مطلعة على سير تحقيقات الشرطة القضائية ل«المساء» أن ما وقع في قيسارية «سوق الصالحين» هو «ملف ضخم وخطير يتطلب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة لمعاقبة المتورطين فيه، خاصة بعد أن تم «تفريخ» عشرات المحلات وبيعها لغير المستفيدين الحقيقيين، ما مكّن البعض من جني أرباح بالملايين»، مشيرة إلى أن التحقيق في هذا الموضوع من شأنه إنصاف التجار الذين صاروا متخوفين من أن يتحول موضوع القيسارية إلى «أداة» تستخدَم في الصراعات السياسية الدائرة بالمدينة، خاصة أن المنطقة ظلت توظَّف في كل محطة انتخابية كورقة لحصد المزيد من الأصوات، عن طريق توزيع الوعود الكاذبة، والتي لم يجنِ منها التجار سوى سور قصديري لم يحمِهم من الحرائق الغامضة التي تلتهم محلاتهم بين الفينة والأخرى. ودخلت الشرطة القضائية على الخط في هذا الملف، بعد أن رمى مجلس مدينة سلا بالكرة في ملعب عامل المدينة، مؤكدا أن المجلس لا يتوفر على إحصاء لعدد التجار الذين تتعين استفادتهم من المحلات وأن السلطة المحلية هي من تكفلت بعملية الإحصاء وأن الرقم الحقيقي موجود لديها، وهو ما كشف عنه في وقت سابق عمدة المدينة، نور الدين الأزرق، رغم أن نائبه جامع المعتصم أكد وجود خروقات شابت عملية توزيع المحلات، فيما التزمت العمالة الصمت إزاء ما يجري ولم تقم -إلى حد الآن- بأي إجراء من شأنه أن يكشف طبيعة التلاعبات التي طالت عملية توزيع المحلات. السماسرة يعلنون هدنة مؤقتة «يمكن نْشوف ليك مع الناس دْياولنا في المحلات المسدودة في الشطر الأول، ولكن غادي يْكلفك شوية».. بهذه العبارة، يكشف أحد السماسرة المعروفين بين تجار قيسارية «سوق الصالحين» في مقاطعة تابريكت في سلا عن إحدى طرق امتلاك دكان في القيسارية لكل راغب في ذلك، قبل أن يردف قائلا: «تْعطي التسبيق وتسنى الشطر الثاني.. دابا العينينْ مفتوحة علينا»، في إشارة إلى التحقيقات التي باشرتها الشرطة القضائية بناء على شكاية تَقدّم بها أحد التجار، وتتوفر «المساء» على نسخة منها، تضمنت طلبا للسلطات بفتح التحقيق في اتهامات بوجود خروقات وتلاعبات في عملية الاستفادة من المحلات التجارية، أبطالها رجال وأعوان سلطة ومستخدَمون في وكالة تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق وأمناء تجار القيسارية. في ال27 من فبراير الماضي، أقدمت السلطة المحلية على هدم محلات تجارية في «سوق الصالحين»، بعد أن تلقى تجار السوق (باعة الخشب، النجارون، الخياطون وباعة الأواني...) وعودا بأن يتسلموا محلات تجارية بديلة في موقع تجاري ممتاز، بيد أنه بعد مرور ثلاثة أشهر، سيفاجأ التجار بتسلمهم «محلات غير مناسبة للتجارة، فهي بعيدة عن السوق وغير متوفرة على أزقة، وبتحول القيسارية التي بنيت إلى مرتع للسمسرة»، حسب أحد التجار الذين كانوا قد وجهوا شكاية مستعجَلة لعامل سلا، لرفع الضرر الذي لحقهم. وعلى امتداد الأشهر التي تلت الانتهاء من عملية البناء، نشطت، حسب مصادر من القيسارية، «حركة» الاستفادة غير القانونية والتلاعب في الاستفادة من المحلات، من قِبَل سماسرة ومسؤولين، لفائدة غرباء وأقرباء المستفيدين. غير أن توجيه رسالة من وزارة الداخلية لعامل عمالة سلا، بعد أن تعالت أصوات التجار المحتجين على ما عرفته عملية الترحيل من خروقات، أدى إلى تجميد مؤقت لعملية «تفريخ» المحلات التجارية في القيسارية. وتشير المعطيات التي حصلت عليها «المساء» إلى أن المحلات المخصصة لتجار الدوار الجديد، والتي كانت طيلة الأشهر الماضية محل مضاربة وسمسرة، انتقل ثمنها من مليوني سنتيم في البداية إلى أزيد من 20 مليون سنتيم وإلى أن هناك -حاليا- العشرات من «الموعودين» بالاستفادة من الشطر الثاني من القيسارية، ينتظرون دورهم، بعد أن أدَّوْا مبالغ مالية كعربون. خروقات وتلاعبات بالجملة تكشف الشكاية، التي توصل بها الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف في الرباط، من نور الدين أملال، التاجر في القيسارية، بمعية مجموعة من التجار المتضررين، عن خروقات وتلاعبات عدة صاحبت عملية ترحيل تجار الدوار الجديد واستفادتهم من محلات تجارية، موجهة أصابع الاتهام في تلك الخروقات إلى الرئيس السابق للدائرة الحضرية، الذي رحل عن المدينة في إطار الحركة الانتقالية التي شملت رجال السلطة مؤخرا، وإلى قائد إحدى مقاطعات المدينة وإلى عون سلطة ومستخدَمَيْن يمثلان وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، بالإضافة إلى أمناء القيسارية الذين تحولوا إلى سماسرة. وتضمنت الشكاية لائحة بأسماء 17 شخصا تخص أشخاصا استفادوا من المحلات التجارية بطرق تدعو إلى طرح الكثير من التساؤلات، من بينهم عون سلطة في دائرة «حي الرحمة» استفاد من 4 محلات تجارية وسمسار استفاد من 11 محلا تجاريا وصاحب محل للأفرشة اقتنى مقر الزاوية التيجانية في المزاد العلني بمبلغ 310.000 درهم، فيما استفاد أمين أمناء القيسارية من أكثر من 10 محلات تجارية لفائدته ولفائدة ذويه، بيعت بعضها بالمزاد العلني، وحصل أحد التجار على محل تجاري تتعدى مساحته 200 متر مربع، بالرغم من أنه غير مؤهل للاستفادة، وما يزال يمتلك محلا تجاريا في الحي الصفيحي الدوار الجديد... كما تكشف الشكاية عن توفر عدد من المستفيدين على عدة محلات تجارية موصدة يتم بيعها في المزاد العلني، فيما تم بيع عدد منها إلى أشخاص من مدينة الدارالبيضاء ومناطق أخرى. وفيما يتهم أملال ومن معه السلطة المحلية ومستخدَمين في وكالة تهيئة ضفة أبي رقراق بتسخير أمناء القيسارية كسمسارة في عملية بيع المحلات التجارية، نفى أحد المسؤولين في وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق «تورط» منتمين إلى الوكالة في الخروقات التي شابت عملية ترحيل قيسارية تجار الدوار الجديد، مشيرا في حديث إلى «المساء» إلى أن الحديث عن وجود شطر ثان للقيسارية لا أساس له من الصحة وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إشاعة يروجها عدد من السماسرة في المنطقة، من أجل حصد المزيد من الأموال من الراغبين في الاستفادة من محلات عشوائية. وإذا كان التجار المشتكون يؤكدون على وجود تلاعبات وخروقات في ما يخص الاستفادة من محلات تجارية، فإن مسؤولا في السلطة، تحفَّظ عن ذكر اسمه، أكد في اتصال مع «المساء» أن عملية الاستفادة من المحلات التجارية تمت بطريقة شفافة وقانونية، من خلال الاعتماد على إحصاء سابق للتجار، رابطا احتجاجات التجار برغبة العديد منهم في الاستفادة من محلات مخصصة لغيرهم، بحكم طبيعة النشاط التجاري الذي يزاولونه. وتلقي مصادر من المعارضة في مجلس مدينة سلا «كرة» الاتهام في حضن المسؤولين في مقاطعة تابريكت، في ما يخص ما وصفته بالفضيحة غير المسبوقة، التي وصل صداها إلى قبة البرلمان، بعد أن شكلت القيسارية موضوع إحاطة علما تقدم بها العمدة السابق لمدينة سلا، إدريس السنتيسي، طالب خلالها بفتح تحقيق في الموضوع وتنظيم زيارة برلمانية، على اعتبار أن رئيس المقاطعة يطلع على ملف التعمير على مستوى مجلس المدينة، ومن ثم فهو يتحمل جانبا من المسؤولية عن البناء العشوائي. الاتهام الصادر عن المعارضة مجانب للصواب، حسب عضو في مجلس مقاطعة تابريكت، فهذه الأخيرة لم تستشر في عملية ترحيل تجار الدوار الجديد، كما أن المسؤولية تقع على السلطات المحلية ووكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق وأمناء السوق، الذين اضطلعوا بمهمة إحصاء التجار المستفيدين، مشيرا إلى أن مجلس المقاطعة كان قد اقترح تحويل جزء من الوعاء العقاري في «سوق الصالحين»، إلى مركب تجاري. وفي الوقت الذي تصر الأطراف المتدخلة في عملية ترحيل تجار الدوار الجديد على دفع التهمة عنها، لا يستبعد متابعون لملف القسيارية العشوائية في «سوق الصالحين» في سلا أن تذهب التحقيقات التي تباشرها الشرطة القضائية حاليا إلى أبعد مدى وتُسقط الكثير من «الرؤوس» التي يثبت ضلوعها في تشجيع البناء العشوائي.