تحاول فرنسا استعادة مواقعها الثقافية واللغوية التي خسرتها في المغرب العربي؛ بتكثيف البث الفضائي نحو المنطقة،
وخاصة باللغة العربية، في منافسة واضحة مع "بي بي سي" العربية و"دويتش فيليه" الألمانية والمحطات الفضائية العربية. وفي سبيل هذا الهدف قررت باريس زيادة ساعات بث برامج قناة "فرنسا 24" الفضائية الناطقة بالعربية من 10ساعات حاليا إلى بث مستمر على مدى أربع وعشرين ساعة اعتبارا من 14 أكتوبر الجاري. ويُعتبر هذا البث موجها في الدرجة الأولى إلى سكان المغرب العربي بالنظر للمضمون وهوية المنتجين والمذيعين. وفي هذا الإطار استكملت مجموعة "كنال بلاس" الفرنسية هذه الأيام إجراءات إطلاق باقتها من القنوات الموجهة إلى المغرب العربي. وتقول التقارير الفرنسية: إن المجموعة تستهدف الوصول إلى 13 مليون أسرة في كل من الجزائر والمغرب وتونس، بينها 10 ملايين بيت مجهز حاليا بالدش. واستعدت المجموعة الفرنسية لهذا الاجتياح الثقافي واللغوي بالتوقيع على اتفاق مع عربسات يُتيح لها الانتشار دوليا من خلال فرعها CANAL OVERSEAS و"نشر الثقافة الفرنسية خارج حدود فرنسا". وعينت مندوبين لها في كل من الجزائر والمغرب وتونس باشروا بيع مفاتيح التشفير للمواطنين بسعر 24 دينارا (18 دولارا) للشهر الواحد. وتشمل الباقة التي تضم 35 قناة، المحطات الإخبارية "تي أف 1" و"أنتان 2" و"أف آر 3"، وقنوات منوعات ورياضة وسينما وثقافة. وبحسب صحيفة القدس يرى علماء اجتماع أن هذا الهجوم الناعم يشكل اختراقا ثقافيا إستراتيجيا سيُؤثر سلبا على نسبة مشاهدة القنوات العربية، التي لوحظ أنها باتت تجذب بمحتواها المهني الجيد النخب الفرانكفونية في المستعمرات الفرنسية السابقة في المنطقة، وهي: المغرب، والجزائر، وتونس، وموريتانيا. ويمكن القول إن هذا الاختراق الآتي من باريس يتكامل مع التحدي الآخر المتمثل بانتشار المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية الخاصة المحلية، التي تعتمد على المزاوجة بين العربية والفرنسية، والتي تسعى من خلال المسلسلات والبرامج الحوارية لاستقطاب مشاهدين على حساب القنوات الفضائية العربية. ففي تونس مثلا التي تُعتبر من أقل الدول المغاربية انفتاحا، هناك حاليا محطتان تتنافسان هما "حنا بعل" و"نسمة تي في" (التي تملك شركة تابعة لمجموعة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني 50 في المئة منها)، والثالثة في الطريق وهي "تي تي 1" التي حصلت على الترخيص. وكانت قناة "أفريكا 24" الإخبارية الفرنسية الموجهة للقارة الأفريقية فتحت رأس مالها العام الماضي لمساهمين من بلدان أفريقية بينها مصر والمغرب، في خطوة دلت على احتدام المنافسة بين القنوات الأجنبية لكسب ود المشاهدين العرب والأفارقة.