كل يوم يدخل قصر الحمراء في غرناطة الأندلس نحو سبعة آلاف زائر ، يدفع كل واحد منهم 12 يورو لقاء الدخول كل يوم يدخل قصر الحمراء في غرناطة الأندلس نحو سبعة آلاف زائر ، يدفع كل واحد منهم 12 يورو لقاء الدخول ، وربما تصل في بعض الأحيان إلى 50 يورو في بعض المواسم أو في حالة الحجوز المسبقة على الأنترنت ، أو لمن أراد أن يدخل مناطق ليست مفتوحة للجميع ، لاسيما من أراد تصوير فيلم وثائقي فإن الأرقام تصل إلى آلاف الدولارات. ومن هذه الحسبة يعتبر قصر الحمراء واحدا من أكثر معالم الدنيا الأثرية إدرارا للدخل، وهذه الأرقام تزداد مع احتساب ما يقوم بدفعه السائح لقاء مكان للإقامة والطعام والشراء لأنه قادم لرؤية هذا القصر الأسطوري بالأساس.. وفي ما يخص الزيارة وترتيباتها الإدارية يكون مع كل فريق سياحي دليل للشرح لمن أراد ذلك، ومقابل مبلغ من المال، واللغة المعلوماتية تبدو مشتركة إلى حد كبير بين الشارحين ، ولا تخلو من كذب وتضليل ووضع للبهارات على الدسم ، ومبالغات في إدخال الجزء الفارغ من الكأس في ما يخص البناة العرب، والحكام ، مع أن هناك معلومات مهمة جدا ، لا تعرفها الا من خلالهم ، ومن الكذب على سبيل المثال تدخل المقارنة مع شجرة لعبد الله الصغير آخر خلفاء الأندلس زرعها بيده وكان كما يروي الدليل السياحي صديق لإحدى زوجاته يتسلق عليها للقائها كل ليلة ، وهي مقتبسة ربما من روميو وجوليت، وعند بداية الدخول الى القصر، يقول الشارح إن هذا الحمام أخذ من الحضارة الرومانية لأن العرب لم يكونوا يعرفون الاغتسال !!
كما أن كاتبا غربيا جلس في القصر مدة من الزمن وألف رواية تحكي عن الحب في الحمراء، ويرسم كل زاوية من القصر على أن لها قصة غرامية بين عاشق ومعشوق ، حتى انتشر خبرها ، وبدأ الناس في الغرب يأخذون بأيديهم تلك الرواية ويتجولون بها في القصر ليربطوا كلامها بالرؤية العينية، حتى أن القائمين على القصر وضعوا للكاتب ركنا خاصا لأنه قدم لهم مزيدا من الزبائن أو السياح .
أقام قادة الحروب الصليبية في وسط قصر الحمراء معلما تم بناؤه وفق فكر معماري غير منسجم تماما مع الطريقة الهندسة التي وضعت لهذا التكوين ، فمن إظهار الروعة الهندسية من خلال صغر حجم الزخارف والأعمدة والمبالغة في دقة القياس في قصر الحمراء ، إلى معلم منعزل بني لاستعرض القوة والغلبة ، ينفتح كله في دائرة عليها أعمدة موزعة دائريا تصلح كميدان جند أكثر منه موطن للمقام والتداول والحكم، وأهل غرناطة في غالبهم يتمنون لو أنه لم يبن .علما أن أحدا من قادة الحروب الصليبية لم يسكن فيه . حتى ترك بعدها للغجر يرعون به ماشيتهم. حيثما نتجول في المنطقة الشاسعة نجد الاهتمام ، فالأشجار والورود وتقاسيم الحدائق الهندسية كلها ترعى بحق، ولا تنقطع بلدية غرناطة عن إصلاح القصر، وتعهده لإدرار مزيد من الأموال بجعله في أبهى حلة ، وهذا مما يحسب لهم ، لكن ما يُبقي في القلب حسرة هو عدم إتاحة أكثر من نصف القصر للمعاينة المباشرة، ويقال أن ذلك لحماية القصر، ولا نعلم إن كانت الحماية فعلا هي الهدف ،
أهم وأجمل منطقة تقريبا في قصر الحمراء هي ساحة الأسود ، صحيح أنها رائعة الجمال ، الا أن الصنعة الهندسية في إخراج المياه من أفواه الأسود بقيت من الأسرار ، وكيف أن المهندسين تمكنوا من إخراج الماء من غير مضخات في نسب متساوية من جميع أطراف البركة الدائرية ، والى اليوم يحاول الإسبان إعادة العملية دون جدوى، وهذه الحالة موجود في جميع المياه الخارجة على أطراف سواقي الماء، فإن فيها أمران استعصيا على الفهم ، الأول هو تصعيد الماء الى الأعلى، و الثاني وهو الأهم هو كيف أن نسب الماء الصاعدة من النافورة تكون كلها بمستوى واحد ، بارتفاع واحد ، لا يحيد هذا عن ذاك ابدا ، والمتجول اليوم في قصر الحمراء يجد أن المهندسين لم يتمكنوا من ضبط المعادلة وإيقاعها الرياضي ، ففي الساقية الواحدة تجد صعود المياه غير منضبط ، وفيه عدم تناغم ، مما يدلل على مهارة صنعة المهندس المسلم من ذلك الوقت ، وعلاقته الرائعة بعلم الرياضيات .
نفترق دائما عند التجوال، فالمكان كبير بحق ، وأكثر من يضيع فينا هو ناجي ، فهمه أن يحبس المناظر داخل كاميرته ، فعينه تخون تجوالنا ، إذ هي تبقى ملصقة بشاشة الكاميرا، وكان أن ضاع ست مرات، ومن حقه أن يضيع فهو مطالب بتقديم المزيد من مقاطع الفيديو لكم لتشاهدوا مثل ما شاهدنا ، وتتجولوا كتجوالنا يمكن للقادم للمرة الثانية ، والذي عرف المكان، أن يجعل من قصر الحمراء مكان للراحة، يجلس تحت ظل شجرة، ويسترخي من عناء الدنيا ، فلا أجمل من ذلك ، لكن غيره عرفوا أن للحمراء سرا، فصنعوا في أيامهم دربا طويلا ، مرصوفا بالحصى الكبيرة قيل لنا إنه لطلبة العلم الشرعي، يمشون فيه ذهابا وإيابا لحفظ متون العلم ، كما أن الحصى تنتج نشاطا في القدم بعدما تحفز طاقة الجسم، على شرط أن تمشي حافيا ، في الحقيقة مشينا حفاة الأقدام ، ولكم تمنينا لو حفظنا تلك المتون. عامر الكبيسي - فريق الجزيرة توك - غرناطة