وزارة الصحة تشدد على قرار منع جميع التجارب السريرية الخاصة بتقييم نجاعة أدوية وعلاجات في غياب قانون منظم فجرت ياسمينة بادو، وزيرة الصحة، قنبلة من العيار الثقيل، حين حذرت، الأسبوع الماضي، أساتذة باحثين بكلية الطب والصيدلة بالبيضاء من مغبة تحويل مرضى إلى فئران تجارب بمبرر إجراء تجارب سريرية خارج المساطر التنظيمية والقانونية. وقالت بادو، التي كانت تتحدث، زوال الخميس الماضي، خلال الدورة العادية للمجلس الإداري للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، إن الموضوع يعتبر شبه منته بالنسبة إلى وزارة الصحة ولا مجال للتداول فيه من جديد في غياب قانون ينظم التجارب السريرية التي يخضع لها المرضى لتقييم بعض التدخلات العلاجية، أو الدوائية، أو الجراحية، أو نجاعة بعض الأغذية وإبداء خلاصات بشأنها. وأكدت وزيرة الصحة، بنبرة حاسمة، أن إدارة المركز الاستشفائي رفضت مقترحات بإجراء تجارب سريرية على مرضى، تقدم بها أستاذان بكلية الطلب والصيدلة بالبيضاء ذكرتهما بالاسم، وقالت إن أول دورة للمجلس الإداري بالمركز الاستشفائي ابن رشد حضرتها، مباشرة بعد تسلمها حقيبة الصحة، شهدت نقاشا صاخبا حول هذه النقطة (التي تخفي وراءها أرباحا تجارية كبيرة)، بعد اكتشاف حالات مرضى كان يتم "علاجهم" في مختبر بكلية الطب بالبيضاء، وتعبير "علاجهم" يأخذ، في هذا السياق، معنى خضوعهم إلى تجارب سريرية غير قانونية يتحول، أثناءها، المرضى إلى ما يشبه فئران تجارب. يذكر أن قانونا تنظيميا يؤطر التجارب السريرية بالمغرب يقترب من مراحل صياغته النهائية، من أجل فرض الضوابط القانونية الصارمة على هذه الممارسة الطبية المحفوفة بالمخاطر، طبيا وأخلاقيا وإنسانيا، إن استغلت من طرف البعض لأغراض تجارية، كما حدث، قبل أربع سنوات، حين تداولت الصحافة الوطنية فضيحة تحويل مرضى جناح طبي بالبيضاء إلى فئران لتجريب أدوية وعقاقير جديدة مصنعة بإحدى الدول الغربية، إذ تم الاتفاق بين الشركة المصنعة للدواء والمسؤولين عن الجناح على إخضاع بعض الأدوية للاختبار السريري لتقييم مفعولها وأعراضها الجانبية، قبل عرضها في الأسواق الدولية، مقابل عمولات مالية مغرية توصل بها هؤلاء المسؤولون. وليست المرة الأولى التي يتفجر فيها ملف التجارب السريرية وعلاقتها بالأخلاق والتجارة والقانون، فقد شكل هذا الموضوع، منذ سنوات، نقطة جدل صاخبة بين وزارة الصحة ومؤسساتها من جهة، وبين بعض الأساتذة الباحثين الحاملين لمشاريع تجارب سريرية من جهة ثانية، واللجان الأخلاقية للبحوث البيوطبية من جهة أخرى. وهكذا ظلت جل طلبات إجراء مثل هذه البحوث (148 طلبا توصلت بها اللجنة الأخلاقية للبحوث البيوطبية بالبيضاء ما بين 1988 و2004) تخضع للتدقيق الشديد، أو الرفض في أغلب الأحيان في ظل فراغ قانوني، عكس ممارسات طبية أخرى مثل التبرع بالأعضاء والأنسجة المؤطرة بقانون. وينطلق المدافعون عن التجارب السريرية بكليات الطب والصيدلة بالمغرب من قناعة إخضاع بعض الأدوية والعقاقير القديمة، أو الجديدة إلى التجربة على بعض المرضى المغاربة في محيطهم الخاص، وعدم الاكتفاء بخلاصات التجارب السريرية التي تقوم بها مختبرات دول أجنبية، نظرا للتعارض الذي يمكن أن يحصل بين النتائج، بينما تبدي وزارة الصحة تشددا، خوفا من تحويل التجارب عن مسارها العلمي وإعطاء فرصة لبعض عديمي الضمير من الأساتذة الباحثين لربط علاقات مشبوهة مع مختبرات لصناعة الأدوية لتجريب العقاقير الجديدة في أجساد المرضى، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من كوارث صحية.