في اليوم الواحد يَرِن هاتفي أكثر من مرة، الرقم مجهول، أرُدّ: ألُو، ألُو،ألُو .... أنا أسمعك، من معي؟ ألو... لا أحد يرد. لكنني أسمع صوتا مهموسا: تَنَفسٌ عميق، شهيق، و زفير. من يا ترى؟ أهي الحبيبة تتسلى بصوتي في صيغة الاستفهام، من معي؟ من على الخط؟ ربما الجواب نعم. لان الشهيق والزفير اللذين أسمعهما كأنهما لشخص يمارس الحب، لكن مع من؟ سؤال يحيرني أيكون الشخص الذي يهتف قد غرق في بحر الخيال، وحملت أمواج التسونامي العاتية مخيلتَه، وقذفت بها في فراش أبيض، في غرفة قليلة الضوء، مزينة بالورود الحمراء، والعطر الأخاذ يعبق منها، وموسيقى السنتِمُنْطَال الرومانسية؟ أكُلّ هذه الأمور دفعت بمخيلته إلى الرغبة في إشباع نهمه الجنسي عبر الهاتف؟ ... من؟ لا أعرف !!!! حبيبتي؟ هي لا تفهم سوى في السياسة. بالأمس التقينا في الجانب الخلفي من المقهى الذي ارتاده باستمرار. كان حديثنا عن قانون الأحزاب بالبلاد. الحزب الفلاني فعل، والحزب الفلاني لم يفعل، لكن ما أثار انتباهي لحظة احتسائي قهوتي وجود صحيفة بالطاولة المجاورة على صفحتها الأولى عنوان عريض: الشذوذ الجنسي. لكن ما علاقة هذا العنوان بحبيبتي، وبالشهيق والزفير اللذين سمعتهما في الهاتف؟ الشهيق والزفير لشخص شبقي، يتقن فعل الحب، ويتفنن في إخراج هذا الصوت حالة الرعشة الكبرى. حبيبتي لا تفهم في هذه الأمور. حبيبتي لا تنهل إلا من بحر السياسة، ومفرداته ومصطلحاته الغامضة. بحر الحب لا تعرف السباحة فيه. ولا تؤمن كما تقول بحب من طرف واحد، بحب لا يحمل نزق الثوار، ويضرب مثل الإعصار. لكن مرة أخرى من؟ أكيد أن من تتسلى عبر الهاتف بهذه الطريقة، سياسية محنكة، لكن بوجه آخر. لأنه وكما يقال للسياسة وجوه.