أجمعت ارتسامات أغلب المواطنين، الذين التقت بهم "أخبار اليوم" واستفسرتهم عن رأيهم في موضوع استهلاك بعض الأجانب المقيمين بالمغرب للحوم الكلاب والقطط، على استهجان أكل هذه اللحوم "المقرفة" و"المحرمة شرعا"، بينما اعتبر آخرون أن إقبال هؤلاء الأجانب على لحوم الكلاب فرصة لتخليص الشوارع من الكلاب الضالة التي أضحت تشكل خطرا على المارة. اتهمت مسؤولة بالملجأ الحيواني ببوسكورة الجالية الصينية المقيمة بالدارالبيضاء بكونها تشكل خطرا كبيرا على الحيوانات الأليفة، خاصة الكلاب والقطط. وقالت "مدام فاسيني"، المتطوعة بالملجأ، إن بعض الصينيين المقيمين بالبيضاء يخطفون الكلاب من الشوارع ويقومون بذبحها سرا من أجل أكل لحومها. وبينما لم تضبط مصالح الأمن بالمدينة أية حالة من هذا القبيل، حسب مصدر أمني بولاية أمن الدارالبيضاء، أكدت مسؤولة الملجأ أن شهودا صارحوها برؤيتهم لبعض الصينيين، بمناطق متفرقة من العاصمة الاقتصادية، وهم يخطفون الكلاب ليذبحوها ويأكلوا لحومها. وأضافت المرأة، التي قضت 42 سنة في حماية الحيوانات بملجأ بوسكورة، أن بعض الشهود استدلوا لها بعثورهم أكثر من مرة على رؤوس وقوائم الكلاب مرمية في المزابل بالقرب من بعض الأحياء التي تقطنها الجالية الصينية بالبيضاء. وحاولت "أخبار اليوم" الاتصال بالجهة التي تمثل الجالية الصينية المقيمة بالمغرب من أجل معرفة رأيها في هذا الموضوع، إلا أن المجيب عن اتصالاتنا كان يردد في كل مرة ب"إن الجهة المختصة غير موجودة بالقنصيلة حاليا". وفي الوقت الذي يعتبر فيه أكل لحوم الكلاب والقطط وأنواع من اللحوم المقززة في الصين وبعض الدول الأسيوية أمرا عاديا ويتم ترويجها جهرا بالمطاعم، فإنه يعد في دول أخرى عربية وغربية جريمة محرمة يعاقب عليها القانون. وفي المغرب، ورغم عدم توفر نص قانوني يجرم أكل لحوم الكلاب أو القطط.. إلا أن ذبح هذه الحيوانات من أجل استهلاكها أو ترويجها يعد مخالفة يمكن أن تزج بمقترفها خلف أسوار السجن لمدة قد تصل إلى 6 سنوات. ففي بداية هذا العام، أوقفت مصالح الأمن بالدارالبيضاء 7 أشخاص بعد ثبوت تورطهم في ترويج "لحوم ونقانق لا تصلح للاستعمال البشري". وقد اعترف المتهم الرئيسي، خلال التحقيق معه، بأنه كان يصطاد الكلاب من مزبلة مديونة، حيث أكد أنه كان يترصدها في أوقات محددة ويعمل على شل حركتها ثم يحملها إلى منزل يكتريه بدوار المكانسة، ثم يذبحها ويسلخها ويبيع لحومها. وصرح المتهم، وهو جزار، بأنه بدأ ممارسة نشاط بيع النقانق سنة 2004، في عربته الخاصة بملتقى شارعي محمد السادس وإدريس الحارثي، قبل أن يوسع نشاطه ويتحول إلى بيع للنقانق بالجملة لمجموعة من الباعة بعمالتي سيدي عثمان ودرب السلطان.. بثمن لا يتعدى 20 درهما للكيلوغرام الواحد، كما حدد المتهم أماكن وجود مجموعة من الباعة الذين كانوا يقتنون منه هذا النوع من اللحوم، والذين اعتقلوا بدورهم وأحيلوا على النيابة العامة. وكشف التحقيق مع المتهم أنه كان يتعمد خلط لحوم الكلاب بأمعاء أبقار وأغنام، ثم يضيف إليها ملونا أحمر وبعض التوابل ويفرمها بآلة خاصة بذلك، ويستخرج منها كميات من النقانق واللحم المفروم "الكفتة"، وهو ما يعطيها مذاقا خاصا محببا لدى زبنائه. وقضت المحكمة الابتدائية في حق المتهمين بأحكام تراوحت مدتها ما بين 8 أشهر حبسا نافذا وست سنوات سجنا نافذا. حيث أدين المتهم الرئيسي في هذه النازلة، بست سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية حددت قيمتها في 10 آلاف درهم، فيما حكم على أحد شركائه من الباعة بأربع سنوات حبسا نافذا وغرامة بنفس القيمة. كما تم الحكم على ثلاثة من باقي الأظناء بثلاث سنوات حبسا نافدا وغرامة قدرها 5 آلاف درهم لكل واحد منهم، فيما أدين الاثنان المتبقيان على التوالي بسنة ونصف وأربعة آلاف درهم، وكذا بثمانية أشهر حبسا وألفي درهم. بين مؤيد ومعارض أجمعت ارتسامات أغلب المواطنين، الذين التقت بهم "أخبار اليوم" واستفسرتهم عن رأيهم في الموضوع، على استهجان أكل هذه اللحوم "المقرفة" و"المحرمة شرعا"، بينما اعتبر آخرون أن استهلاك بعض الأجانب للحوم الكلاب فرصة لتخليص الشوارع من الكلاب الضالة التي أضحت تشكل خطرا على المارة. "يععععع تفو.. على قلة اللحم مالقاو غير الكلاب والمشاش"، قالت الحاجة عائشة، ربة بيت، واضعة يدها على فمها وأنفها معبرة عن شعورها بالقرف من مجرد تخيل لحم الكلاب. ويستطرد البقال أحمد معقبا على كلام الحاجة عائشة قائلا: "داكشي ما حرمو الله إلا وغادي يكون فيه شي ضرر على الصحة"، ويضيف، وهو يسلم للحاجة كيسا بالمواد التي طلبتها منه: "وباز لهاد الناس". ويقول رشيد، وهو طالب، إن بعض الأفارقة المقيمين بالدارالبيضاء يصطادون القطط ويذبحونها ويقتاتون على لحومها، مشيرا إلى أن بعض الأحياء بالمدينة انقرضت منها القطط بسبب وجود الأفارقة بها. ويستطرد رشيد (26 سنة) موضحا أن استهلاك لحوم الكلاب والقطط وحتى الحمير لم يعد يقتصر على الأجانب فقط، إنما أصبح بعض المغاربة، ممن وصفهم بعديمي الضمير، يروجون لمثل هذه اللحوم وسط زبائنهم مستغلين الغفلة وانعدام المراقبة، مستدلا بحالات كثيرة تم ضبطها من طرف السلطات مؤخرا. وفي نفس السياق، عبر عدد من المواطنين، من الذين اعتادوا على استهلاك الأكلات الجاهزة (الساندويتشات)، عن تخوفهم من أن تتسرب مثل هذه اللحوم الفاسدة إلى الأكلات التي تقدم لهم، داعين السلطات المختصة إلى "تكثيف دوريات المراقبة لضمان صحة وسلامة المستهلك". لكن بالنسبة إلى الطاهر، وهو عامل في شركة، فإنه لا يرى أي ضرر في إقبال الأجانب على تصيد الكلاب من الشوارع بغرض ذبحها، حيث شدد على أن هؤلاء يؤدون خدمة جليلة للبلاد، وهي القضاء على "معضلة" الكلاب الضالة التي تهدد أمن المواطنين ليل نهار. ويوافقه الرأي في ذلك زميله خالد، حيث قال، وهو يمط شفتيه مستغربا: "وما المخالفة التي يرتكبها هؤلاء الأجانب إذا كانوا يذبحون هذه الحيوانات بغرض الاستهلاك الشخصي؟!". ويعود الطاهر ليقاطع صديقه خالد قائلا: "كلنا نعرف أن لهؤلاء الأجانب خلفية ثقافية تبيح أكل لحوم الكلاب، فما المانع إذا كانوا يقومون بتخليصنا من إزعاج الكلاب المشردة؟"، وصمت قليلا ثم أضاف: "فليأكلوا الكلاب ماداموا يستسيغونها وماداموا لا يقومون بأكلها أمام الملأ، ولا يحاولون غش الآخرين بإيهامهم بأنها لحوم حيوانات أخرى". تجارة مربحة بمنطقة درب عمر الشهيرة، التقينا بصلاح (39 سنة) الذي يعمل حمالا ينقل البضائع على عربته التي يجرها بنفسه. يقول وهو يهز إحدى يديه مشيرا إلى أن هذه الظاهرة مألوفة لديه: "الشينوا معروفين هنا كيشريو الكلاب باش ياكلوهم"، صمت قليلا ثم زاد وهو يبتسم ساخرا فقال: "الشينوا بحال النمل كياكلو للي فوق الأرض وللي في البحر والسما وكولشي". وأشار صلاح بيده ناحية أحد المراكز التجارية الصينية بالمنطقة، مؤكدا أن الجالية الصينية التي توافدت على المدينة واستقرت بها منذ سنوات، نقلت إليها العديد من عادات وتقاليد بلدها ومن بينها أكل لحوم الكلاب. وأضاف وهو يكدس بضائع من الحجم الكبير فوق "كروسته": "أنا براسي يلا لقيت شي كلب منزكلوش.. نبيعو لشي واحد فيهم باش ندبّر على المصيريف". وحسب صلاح، الذي يقول إنه يعرف الكثير عن هذا الموضوع بحكم احتكاكه مع بعض التجار الصينيين، فإن بعض الشباب المغاربة يخطفون الكلاب الضالة من الشوارع ويقومون ببيعها لمن يطلبها من الصينيين بأثمنة تختلف حسب سن الحيوان. ويوضح صلاح أن الطلب يكون على الجراء أكثر من الكلاب الكبيرة في السن، لطراوة لحومها واختلاف طعمها عن طعم الكلاب الكبيرة في السن، على حد قوله. وحول طرق اختطاف الكلاب، قال صلاح إن الصيادين يستدرجونها من الأحياء والشوارع قبل أن يحكموا قبضتهم عليها ويسوقوها للبيع، مضيفا أن العملية تكون سهلة إذا ما كان الكلب سهل الاستدراج، أما إذا كان شرسا فإنهم يستعينون بكلاب أخرى تدخل معه في معركة قبل أن يباغتوه بضربة قوية بعصا يصاب بعدها بدوار، فيسهل إذاك ربطه واقتياده. وفي حين تظهر بعض أشرطة الفيديو على الأنترنت أن الكلاب في الصين تساق إلى المذابح بطرق قاسية، حيث تشنق بملاقط حديدية وتضرب بالعصي فوق رأسها أو عن طريق صعقها بالكهرباء أو نحرها، قبل سلقها وتجزيئها إلى قطع جاهزة للطبخ، نفى صلاح علمه بالطرق التي تذبح بها الكلاب وتطهى هنا في البيضاء، لكون ذلك يتم سرا في البيوت، لكنه أكد أنه يعرف أن آكلي هذه اللحوم يفضلون طهيها في القدر بعد أن يشبعوها بالتوابل لكي تزول رائحتها الكريهة ويصبح لها طعم لحم الخروف، في حين أن طعمها وهي مشوية يكون أقل لذة نظرا لكثرة الدسم فيها. وحينما سألناه إن كان قد تذوق لحم الكلب يوما، لم ينتظر أن نكمل الجملة حتى بدت عليه علامات الضيق، فقطب جبينه ثم نحى بوجهه جهة اليسار وبصق على الأرض تعبيرا عن شعوره بالقرف من مجرد التفكير في هذه اللحوم، قبل أن يشمر عن ساعديه ويدفع "كروسته" ليوصل بضاعة زبونه إلى الوجهة التي يريد. لحوم مضرة بالصحة "لحم الكلاب نوع من أنواع اللحوم يكون لونه أحمر داكنا وقوامه صلب وسطحه لزج، ورائحته كريهة غير مقبولة، وخيوطه دقيقة ولا يخالطه إلا القليل من الدهن بين العضلات وتحت الجلد ولون الدهن أبيض أو مائل إلى الصفار، وقوامه شحمي زيتي. ويتميز لحم الكلاب بأنه يزداد احمرارا عند غليه بالماء"، هكذا وصفت موسوعة "ويكيبيديا" لحم الكلاب التي تعتبر من أكثر الحيوانات تعرضا للأمراض. وبينما يدعي أكلة لحوم الكلاب والقطط أنها شهية وجيدة للصحة وتزيد القوة والفحولة، لا يرى الأطباء أي فائدة في لحم الكلاب التي أثبت الطب أن أكلها من طرف البشر يسبب أمراضا خطيرة على الصحة، كما يسبب عسرا في الهضم لأنها تحتوي على ألياف عضلية. يقول الدكتور رشيد باغاشول، طبيب بيطري: "إن أكل لحم الكلاب والقطط لا يضر فقط بالمعدة وإنما أيضا بالقلب والكبد". وأوضح المختص، في اتصال مع "أخبار اليوم"، أن كثيرا من الأمراض الخطيرة تنتقل من هذه الحيوانات إلى آكليها، وذكر منها على الخصوص الأمراض الكبدية، حيث قال إنها تنتقل إلى البشر مباشرة عن طريق الأكل. ودعا باغاشول، الذي يشغل أيضا منصب رئيس "الاتحاد المغربي لحماية الحيوانات"، المشرع المغربي إلى سن نص قانوني يعاقب مستهلكي لحوم الكلاب والقطط، مشيرا إلى أن في ذلك حماية لهذه الحيوانات من جهة، ولصحة آكليها من جهة ثانية. أيت بلعيد: يمكن أكل هذه اللحوم عند الضرورة القصوى فقط أجمع أغلب أهل العلم على تحريم أكل لحم الكلاب والقطط، معتمدين على الحديث النبوي الذي يحرم أكل كل حيوان ذي ناب من السباع، إلا فقهاء المذهب المالكي (المعتمد في المغرب)، فإن لهم قولين في هذا الموضوع: قول بأنه محرم، وقول بأنه مكروه. ويقول الدكتور الحسن أيت بلعيد، الخطيب والواعظ بالمسجد المحمدي بالمشور السعيد التابع للمجلس العلمي بجهة الدارالبيضاء: "إن الأساس في المطعومات وتناولها في الإسلام هو الطيب والطيبات". ويضيف أيت بلعيد موضحا، في تصريح ل"أخبار اليوم"، أن المؤمن مطالب بأكل الطيب من المطعومات ومنها تناول الحيوانات، مشيرا إلى أن "الأصل في كل حيوان هو الإباحة ما لم ينه المشرع عنه. وبالنسبة إلى الكلاب والقطط فإنها تدخل في إطار المنهي عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي حرم أكل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع". وزاد المتحدث موضحا أن حكم الكراهة، الذي يراه بعض فقهاء المالكية في أكل لحوم الكلاب والقطط، لا يعني كراهة الإباحة بل كراهة الترك والتحريم. مضيفا: "إن هذه الحيوانات مفترسة ومن ذوات الأنياب وتعاف أكلها الأنفس، كما أنها موبوءة وقد تضر آكلها، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: "يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث"، والقطط والكلاب تأكل الميتات والنجاسة، فهي خبيثة". وسبق للشيخ المصري عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، أن أصدر فتوى أجاز فيها للمسلمين أكل القطط والكلاب وحتى القردة والجرذان وبعض الحشرات. وقال الشيخ الأطرش في حوار نشرته جريدة «الشرق الأوسط» في وقت سابق، "إن من الحلال على المسلم أكل القردة مثلا، بل والذباب والجرذان ولحم الفيلة والقطط والكلاب والفراشات والهوام الصغيرة التي تصعب رؤيتها إلا بعد التحديق بها وهي تعرش أو تطير، وكله لا يحرّمه الإسلام طالما اشتهته النفس، إلا ما نصت عليه آيات في التشريع والحدود واردة في القرآن الكريم واستهدفت حيوانات معينة، وأهمها توضيحا وحسما هي الآية 145 من سورة الأنعام «قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير، فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم»". واستدل الأطرش بكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك أكل الضب مثلا لأنه لم يكن معتادا عليه، ولم يحرّمه على الأمة بل اكتفى بالقول: "لست بآكله ولا محرمه"، وقد أكل أحدهم الضب على مائدته والرسول ينظر إليه، ولم يكن الذي أكله أمامه سوى خالد بن الوليد. لكن الدكتور أيت بلعيد، أستاذ بلاغة القرآن بجامعة الحسن الثاني بعين الشق، يرى أنه لا يجب العمل بهذه الفتوى إلا عند الضرورة القصوى فقط، أي في حالة الجوع الشديد المؤدي حتما إلى الموت، غير أنه دعا إلى تجنب هذا الاختيار، إن وجد في حالة الضرورة، لما فيه من أذى لصحة الإنسان، وختم المتحدث كلامه بقوله تعالى: "ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة أخبار اليوم