كم هو موحش وقاس هذا الموت ، أي فلسفة يخبئها لنا وهو يذهب بالصديق تلو الأخر ويلتقط أحبتنا من قلوبنا ، يغادرنا عبد الحميد الفاسي بعد مرض تحمله في أناة وصبر المؤمنين ، استحضر المرحوم واستحضر ما كتبت عنه في رمضان ما قبل الاخير ، بعد ان قمنا بزيارته انا والصديق عادل البدوي النص : وجدت عادل البدوي ينتظرني بمقهى الواحة مساء ذات سبت ، لاحظت إحساسا يعتريه وهو يقدم على هذه الزيارة ، ربما هو إحساس مشترك ، الفرق أنني كنت ازور صديقا مريضا وعادل يزور صديقا للمرحوم والده السي عبد السلام البدوي ،كنا في الموعد حينما استقبلتنا ليلى الفاسي ابنة الصديق عبد الحميد الفاسي ، وقادتنا مباشرة لنسلم عليه ، وضعت قبلة على جبينه وأنا اردد شافاك الله سيدي عبد الحميد فيما عمد عادل البدوي الى اخذ يده وتقبيلها منخرطا في موجة من البكاء ، حاولت ان اخفف عنه لكنني شعرت وكانه يقول لي دعني اقبل يد اخر ممن تبقوا من الصروح الكبيرة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ،ربما استحضر معاناة هذا الجيل والذي كان منهم والده ، انتهت الزيارة على وقع دموع عادل .. عبد الحميد الفاسي لم تجمعني به علاقة الحزب فقط ، بل كان صديقي وقبلها صديق لوالدي ، والدي صديق لوالده ولزوج أخته المرحوم السي محمد الشقيفي ،ربما اربكتكم بهذه الصداقات المتداخلة ، لكنها هكذا كانت العلاقات والصداقات بمدينتنا تمتد إلى الآباء والأجداد والأصهار ،اقتربت منه أكثر بعد انتخابات1992 بعد ان مني الحزب بهزيمة، لحظتها أحسست ان الرجل يضمر شيء ،وهو ما سيأتي ذكره لاحقا ..... هو ابن للحاج محمد الفاسي احد الأطر المؤسسة لحزب الاستقلال بالقصر الكبير ، ولد عبد الحميد الفاسي يوم الجمعة 23 دجنبر 1939 هذا هذا ما دونه والده في وثيقة ، يسجله والده بمدرسة محمد الخامس بالرباط بعدها بالمدرسة الاهلية الحسنية تم ينتقل لاستكمال دراسته بداية من 1955 بالمعهد المغربي للدراسات الثانوية بالعرائش الذي كان يديره المرحوم عبد القادر الساحلي سنة 1959 يرحل إلى القاهرة لنيل الشهادة الثانوية القسم الأدبي،وهو في طريقه إلى القاهرة على متن الباخرة يتعرف على المرحوم العقيد الهاشمي الطود، يحكي عبد الحميد الفاسي ان بداية العلاقة كان احتكاكا كاد أن يتطور إلى خصام ولكنه سرعان ما سيتحول هذا الاحتكاك الى صداقة متينة امتدت لعقود ، في القاهرة سيحتضنه المرحوم الهاشمي الطود ويرعاه هناك ويعمل على إدماجه في إحدى المدارس العسكرية لكن اعتراض الحاج محمد الفاسي حال دون أن يكمل مسيرته العسكرية ، ليعود المرحوم الهاشمي إلى المغرب تاركا صديقه هناك الذي انخرط في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فرع الجمهورية العربية المتحدة ، ممثلا لفدرالية الاقاليم الجنوبية ، هذا ما تثبته بطاقة انخراطه ،ويعود بعد بالحاح من والده متشبعا بفكر ثورة جمال عبد الناصر الذي شكل له دائما احد القدوات ، كان الجو السياسي بالمغرب يعرف احتقانا بين القصر والحركة الوطنية من جهة ومابين تيارين في حزب الاستقلال الذي خرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من جهة اخرى ، سينخرط في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ويكمل دراسته بكلية الحقوق بالرباط لينال الاجازة في العلوم السياسية ، ليتوقف مساره الدراسي بعد احاث23مارس1965 ويعود الى القصر الكبير ليلتحق بسلك التدريس بالمعهد الديني بعدها تسند له مهمة الحراسة العامة الى ان يتقاعد تقاعدا نسبيا سنة1994 خلال هذه المسيرة العملية سيرتبط بصذاقات قوية مع كل من المرحوم عبد السلام الطريبق وابن عمه عبد الله الفاسي والمرحوم عبد السلام بكور وغيرهم ،ولينخرط في الجامعة الملكية للشطرنج ، وعرف عنه اتقانه لهذه اللعبة ، اما حياته الاسرية ، فبقدر الانطباع الذي يتركه لدى الاخرين من صرامة وحدة الطبع ، ودودا حنونا اتجاه ابناءه وهذا ما تؤكده دائما ابنته ليلى الفاسي ، عرف عنه وفائه لاصدقائه والتضامن معهم في محنهم ، الا ان اقرب الناس اليه كان المرحوم مصطفى مومن ، تصفه ابنته ليلى ( كان التوام الروحي لوالدي ) وكان لوفاة المرحوم مصطفى مومن اثر الصدمة عليه حيث سيدخل في حزن عميق ،اما مسيرته السياسية ، كان يمارسها بنوع من الصرامة لا يحابي احد ولا يتنازل عن مواقفه ، سنة1997 يعود الى مقر الحزب لتسند له ادارة الحملة الانتخابية ، كنت بجانبه في سكرتارية الحملة ، ادار الحملة بيد فولادية ، وكانه قائدا لمعركة ، وقتها ادركت ما كان يضمره منذ سنة1992 لا بديل عن الانتصار ورد الاعتبار، كان اول من يحضر واخر من يغادر ، يشرف على كل شيء بنفسه ، يواكب الحملة دائرة دائرة يشرف على اجتماع المرشحين ، يجتمع مع ادارة الحملة ، يخطط ولا يعلن عن خطته اليومية الا قبل الخروج الى الدوائر بلحظات ، وكانت له خطته الشاملة لكسب الانتخابات ، ليحقق الحزب اجمل انتصار بصمود المناضلين ، بعد ظهور النتائج يمضي عبد الحميد الفاسي ويعود لحياته وكانه يقول الان اديت مهمتي . لينتظر الصيف ليرحل الى مدينة اصيلة وهي المدينة التي عشقها ولا تحلو له اصيلة الا مع صديقه المرحوم الهاشمي الطود ولا يحلو الصيف لهذا الاخير الا بوجود عبد الحميد الفاسي رحلتَ وفي القلب غُصَّة وفي النفس حسرة؛منحت اسرتك كل شيء ، ، كنت تشاطر أبناءك لقمتك، وتكدح في سبيل راحتهم، وتَضيق بك الدنيا من أجلهم، ، قدَّمتَ لهم ما لم يقدمه أبٌ لأبنائه، ومنذ أن عرفوا الحياة وأنتَ لهم العطاء والاحتواء، والصبر والوفاء رحمك الله سيدي عبد الحميد