للموسم السابع على التوالي، تأبى زاكورة إلا أن تخرج من هامشها الجغرافي، لتتحول، وعلى مدى أربعة أيام، إلى مركز ثقافي، يستقطب صناع الفرجة السينمائية وعشاقها، مغاربة وأجانب، والمناسبة هي إطفاء هذه المدينة القصية، القابعة على تخوم الحلم، الجميلة بسكانها وفضاءاتها الصحراوية الفاتنة، الشمعة السابعة لفعاليات ملتقاها الدولي للفيلم عبر الصحراء. وهو ملتقى رفعت دورته، هذه السنة، حسب مديره محمد علي الهلالي، تحدي الاستمرارية والاحتراف. ولأن الملتقى راكم خبرة وتجربة مشهودا بهما، فقد جاء برنامج هذه الدورة متنوعا وغنيا، ما جعلها، وبشهادة الجميع، متميزة، تشكل طفرة في مسار هذا الملتقى... وما أضفى صفة التميز على هذه الدورة أنها كانت حبلى بالجديد، وأهمه أنها أضفت على العديد من فقراتها صبغة اجتماعية وتربوية، ذلك أنها لم تكتف بأن تنتشل سكان المنطقة وضيوفها من روتين اليومي، وتقديم فرجة أضحت، منذ سبعة أعوام، موعدا سنويا لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وخلق أجواء فرحة وسعادة، ولو لمدة أربعة أيام، كما أن المنظمين، لم يعودوا قانعين، كما في سالف الدورات، بتقديم العروض داخل فضاءات دار الثقافة وفي الهواء الطلق، وهي فضاءات شهدت توافدا مكثفا لجمهور المدينة، بل لقد تمكنوا من "فتح" فضاءات العديد من دور الطلبة والمؤسسات التعليمية بهذه المدينة والجماعات المحلية المتاخمة لها، وكل ذلك، حسب محمد علي الهلالي، مدير المهرجان، إيمانا منهم بأهمية انفتاح المؤسسات التربوية والتعليمية على محيطها الاجتماعي، من أجل المساهمة في دمج الوسائل السمعية البصرية في المنظومة التعليمية، باعتبارها وسيلة ناجعة في المنهاج الدراسي، وتعزيز ثقافة الصورة، وإكساب التلاميذ مهارات تفكيك اللغة السينمائية واستيعابها، وترسيخ السلوك المدني والحفز على الخلق والإبداع من أجل مؤسسات تربوية مندمجة ومتفاعلة ومنسجمة مع محيطها، وفق مقاربة تشاركية في تدبير الشأن التعليمي محليا، لصياغة وبلورة مفهوم جديد للعلاقة بين المدرسة والمجتمع، لتغدو علاقة تتكامل فيها مسؤولية الدولة ومنظمات المجتمع المدني... وقد تمت عمليات "الفتح" تلك من خلال تنظيم زيارات إلى هذه الفضاءات، قام بها ضيوف الملتقى بمن فيهم من فنانين ونقاد وصحفيين وفاعلين جمعويين... وهي زيارات استحسنها المستهدفون منها وخلفت صدى طيبا لديهم، بدليل حفاوة استقبال التلاميذ للزوار، إذ استقبلوهم بالتصفيق والهتاف وشعارات الترحيب... ما أتاح الفرصة أمام رواد هذه المؤسسات لمعانقة الأفلام وصورها، وامتطاء بساط الفن، والارتواء من معين المتعة والفائدة والجمال، متحدين بذلك، كل ما كوابح الإقصاء والبؤس والقبح والتيئيس... وتميز حفل اختتام هذه الدورة، التي نظمت ما بين 27 و30 ماي الماضي، بالإعلان عن نتائج مباراة السيناريو التي شكلت إحدى أهم فقرات هذه الدورة، التي أعلنت عنها لجنة دولية، ضمت أعضاء من أمريكا وكندا والمغرب، وأسفرت عن فوز الشاب محمد أيت العربي، وهو من زاكورة، بالجائزة الأولى عن سيناريو بعنوان "نعل أيوب" أما الجائزة الثانية ففاز بها المصري أحمد رشوان عن سيناريو بعنوان "تحت الرمال" في حين فاز المغربي عز الدين الوافي بالجائزة الثالثة عن سيناريو بعنوان "تانيت". كما حرصت اللجنة على التنويه بعملين اثنين لكل من المصرية سحر ضرغام والمغربية فاطمة مقداد. هذا، وتميزت الدورة أيضا باحتفائها بالسينما الأمريكية، إذ أتاحت الفرصة لسكان المدينة وضيوفها للاستمتاع بعدد من الأفلام الهوليوودية، وخاصة منها ذات البعد الصحراوي، كما تميزت بحضور نخبة من الفنانين والمبدعين والإعلاميين المغاربة والأجانب، من بينهم القيدومة فاطمة الركراكي ومحمد بن ابراهيم ولطيفة أحرار وعدنان ياسين وداوود اولاد السيد وحسن بن جلون ومحمد عهد بن سودة وهشام الوالي ومحمد عريوس ومحمد عاطفي وأحمد السجلماسي وعامر الشرقي ومحمد الكغاط... وتضمن برنامج هذه الدورة، إلى جانب ندوة "السينما والحقوق الثقافية"، وورشات تكوينية في قراءة الأفلام والتحليل الفيلمي وتكنولوجيات السمعي البصري الجديدة والمهن السينمائية وإدارة الممثلين، والأبعاد الثلاثة، استفاد منها عشرات الطلبة والتلاميذ، ونشطها مختصون في مجال الفن السابع...، (تضمن البرنامج) عرض ثلاثة عشر فيلما وزعت بين قاعة الثقافة والهواء الطلق والمؤسسات التعليمية، من بينها "لورنس العرب" و"هيدالكو" و"أريزونا" (أمريكا)، و"موسم المشاوشة" و"البراق" (المغرب)، و"انتهى وقت الإحتفال" لفريدريك شينياك من فرنسا، و"آخر فرسان الصحراء" (روسيا)، و"بصرة" (مصر)، و"نفس الصحراء" (سويسرا)، و"فندق الصحراء" (ألمانيا)... الدورة، التي تألق في تقديم حفلي افتتاحها واختتامها الشاعر الإعلامي ياسين عدنان والفنانة الرقيقة لطيفة أحرار، كانت أيضا فرصة عرضت خلالها العديد من الأفلام التربوية، خصوصا منها تلك التي توجهت أخيرا في مهرجان الفيلم التربوي بفاس... من كواليس الملتقى *احتجاج احتج المخرج المصري أحمد رشوان بشدة على قيام أحد التقنيين بتسريع مشهد تضمن قبلات بين بطل وبطلة فيلمه "بصرة"، ما خلف استياء وسط الحضور، وأربك قاعة العرض، وفرض على إدارة المهرجان الاعتذار له... *أحرار أبانت الفنانة لطيفة أحرار عن بساطة وشعبية استثنائيتين في التواصل مع سكان منطقة زاكورة، وخاصة منهم تلاميذ المؤسسات التعليمية ونزلاء دور الطلبة، وقد حاول الفنانون محمد بن ابراهيم وفاطمة الركراكي وعائشة مهماه... الاقتداء بها رغم ظروفهم الصحية. *نشرة استحسن المشاركون في الملتقى إصدار إدارته لنشرة باللغتين العربية والفرنسية، حاولت مواكبة فعالياته يوما بيوم، وقد أشرفت عليها مجموعة شباب نسق أعمالهم الأديب الشاب محمد العناز. *تحذير حذر المشاركون في ندوة "السينما والحقوق الثقافية" من عواقب جنوح الإنتاج السينمائي نحو التعبير عن قضايا الآخرين من منظور يكرس الدونية واحتقار ثقافة الآخر، بل اللجوء أحيانا إلى تزوير الحقائق، معتبرين أن توظيف السينما بهذا الشكل لا يخدم الثقافة التي هي ذات أهداف نبيلة. *اتفاقية بمناسبة الدورة السابعة للملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء، وقعت اتفاقية تعاون وشراكة بين "جمعية الملتقى" ونيابة وزارة التربية الوطنية بإقليم زاكورة، وذلك، قصد توفير إطار للعمل يتم بموجبه تشجيع تلامذة المؤسسات التعليمية بالإقليم على الاستئناس باللغة السمعية البصرية، وتحفيزهم على الإقبال على الاستمتاع بالفرجة السينمائية. علي بنساعود